بموجب شروط الاتفاق النووي لعام 2015، بين طهران والقوى العالمية، وافقت الولاياتالمتحدة على تخفيف العقوبات المفروضة عن إيران. إلا أن إدارة ترامب بدأت الآن في إعادتها مرة أخرى، حيث تبدأ اليوم الإثنين، تطبيق الدفعة الأولى من العقوبات، والتي تستهدف مجموعة من القطاعات الاقتصادية، تشمل السيارات والذهب والصلب والمعادن الرئيسية الأخرى، وبعد 90 يومًا، ستدخل العقوبات الأمريكية على قطاع النفط الإيراني حيز التنفيذ. وترى صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن هذا كله كان "أمرًا واقعًا منذ شهر مايو الماضي، عندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني". ورفض ترامب تقييمات مراقبي الأممالمتحدة الذين أكدوا في أكثر من مناسبة، امتثال إيران لشروط الاتفاقية، التي وضعت قيودا صارمة على أنشطتها النووية. كما رفض دعوات العديد من حلفاء أمريكا الأوروبيين بالتراجع عن قرار الانسحاب، من أجل الحفاظ على ما اعتبروه معاهدة ناجحة لمنع الانتشار النووي. وأضافت أن الجهود الأوروبية لحماية الشركات الأوروبية التي لا تزال ترغب في التعامل تجاريا مع إيران، وبالتالي تخاطر بمواجهة العقوبات الأمريكية، أصبحت أكثر وضوحًا. وقد يثير احتمال أن تواجه هذه الشركات "عقوبات ثانوية" من واشنطن، العديد من التوترات بين الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين، حيث اضطرت بالفعل العديد من شركات الطاقة الأوروبية لتقليص أو قطع استثماراتها بالكامل في إيران. اقرأ المزيد: كيف سيتم فرض العقوبات الأمريكية على إيران؟ وفي الوقت نفسه، تسببت إعادة فرض العقوبات في إيران، إلى انخفاض قيمة الريال الإيراني، كما واجه الرئيس الإيراني حسن روحاني موجة من الهجوم من المتشدّدين في البلاد، الذين سخروا منه ومن الاتفاق النووي الذي شارك في التوصل إليه. وكان الاتفاق النووي، قد ساعد إيران على الانفتاح على الغرب، بعد سنوات من التوترات والعزلة المتفاقمة، ولكن مع إغلاق هذه النافذة الآن، عادت القيادة الدينية الإيرانية إلى شعارات "المقاومة" والاكتفاء الذاتي، والتي اعتمد النظام عليها لما يقرب من أربعة عقود. وقال فريد دحديلاني، مستشار الشؤون الدولية في الحكومة الإيرانية، لوكالة الأنباء الفرنسية إن "الانتخابات الأمريكية في عام 2016، كانت تشكل خطرًا على الاتفاقية، وفي النهاية أنتجت أسوأ نتيجة ممكنة". ويعتقد مسؤولو إدارة ترامب والمعارضون لإيران في واشنطن، أن العقوبات ستزيد من الضغط على الجمهورية الإسلامية، وتضعف النظام. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، رحب ترامب بالتقارير حول توسع الاحتجاجات الاقتصادية في إيران، وربط المناخ السياسي المتفاقم في طهران بقراره بإعادة فرض العقوبات، وأشار إلى أن كل هذه الاضطرابات تضيف المزيد من الضغط، الذي سيجبر إيران على التفاوض حول صفقة نووية جديدة. إلا أن العديد من المحللين شككوا في رؤية ترامب، حيث غرد كريم سادجادبور الخبير في الشأن الإيراني في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن "ترامب يشير إلى أنه السبب في زيادة الاستياء بين الشعب الإيراني، ولكنه مستعد للتخلي عن الإيرانيين مقابل التوصل لاتفاق مع النظام". وأضاف أنه "في الواقع، المطالب الإيرانية بالكرامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كانت سابقة لتولي ترامب منصبه؛ ولا يمكنه أن يساعد في إذكاء أو القضاء على هذه التطلعات". اقرأ المزيد: الصين تستخدم ورقة إيران لمساومة ترامب في الحرب التجارية وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه على الرغم من الصعوبات المتزايدة التي تواجه النظام، فإنها لن تتسبب في سقوطه، حيث يقول الخبراء إن العقوبات التي أعاد ترامب فرضها، أقل قوة من تلك التي كانت سارية قبل التوصل إلى الاتفاق النووي. وفي الوقت الذي قد يستجيب فيه الشركاء الأوروبيون للضغط الأمريكي، ويتراجعون عن التعامل التجاري مع إيران، فإن المستوردين الرئيسيين للطاقة الإيرانية، خاصة الهندوالصين، قد لا يتراجعون بهذه السهولة. حيث كتب كل من دينا أصفندياري وأريان طباطباي في مجلة "فورين أفيرز" أن "الصين أعلنت أنها ستواصل على الأرجح استيراد النفط من إيران حتى بعد أن بدأت الولاياتالمتحدة خططا لخفض مبيعات النفط الإيراني إلى الصفر بحلول نوفمبر". كما أن بكين تبدو مستعدة أيضًا لتوسيع تعاونها مع إيران، من خلال مشروعها العالمي للبنية التحتية، والمعروف باسم مبادرة "الحزام والطريق"، فضلا عن الاستثمارات في قطاع الطاقة النووية الإيراني. وأضاف أصفندياري وطباطباي، "أنه في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى تشديد الخناق على إيران مرة أخرى، ترى طهران أن علاقتها ببكين هي مفتاح البقاء"، مؤكدين أن "الانخراط الصيني مع إيران قد يمهد الطريق أمام الآخرين ليحذو حذوهما، وهو ما قد يقوض حملة الضغط الأمريكية الجديدة". ومن جانبه أكد جاريت بلان المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، أن هذا الأمر لن يساعد إدارة ترامب في النزاع التجاري مع الصين. قائلا إن "محاولة فرض عقوبات على إيران دون وجود علاقة تعاونية فعلية مع الصين ستكون صعبة للغاية". وأضاف "لا شك في أن العقوبات الأمريكية يمكن أن تضر الاقتصاد الإيراني" لكنه أشار إلى أن إيران ليست أقل مرونة مما كانت عليه في السنوات التي سبقت الموافقة على الاتفاق النووي. اقرأ المزيد: كيف سيعيش الإيرانيون بعد تطبيق العقوبات الأمريكية؟ وكان جاسون رضائيان، الذي كان مراسلا لصحيفة "واشنطن بوست" بطهران في أثناء صياغة الاتفاق النووي، عن المصاعب الهائلة التي يعاني منها الإيرانيون الذين يعيشون تحت وطأة العقوبات. حيث ارتفعت الأسعار، وتضاءلت إمدادات الأدوية الحيوية، كما زادت معاناة الطبقة الوسطى والعاملة الإيرانية، بينما زادت ثروات النخبة الغنية المقربة من النظام بعد هيمنتهم على السوق السوداء. وحذر من أن هذا لا ينبغي أن يثير تفاؤل الداعين لتغيير النظام، حيث يعرف قادة إيران كيف يستغلون هذه المواقف في الحفاظ على السلطة. وكتب رضائيان يقول إن "ضغوط الحياة اليومية ستجعل من الصعب تنظيم هذه المظاهرات في هيكل سياسي، حيث لا تزال هذه الاحتجاجات لا تشبه الحركة الجماهيرية"، موضحًا أنها مطالب مشروعة ومتفاوتة لأشخاص يعيشون تحت وطأة ضغط هائل".