ما هي أكلات الجمعة العظيمة عند الأقباط؟    الوزراء يتلقي شكوى في مجال الاتصالات والنقل والقطاع المصرفي    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    رواتب تصل ل 12 ألف جنيه.. 3408 وظيفة ب16 مُحافظة - الشروط والأوراق المطلوبة    اليوم.. وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يفتتحان مسجد محمد فريد خميس بالعاشر من رمضان    وأنت في مكانك، خطوات تجديد بطاقة الرقم القومي أونلاين    اعرف سعر الدولار اليوم الجمعة 3-5-2024 فى البنوك المصرية    رغم المقاطعة.. كوكاكولا ترفع أسعار شويبس جولد (صورة)    تحرير 38 محضر إشغال طريق وتنفيذ 21 إزالة فورية بالمنوفية    الرئاسة في أسبوع.. قرارات جمهورية هامة وتوجيهات قوية للحكومة    أسعار البيض اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    تسلا تعرض شاحنتها المستقبلية سايبرتراك في ألمانيا    طريقة تشكيل لجان نظر التظلمات على قرارات رفض التصالح في مخالفات البناء    بعد استهدافها إيلات الإسرائيلية.. البحرين : سرايا الأشتر منظمة إرهابية خارج حدودنا    حرب غزة.. رسائل مصرية قوية للعالم لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى    السنوار يعارض منح إسرائيل الحق في منع المعتقلين الفلسطنيين من العيش بالضفة    أكسيوس: اجتماع أعضاء من «الشيوخ» الأميركي و«الجنائية الدولية» في محاولة لإنقاذ قادة الاحتلال    الزوارق الحربية الإسرائيلية تكثف نيرانها تجاه المناطق الغربية في رفح الفلسطينية    حماس تثمن قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرائيل    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    تشكيل اتحاد جدة المتوقع أمام أبها| حمد الله يقود الهجوم    عبد المنصف: عرض سعودي ل مصطفى شوبير.. وأنصح الأهلي يبيع ب 4 مليون دولار    كلوب عن أزمته مع محمد صلاح: تم حل الأمر ونحن بخير    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    «الأرصاد» تحذر من طقس الأيام المقبلة: انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الأمواج    خلافات سابقة.. ممرضة وميكانيكي يتخلصان من عامل بالمقطم    ننشر استعدادات صحة القليوبية لاحتفالات عيد القيامة واعياد الربيع .. تفاصيل    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مخزن ملابس بالعمرانية    استعدادات غير مسبوقة في الشرقية للاحتفال بأعياد الربيع وشم النسيم    حكم تلوين البيض وتناول وجبات شم النسيم.. الأزهر العالمي للفتوى يوضح    ذكرى وفاة زوزو نبيل.. عاشت مع ضرتها بشقة واحدة.. واستشهد ابنها    "مانشيت" يعرض تقريرا من داخل معرض أبوظبى الدولى للكتاب اليوم    بول والتر هاوزر ينضم ل طاقم عمل فيلم FANTASTIC FOUR    واعظ بالأزهر ل«صباح الخير يا مصر»: علينا استلهام قيم التربية لأطفالنا من السيرة النبوية    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    ألونسو: قاتلنا أمام روما..وراضون عن النتيجة    الشارقة القرائي للطفل.. تقنيات تخفيف التوتر والتعبير عن المشاعر بالعلاج بالفن    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    إشادة حزبية وبرلمانية بتأسيس اتحاد القبائل العربية.. سياسيون : خطوة لتوحيدهم خلف الرئيس.. وسيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    حكم وصف الدواء للناس من غير الأطباء.. دار الإفتاء تحذر    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مي زيادة.. الخروج على مجتمع السمع والطاعة
نشر في التحرير يوم 05 - 10 - 2018

لمى زيادة وجوه عديدة، متجددة، كلما برز شيء جديد فى سيرتها غير المكتملة بصورة مرضية تليق بها أو تلبى الفضول، وكلما حلت ذكرى ميلادها أو وفاتها يتجدد الحديث.
قد يكون الجديد دراسة أكاديمية تبحث فى جانب من نتاجها الإبداعى والنقدى أو تفصيل من حياتها أو حياة من عرفت، قبل أشهر ذكر الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، مرات عديدة، فى مقابلات صحفية للترويج لروايته الجديدة "ليالي إيزيس كوبيا- ثلاثة مئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية"، التى تتضمن أحداثا متخيلة عن حياتها، أنه أمضى أكثر من ثلاثة أعوام في التنقيب عن المرحلة الأخيرة من حياتها إلى أن ضمّن هذا الجزء المرير في روايته، وهكذا يعاد رسم صور مى صحافيا وإعلاميا، ويكثر الحديث عن موضوعات "حريفة"، جاذبة، من نوعية "هؤلاء أحبوا مي زيادة".
تعزل فيها بعض وقائع من حياتها عن سياقها لترسم صورة لأمرأة يحيطها رجال عظام، أحبوها جميعا بصور مختلفة بحسب طبائعهم الشخصية، فتبدو، أحيانا، وكأنها "ملكة النحل" التى يحيط بها الشغيلة الخاضعون، أو أنثى العنكبوت، ويبدو هؤلاء العظام وكأن لا شيء يشغلهم سوى الهيام بها.وتتنوع قوائم هؤلاء المحبين من بين من عرفوا
تعزل فيها بعض وقائع من حياتها عن سياقها لترسم صورة لأمرأة يحيطها رجال عظام، أحبوها جميعا بصور مختلفة بحسب طبائعهم الشخصية، فتبدو، أحيانا، وكأنها "ملكة النحل" التى يحيط بها الشغيلة الخاضعون، أو أنثى العنكبوت، ويبدو هؤلاء العظام وكأن لا شيء يشغلهم سوى الهيام بها.
وتتنوع قوائم هؤلاء المحبين من بين من عرفوا مي معرفة قريبة لسنوات عديدة متصلة، بعضهم كان منها بمثابة المعلم والموجه، لكن أغلبهم لم يك يكبرها إلا ببضع سنوات، من بين هؤلاء يبرز: أحمد لطفى السيد، طه حسين، مصطفى صادق الرافعى، الشيخ مصطفى عبدالرازق- شيخ الأزهر فيما بعد- عباس محمود العقاد، يعقوب صروف، والأب آنستاس مارى الكرملى، والأمير شكيب أرسلان، ود. أنيس المقدسى، وتوفيق الحكيم، وأحمد حسن الزيات، وخليل مطران، وخليل مردم، وفخرى البارودى وفارس الخورى، وقد راسلت كل هؤلاء جميعا وراسلوها، فكما نلاحظ من سيرتها فقد كانت كثيرة السفر بين مدن عربية ودول أوروبية عديدة، كما كانوا هم أيضا.
الكثير من الكتاب والنقاد والصحفيين يضع كل هؤلاء فى جانب، ويضع جبران جليل جبران فى جانب آخر، ويؤكدون أنها لم تحب سوى جبران، أو أنها لم تحب أحد بقدر حبها له، وهناك جوانب من تلك الصور التى ترسمها الصحافة والمواقع الصحفية قد يكون واقعيا، لكنها بعزلها عن السياق العام لحياتها وعصرها ترسم صورا شائهة لمى، وهناك سمات فى حياتها وشخصيتها مماثلة لشخصيات نسائية عديدة سبقتها ورافقتها، لكن شخصية مى متكاملة فريدة فرادة مطلقة فى تاريخنا الأدبى الحديث.
الصورة الشخصية الأكثر دقة وأمانة لمى ترسمها الباحثة سلمى لطفي الحفار الكزبري (1922 - 2006)، ففى الغلاف الخارجى للمجلد الأول للأعمال الكاملة لمى زيادة، الصادر طبعته الأولى عام 1978، نقرأ عنوان "النبوغ والمأساة"، وتبدأ التقديم بفقرة مأخوذة من كتاب مى: "عائشة تيمور، شاعرة الطليعة"، وكأنها تريد ان تقول أن هذه الفقرة تعبيرا عن صورة مى كما تراها بنفسها، أو أنها تعبير عن واقع المرأة العربية المثقفة الراغبة فى التحرر والمشاركة والمساواة: "أليس أشد دلائل القوة خطرا أن يظل النسر محلقا ولو مهشما داميا؟ أن يظل محلقا حتى بجناحين مهشمين داميين؟"، ثم تواصل التقديم: "النبوغ والمأساة. كلمتان تختصران حياة ميّ زيادة في شروقها وغروبها، قدر رحيم وقاسٍ رفع هذه الأديبة إلى قمة المجد ثم أرداها إلى هاوية الشقاء، كاتبة فذة أعطت للعلم والأدب والنهضة العربية الحديثة عمرها كله ولم تحصل على شيء اللهم إلا على أرفع مكانة في تاريخ الأدب العربي!
نابغة شقيت بنبوغها كما لم يشق به أحد غيرها عبر العصور، أحاط بها عظماء عصرها وعلَّقوا على هامتها إكليل المجد وجفاها أهلوها ثم جاراهم كثير من أصدقائها بعد أن أدبر سعدها مما يدعو إلى القول إن من المفارقات العجيبة في بلادنا أن نحارب النبوغ ويُهان صاحبه، ولا سيما إذا تجلى في امرأة".
منصور فهمي الذى كان أستاذا لمي في الجامعة المصرية، وأحد رواد ندوتها الأسبوعية الشهيرة التي كان يحضرها كبار أدباء مصر والأدباء الشوام فيها، وتصفه الكزبرى بأنه من أكبر المعجبين بمى، وأوفاهم لها، كتب يقول إن مى أصابتها "أعراضا تشبه الجنون وتلامسه".
إذا وضعت تعبيرات مثل: "هؤلاء أحبوا مي زيادة"، بجوار وقائع من قبيل أن ندوة مى زيادة الأسبوعية - أو صالونها الأدبى بتعبير آخر- قد استمر لمدة عشرين عاما (1911- 1931) وحضره عشرات، وربما مئات، من كبار المفكرين والسياسيين والأدباء والشعراء من مصريين وعرب وأجانب، فقد يعتقد البعض أنه من الغريب أن تصف سلمى الكزبرى مى بأنها كانت "تعانى الغربة الفكرية، وحتى العاطفية فى حياتها"، لكنها إذا تحيل إلى فقرة من كلمة مى فى تأبينها لباحثة البادية، تبدو وكأنها تقدم تفسيرا معقولا: "يجب أن يكون الوسط راقيا جدا ليقدر الفرد الراقى وإلا أهمله، وعد نبوغه جنونا، ورأى فى توجعه من التقهقر والانحطاط وقاحة وشرودا".
سنجازف بمحاولة رسم صورة سريعة لمى لمن لم يسبق له معرفتها، وسنخلص إلى بضع استنتاجات: مى وحيدة والديها، اسمها مارى، واختارت أن تدعى مى ووقعت به مقالاتها ورسائلها لنعومته وعلاقته الوثيقة بالتراث العربى- البعض يفسر أن ذلك بدافع طمس الملمح المسيحى الظاهر فى الاسم-، أبوها إلياس زخور زيادة، لبنانى من قرية "شحتول" بقضاء كسروان، سافر أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى قرية الناصرة عاصمة الجليل بفلسطين وعمل معلما، ثم تزوج من فتاة فلسطينية من أصل سورى من الناصرة اسمها نزهة معمر، درست مى فى مدرسة الناصرة الابتدائية، وعند بلوغها الرابعة عشرة عادت إلى موطن أبيها كسروان، كى تتمكن من متابعة الدراسة فى دير الراهبات بعينطورة، وتخرجت فيه عام 1904، وعادت إلى أسرتها فى الناصرة، ثم انتقلت مع أسرتها إلى مصر عام 1908، دخلت الجامعة المصرية عام 1916 ودرست الآداب والفلسفة، وأتقنت خمس لغات محادثة وكتابة هى: الفرنسية والأنجليزية والأمانية والإسبانية إلى جانب اللغة العربية، وكتبت بهذه اللغات فى الصحف والمجلات.
تولى أبيها إدارة جريدة "المحروسة"، ونشرت فيها، كما نشرت مقالات وأشعارا وترجمات فى مجلة "الدهور"، وفى جريدتى: "اسفنكس" و"إيجبشين ميل" الصادرتين بالإنجليزية، ثم عملت فى ثلاثينيات القرن العشرين محررة فى جريدة "الأهرام"، وخصص لها عمودان على الصفحة الأولى من الجريدة، ونشرت مقالات كثيرة فى مجلة "الهلال"، وفى جريدة "السياسة الأسبوعية" وفى جريدتى "أبوالهول" و"التقدم المصرى" الصادرتين بالفرنسية وفى جريدة "البريد المصرى" التى صدرت بالإنجليزية.
أليس واضحا طبيعة بدايات حياتها: البيئة ذات النسيج المتجانس نسبيا بين لبنان وفلسطين وسوريا ومصر، العزلة عن الأسرة فى مدرسة الدير، التنقل بين المدن العربية، جاذبية القاهرة الشديدة، الأسس المعرفى واللغوى المتين، التنوع الثقافى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.