«مستقبل وطن» ينظم مؤتمرات جماهيرية بالمحافظات لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب (فيديو)    وزيرا التنمية والزراعة ومحافظ الوادي يتفقدون مجمع الخدمات الذكيه بالخارجة    «الزراعة» تطلق الحملة القومية لتحصين الماشية ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع    اللواء محمد إبراهيم الدويري يكشف تفاصيل المرحلة الثالثة من صفقة شاليط    تأكيد مصري باكستاني على تكثيف التشاور بين البلدين لتفادي التصعيد ومواجهة التحديات المشتركة    جلسة بين الأهلي وحسين الشحات لبحث نقاط الخلاف في ملف تجديد العقد    طقس الأحد.. حار نهارا وشبورة كثيفة صباحا والعظمى بالقاهرة 30 درجة    السبت 1 نوفمبر إجازة رسمية تزامنا مع افتتاح المتحف المصري الكبير    وزارة الأوقاف: منع تام لاستخدام المساجد في الدعاية أو الأنشطة الانتخابية    جدول مباريات اليوم السبت 25 أكتوبر 2025.. مواجهات نارية في الدوري المصري ودوري أبطال إفريقيا    ترامب يعرب عن استعداده للقاء زعيم كوريا الشمالية خلال جولته الآسيوية    المتحدث باسم حماس: جاهزون لتسليم حكم غزة وندعو للإسراع بذلك    أول تعليق من منة شلبي بعد زواجها من أحمد الجنايني    محافظ المنوفية: 172 مليون جنيه جملة استثمارات مشروعات الخطة الاستثمارية الجديدة    وظائف جديدة في البنك الزراعي المصري .. التفاصيل والشروط ورابط التقديم    رئيس «المتاحف» في مصر: الشمس ستتعامد على وجه رمسيس الثاني بالمتحف الكبير على غرار معبد أبو سمبل    دون الحاجة للذهاب إلى الطبيب.. 5 طرق لعلاج ألم الأسنان في المنزل    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    تبدأ اليوم.. جامعة الإسكندرية تطلق فعاليات مبادرة «تمكين» لدعم الطلاب ذوي الإعاقة    «مكيف وروسي».. مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم السبت 25 أكتوبر 2025    إصابة 6 أشخاص في تصادم مروع بالشرقية    اتهامات تزوير تلاحق رمضان صبحي.. وجنايات الجيزة تؤجل نظر القضية ل22 نوفمبر    «الداخلية»: ضبط 381 قضية مخدرات وتنفيذ 84 ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    «السردين ب70 جنيهًا».. أسعار السمك والمأكولات البحرية بأسواق الإسكندرية اليوم 25 أكتوبر 2025    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في بورصة الدواجن    شيخ الأزهر يزور إيطاليا للمشاركة في المؤتمر العالمي «إيجاد الشجاعة للسعي لتحقيق السلام»    رئيس «الدولي» للمتاحف: الشمس تتعامد على وجه رمسيس الثاني بالمتحف المصري الكبير    عشاق الهدوء.. 5 أبراج مش بيحبوا الضوضاء والزحمة    وزير الإسكان يتفقد مكونات مشروع حدائق «تلال الفسطاط»    تخطيط وتجميل.. الجيزة تتزين لاستقبال زوار المتحف المصري الكبير    حملة «100 يوم صحة» قدّمت 138 مليونًا و946 ألف خدمة طبية مجانية خلال 98 يومًا    من غير مواد حافظة.. حضري لأطفالك الزبادي بالفواكه الطازجة في البيت    التضامن: تحسين منظومة الكفالة وتطبيق إجراءات الحوكمة عند تسليم الأطفال    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    وزير الرى يتابع حالة المنظومة المائية وإجراءات تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه بزمام ترع الإسماعيلية والسويس وبورسعيد    وزير الزراعة يستقبل عدد من الفلاحين ويستمع لمشاكلهم.. ويؤكد: دعم الفلاح "أولوية" ومكتبي مفتوح للجميع    وزارة التعليم: امتحان الشهر لصفوف النقل يوم 26 أكتوبر والأسئلة مقالية بنسبة 15%    موعد مباراة الحزم والنصر في الدوري السعودي    وزارة «الزراعة» تقرر حظر نقل القطن بين الوجهين القبلي والبحري    توصيات طبية جديدة: إدخال الأطعمة المثيرة للحساسية للرضع يدرب الجهاز المناعي    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    في 5 خطوات فقط.. روشتة لتحسين الصحة النفسية والجسدية    ختام مبهر للدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي، سعد مفاجأة الحفل، ساويرس يكرم انتشال التميمي، أحمد مالك وليا دروكير أفضل ممثل وممثلة (صور)    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    حكم صلاة المرأة بالبنطلون في الإسلام.. الأزهر يوضح الضوابط الشرعية وآداب الستر    حريق بشقة سكنية في الإسكندرية    عمرو أديب يرد على شائعة انتقال محمد صلاح إلى الأهلي: «سيبوا الراجل في حاله»    موعد مباراة ميلان القادمة عقب التعادل أمام بيزا والقنوات الناقلة    مستوطنون يهاجمون المغيّر ويحرقون 3 مركبات    ترامب: علاقاتي مع زعيم كوريا الشمالية جيدة وآمل لقاءه خلال جولتي الآسيوية    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    الشرطة المصرية.. إنجازات أبهرت العالم    الوداد المغربي يعلن عن مدة تعاقده مع حكيم زياش    تفاصيل اصطدام باخرة سياحية بكوبري كلابشة في أسوان.. ماذا حدث؟    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    إنزاجي يشيد بلاعبى الهلال بعد الفوز على اتحاد جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مي زيادة.. الخروج على مجتمع السمع والطاعة
نشر في التحرير يوم 05 - 10 - 2018

لمى زيادة وجوه عديدة، متجددة، كلما برز شيء جديد فى سيرتها غير المكتملة بصورة مرضية تليق بها أو تلبى الفضول، وكلما حلت ذكرى ميلادها أو وفاتها يتجدد الحديث.
قد يكون الجديد دراسة أكاديمية تبحث فى جانب من نتاجها الإبداعى والنقدى أو تفصيل من حياتها أو حياة من عرفت، قبل أشهر ذكر الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، مرات عديدة، فى مقابلات صحفية للترويج لروايته الجديدة "ليالي إيزيس كوبيا- ثلاثة مئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية"، التى تتضمن أحداثا متخيلة عن حياتها، أنه أمضى أكثر من ثلاثة أعوام في التنقيب عن المرحلة الأخيرة من حياتها إلى أن ضمّن هذا الجزء المرير في روايته، وهكذا يعاد رسم صور مى صحافيا وإعلاميا، ويكثر الحديث عن موضوعات "حريفة"، جاذبة، من نوعية "هؤلاء أحبوا مي زيادة".
تعزل فيها بعض وقائع من حياتها عن سياقها لترسم صورة لأمرأة يحيطها رجال عظام، أحبوها جميعا بصور مختلفة بحسب طبائعهم الشخصية، فتبدو، أحيانا، وكأنها "ملكة النحل" التى يحيط بها الشغيلة الخاضعون، أو أنثى العنكبوت، ويبدو هؤلاء العظام وكأن لا شيء يشغلهم سوى الهيام بها.وتتنوع قوائم هؤلاء المحبين من بين من عرفوا
تعزل فيها بعض وقائع من حياتها عن سياقها لترسم صورة لأمرأة يحيطها رجال عظام، أحبوها جميعا بصور مختلفة بحسب طبائعهم الشخصية، فتبدو، أحيانا، وكأنها "ملكة النحل" التى يحيط بها الشغيلة الخاضعون، أو أنثى العنكبوت، ويبدو هؤلاء العظام وكأن لا شيء يشغلهم سوى الهيام بها.
وتتنوع قوائم هؤلاء المحبين من بين من عرفوا مي معرفة قريبة لسنوات عديدة متصلة، بعضهم كان منها بمثابة المعلم والموجه، لكن أغلبهم لم يك يكبرها إلا ببضع سنوات، من بين هؤلاء يبرز: أحمد لطفى السيد، طه حسين، مصطفى صادق الرافعى، الشيخ مصطفى عبدالرازق- شيخ الأزهر فيما بعد- عباس محمود العقاد، يعقوب صروف، والأب آنستاس مارى الكرملى، والأمير شكيب أرسلان، ود. أنيس المقدسى، وتوفيق الحكيم، وأحمد حسن الزيات، وخليل مطران، وخليل مردم، وفخرى البارودى وفارس الخورى، وقد راسلت كل هؤلاء جميعا وراسلوها، فكما نلاحظ من سيرتها فقد كانت كثيرة السفر بين مدن عربية ودول أوروبية عديدة، كما كانوا هم أيضا.
الكثير من الكتاب والنقاد والصحفيين يضع كل هؤلاء فى جانب، ويضع جبران جليل جبران فى جانب آخر، ويؤكدون أنها لم تحب سوى جبران، أو أنها لم تحب أحد بقدر حبها له، وهناك جوانب من تلك الصور التى ترسمها الصحافة والمواقع الصحفية قد يكون واقعيا، لكنها بعزلها عن السياق العام لحياتها وعصرها ترسم صورا شائهة لمى، وهناك سمات فى حياتها وشخصيتها مماثلة لشخصيات نسائية عديدة سبقتها ورافقتها، لكن شخصية مى متكاملة فريدة فرادة مطلقة فى تاريخنا الأدبى الحديث.
الصورة الشخصية الأكثر دقة وأمانة لمى ترسمها الباحثة سلمى لطفي الحفار الكزبري (1922 - 2006)، ففى الغلاف الخارجى للمجلد الأول للأعمال الكاملة لمى زيادة، الصادر طبعته الأولى عام 1978، نقرأ عنوان "النبوغ والمأساة"، وتبدأ التقديم بفقرة مأخوذة من كتاب مى: "عائشة تيمور، شاعرة الطليعة"، وكأنها تريد ان تقول أن هذه الفقرة تعبيرا عن صورة مى كما تراها بنفسها، أو أنها تعبير عن واقع المرأة العربية المثقفة الراغبة فى التحرر والمشاركة والمساواة: "أليس أشد دلائل القوة خطرا أن يظل النسر محلقا ولو مهشما داميا؟ أن يظل محلقا حتى بجناحين مهشمين داميين؟"، ثم تواصل التقديم: "النبوغ والمأساة. كلمتان تختصران حياة ميّ زيادة في شروقها وغروبها، قدر رحيم وقاسٍ رفع هذه الأديبة إلى قمة المجد ثم أرداها إلى هاوية الشقاء، كاتبة فذة أعطت للعلم والأدب والنهضة العربية الحديثة عمرها كله ولم تحصل على شيء اللهم إلا على أرفع مكانة في تاريخ الأدب العربي!
نابغة شقيت بنبوغها كما لم يشق به أحد غيرها عبر العصور، أحاط بها عظماء عصرها وعلَّقوا على هامتها إكليل المجد وجفاها أهلوها ثم جاراهم كثير من أصدقائها بعد أن أدبر سعدها مما يدعو إلى القول إن من المفارقات العجيبة في بلادنا أن نحارب النبوغ ويُهان صاحبه، ولا سيما إذا تجلى في امرأة".
منصور فهمي الذى كان أستاذا لمي في الجامعة المصرية، وأحد رواد ندوتها الأسبوعية الشهيرة التي كان يحضرها كبار أدباء مصر والأدباء الشوام فيها، وتصفه الكزبرى بأنه من أكبر المعجبين بمى، وأوفاهم لها، كتب يقول إن مى أصابتها "أعراضا تشبه الجنون وتلامسه".
إذا وضعت تعبيرات مثل: "هؤلاء أحبوا مي زيادة"، بجوار وقائع من قبيل أن ندوة مى زيادة الأسبوعية - أو صالونها الأدبى بتعبير آخر- قد استمر لمدة عشرين عاما (1911- 1931) وحضره عشرات، وربما مئات، من كبار المفكرين والسياسيين والأدباء والشعراء من مصريين وعرب وأجانب، فقد يعتقد البعض أنه من الغريب أن تصف سلمى الكزبرى مى بأنها كانت "تعانى الغربة الفكرية، وحتى العاطفية فى حياتها"، لكنها إذا تحيل إلى فقرة من كلمة مى فى تأبينها لباحثة البادية، تبدو وكأنها تقدم تفسيرا معقولا: "يجب أن يكون الوسط راقيا جدا ليقدر الفرد الراقى وإلا أهمله، وعد نبوغه جنونا، ورأى فى توجعه من التقهقر والانحطاط وقاحة وشرودا".
سنجازف بمحاولة رسم صورة سريعة لمى لمن لم يسبق له معرفتها، وسنخلص إلى بضع استنتاجات: مى وحيدة والديها، اسمها مارى، واختارت أن تدعى مى ووقعت به مقالاتها ورسائلها لنعومته وعلاقته الوثيقة بالتراث العربى- البعض يفسر أن ذلك بدافع طمس الملمح المسيحى الظاهر فى الاسم-، أبوها إلياس زخور زيادة، لبنانى من قرية "شحتول" بقضاء كسروان، سافر أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى قرية الناصرة عاصمة الجليل بفلسطين وعمل معلما، ثم تزوج من فتاة فلسطينية من أصل سورى من الناصرة اسمها نزهة معمر، درست مى فى مدرسة الناصرة الابتدائية، وعند بلوغها الرابعة عشرة عادت إلى موطن أبيها كسروان، كى تتمكن من متابعة الدراسة فى دير الراهبات بعينطورة، وتخرجت فيه عام 1904، وعادت إلى أسرتها فى الناصرة، ثم انتقلت مع أسرتها إلى مصر عام 1908، دخلت الجامعة المصرية عام 1916 ودرست الآداب والفلسفة، وأتقنت خمس لغات محادثة وكتابة هى: الفرنسية والأنجليزية والأمانية والإسبانية إلى جانب اللغة العربية، وكتبت بهذه اللغات فى الصحف والمجلات.
تولى أبيها إدارة جريدة "المحروسة"، ونشرت فيها، كما نشرت مقالات وأشعارا وترجمات فى مجلة "الدهور"، وفى جريدتى: "اسفنكس" و"إيجبشين ميل" الصادرتين بالإنجليزية، ثم عملت فى ثلاثينيات القرن العشرين محررة فى جريدة "الأهرام"، وخصص لها عمودان على الصفحة الأولى من الجريدة، ونشرت مقالات كثيرة فى مجلة "الهلال"، وفى جريدة "السياسة الأسبوعية" وفى جريدتى "أبوالهول" و"التقدم المصرى" الصادرتين بالفرنسية وفى جريدة "البريد المصرى" التى صدرت بالإنجليزية.
أليس واضحا طبيعة بدايات حياتها: البيئة ذات النسيج المتجانس نسبيا بين لبنان وفلسطين وسوريا ومصر، العزلة عن الأسرة فى مدرسة الدير، التنقل بين المدن العربية، جاذبية القاهرة الشديدة، الأسس المعرفى واللغوى المتين، التنوع الثقافى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.