«وفاة طفلة في عمر الزهور، المستشفيات الحكومية مقبرة الغلابة».. عناوين كثيرة قد تحمل اللوم وتشير بأصابع الاتهام نحو المسؤولين عن المنظومة الصحية طفلة تدفع حياتها ثمنًا للإهمال بمستشفى حكومي، بعدما رفض الأطباء الكشف عليها وتفرغوا للتعدي على والدها بالسباب حتى اصطحبها عائدًا للمنزل، لتفارق الحياة بعدها ب24 ساعة، والبداية كانت مع الساعات الأولى من ظهيرة يوم السبت الماضي، كانت «فاطمة» الطفلة التي بالكاد أتمت أربع سنوات ونصف السنة من عمرها، على موعد مع كتابة اسمها في سجل حافل بالمآسي والأوجاع التي يتعرض لها «الغلابة» داخل المستشفيات الحكومية، والتي لا تخلو هي الأخرى من وقائع الإهمال والتقليل من شأن المرضى «غير القادرين». «وفاة طفلة في عمر الزهور، الإهمال يتسبب في وفاة طفلة بالشرقية، المستشفيات الحكومية مقبرة الغلابة».. عناوين كثيرة ومانشيتات عريضة قد تحمل اللوم وتشير بأصابع الاتهام نحو المسؤولين عن المنظومة الصحية في مصر، لكنها للأسف لن تُعيد حياة طفلة لقيت ربها وهي تدعو على أطباء لم يُكلفوا أنفسهم حتى عناء الكشف عليها «وفاة طفلة في عمر الزهور، الإهمال يتسبب في وفاة طفلة بالشرقية، المستشفيات الحكومية مقبرة الغلابة».. عناوين كثيرة ومانشيتات عريضة قد تحمل اللوم وتشير بأصابع الاتهام نحو المسؤولين عن المنظومة الصحية في مصر، لكنها للأسف لن تُعيد حياة طفلة لقيت ربها وهي تدعو على أطباء لم يُكلفوا أنفسهم حتى عناء الكشف عليها أو تشخيص مرضها، الذي كان يتلخص ببساطة في حاجتها للتنفس الاصطناعي، بل وطالبوا والدها بالتوجه للكشف عليها بإحدى العيادات الخاصة خارج المستشفى بعدما نعته أحدهم بألفاظ لا تخرج من ملائكة الرحمة. «فاطمة» ذهبت محمولة على أكتاف والدها، الذي اصطحبها هي وشقيقيها «عمر» و«علي» وزوجته، بعدما تألم الجميع وضرب الحزن أوصالهم وهم يرون فرحتهم الأولى ينهشها المرض وتضيع أمام أعينهم، فما كان من الأب إلا الذهاب إلى مستشفى القُرين المركزي بمحافظة الشرقية، بحثًا عن تشخيص وعلاج يشفي طفلته ويزيل هموم الجميع. دخلت الأسرة إلى بهو المستشفى، وما إن رأى الأب أحد الأطباء حتى هرول إليه شاكيًا: «إلحقني يا دكتور عاوز أكشف على بنتي ومش عارف فيها إيه»، فما كان من الأخير إلا أن ردَّ متسائلًا: «مالها؟»، ليُعقب الأب: «دراعها خدلان وسُخنة من امبارح.. جبنا لها دوا علشان السخونية تنزل مانزلتش». «أصبر دقيقة واحدة».. قالها طبيب الاستقبال لوالد الطفلة، بينما حضر طبيب آخر يحمل أوراقًا ويُحادث الطبيب الأول، ومع إلحاح والد الطفلة ترك الطبيب الثاني حديثه مع زميله والتفت لوالد الطفلة: «عاوز إيه؟»، ليُكرر الأب طلبه: «بنتي تعبانة وعاوز أكشف عليها.. تعالى إكشف عليها إنت طيب»، ليطالبه الطبيب بالصبر، ومعها تملك الغضب من والد الطفلة، الذي رد بتساؤل: «دا بدل ما تقول لي اتفضل ونحط البنت على سرير من باب الرحمة حتى علشان تعبها». رد الأب على ما يبدو لم يُفرج أسارير الطبيب، الذي استجاب بكلمات حملت طابع الضيق: «اتفضل» مشيرًا إلى غرفة الاستقبال، التي كان يرقد فيها مريض عجوز ويقف بجواره شاب يبدو أنه نجله، وينتحب في نوبة بكاء على حال والده، فما كان من الأب إلا أن ظهر الغضب على رده هذه المرة: «أتفضل فين والأوضة فيها عيان وابنه جنبه بيعيط». وهنا تغيرت دفة الحوار برمته، ودخل الطبيب في نوبة حملت سبابا وألفاظا يستحيل أن تُصدق أنها من طبيب و«ملاك رحمة»، الذي وجه عبارات نابية لوالد الطفلة، آخرها «إنت أصلا إنسان قليل الأدب»، قبل أن يطردها بصورة صريحة «روح إكشف عليها عند دكتور في عيادة بره». الطرد لم ينال من عزيمة الأب بقدر ما حملته ردود الطبيب الأول، الذي عاد إليه الأب مرةً أخرى عسى أن يكشف على طفلته، لكن الطبيب نظر في الأرض ورفع عبوة مياه غازية كانت بحوزته، شرب ما فيها ونظر إلى الطفلة ووالدها نظرة خاوية ولم يُعقب، فما كان من الأب إلا أن صعُبت عليه نفسه وترجل خارج المستشفى، لكنه التفت إلى أمين شرطة يقف على باب المستشفى، الذي قال له مُحذرًا: «هتمشي ولا أركبك البوكس». غادر الأب وأسرته محيط المستشفى، ليتوجه إلى إحدى العيادات الخاصة، حيث أخبرهم الطبيب هناك بأن الطفلة درجة حرارتها مرتفعة، وكتب لها روشتة أدوية وحقن، لكن الطفلة لفظت أنفاسها الأخيرة صباح اليوم التالي. تنهد والد الطفلة بعد كلماته التي روى خلالها ما دار، قبل أن يلتقط شقيقه «مصطفى» أطراف الحديث، موضحًا أن شقيقه كان يعمل في السعودية وعاد قبل 8 أشهر إلى بلدته، وأنهم «ناس على أد حالهم زي الغلابة» ذهبوا إلى المستشفى وحدث ما حدث. وأوضح مصطفى أن الطفلة حالتها صباح يوم وفاتها كانت صعبة جدًا، حيث دخل الجميع في نوبة بكاء ولم يقوَ والدها على الذهاب بها إلى المستشفى، فاصطحبها هو وأحد أشقائه، إلى المستشفى مرة أخرى عسى أن ينقذوها: «كانت محتاجة جهاز تنفس ودخلنا الاستقبال الدكتور قال لنا اصبروا شوية، ومافيش دقايق لقينا واحدة من الممرضات بتقول لنا البنت ماتت خلاص». وأشار عم الطفلة إلى أنهم ذهبوا في اليوم التالي إلى مدير المستشفى، الذي طالبهم بعمل شكوى لإحالة الطبيب إلى التحقيق، فيما ذهب جد الطفلة إلى قسم الشرطة وحرر بلاغًا بالواقعة، موضحًا أنهم لا يبحثون عن أي حقوق لكن كلماتهم وشكواهم «علشان اللي حصل ميتكررش مع عيال غيرنا». وما زالت جرائم الإهمال الطبي، منتشرة في كل أنحاء الجمهورية، يعاني منها فقراء وبسطاء القرى والمدن، في غفلة من متابعة وزارة الصحة، وأيضًا المراقبين، تعددت القصص والروايات على مسامعنا من "دكتور نسي فوطة أو مقصا في بطن مريض، ودكتور ساب الضرس البايظ وخلع السليم، وقتل بالخطأ نتيجة بنج بزيادة"، وغيرها من الأخطاء التي لا يحاسب أصحابها، فقط لكونهم أطباء.