على مدى الشهور القليلة الماضية، طغت مشاكل الحرب التجارية المندلعة بين أكبر اقتصادين في العالم، الصينوالولاياتالمتحدة، على كل القضايا الأخرى بين البلدين. إلا أن طريقة إدارة الصين لعملتها، اليوان، عادت لتخطف الأنظار مرة أخرى، بعد أن تسبب انخفاض أسعار الصرف أمام الدولار الأمريكي على مدى الأسابيع الستة الماضية، في جعلها مصدر قلق في خضم الحرب التجارية بين البلدين. حيث أشارت شبكة "بلومبرج" الاقتصادية إلى أن اليوان انخفض بأكثر من 5% مقابل الدولار الأمريكي في الفترة من منتصف يونيو إلى أواخر يوليو، في الوقت الذي تبادل فيه الطرفان فرض الرسوم الجمركية على بضائع بعضهم البعض. وأضافت أن هذا الانخفاض في قيمة اليوان هو الأكبر منذ عام 2015، عندما تسبب الانخفاض المفاجئ في سعر الصرف، في تدهور الأسواق العالمية. ويقول المسؤولون الصينيون إنهم يفضلون استقرار العملة، فيما يرى عدد من الاقتصاديين أن هناك بعض الأسباب التي فقط تبرر الانخفاض في سعر العملة. ولكن الشبكة الاقتصادية ترى أنه بعد تسبب ضعف قيمة اليوان في جعل السلع الصينية أرخص، ومع فرض الرسوم الجمركية على بضائع الولاياتالمتحدةوالصين، فهناك بعض المخاطر بأن تتحول الحرب التجارية إلى حرب عملات. اقرأ المزيد: كيف يستغل ترامب الحرب التجارية مع الصين سياسيًا؟ هل تتعمد الصين تخفيض قيمة اليوان؟ قد لا تتعمد الصين تخفيض قيمة اليوان، ولكنها تسمح بانخفاضها، حيث لا يتم تداول العملة بحرية، ولكن بدلًا من ذلك، تتم إدارتها باستخدام نظام غير شفاف إلى حد ما، يقوم فيه البنك المركزي بتثبيت أسعار الصرف اليومية. وبداية من منتصف يونيو الماضي، دخل اليوان في موجة انخفاض استمرت لستة أسابيع، حيث وصل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار، منذ أكثر من عام. وعلى الرغم من أن القادة الصينيين قالوا منذ فترة طويلة إنهم يريدون الحصول على سعر صرف أكثر مرونة، فإن توقيت انخفاض قيمة اليوان، في الوقت الذي تتبادل فيه الصين وأمريكا فرض رسوم جمركية على صادرات بعضها البعض، دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت الحرب التجارية قد أصبحت حرب عملات؟ ففي 19 يوليو الجاري، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن العملة الصينية "تسقط مثل الصخرة"، مما يضع الولاياتالمتحدة "في موقف ضعف". ما الذي تسبب في انخفاض قيمة اليوان؟ على عكس ما حدث في عام 2015، عندما قام البنك المركزي الصيني بتخفيض قيمة العملة المحلية بشكل مفاجئ، أثار الذعر في الأسواق العالمية، يرى العديد من المستثمرين والاقتصاديين أن انخفاض قيمة اليوان هذه المرة يعد انعكاسًا لقوى السوق. ومن بين هذه العوامل قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، مقابل تباطؤ النمو الصيني وجهود صناع السياسة في بكين إلى زيادة النمو. اقرأ المزيد: الحرب التجارية.. كيف ستتأثر الصين بالرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة؟ وتقدر شبكة "بلومبرج" أن قيمة اليوان مرتفعة عن قيمتها الحقيقية بنحو 6.6%، استناداً إلى الأساسيات الاقتصادية، حيث كتب فيلدنج تشن وتوم أورليك في تحليل خاص للشبكة الاقتصادية أن "هناك شعورا بأن هذا الانخفاض يتماشى مع رغبات بكين، وأنه تحت سيطرتهم". ماذا يعني ضعف اليوان للأسواق المالية؟ حتى الآن، كان تأثير انخفاض قيمة اليوان، أقل بشكل ملحوظ مما حدث عام 2015، وأوائل عام 2016، ففي 20 يوليو، بعد أن خفضت الصين سعر الفائدة اليومي لليوان، لأقل مستوياته منذ أكثر من عامين، انخفضت أسعار العقود الآجلة لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، والأسهم في البورصات الآسيوية والنفط، قبل أن تنتعش مرة أخرى. ماذا يعني انخفاض قيمة اليوان بالنسبة للحرب التجارية؟ أن ضعف قيمة اليوان سيخفف من تأثير الرسوم الجمركية التي تفرضها الولاياتالمتحدة على البضائع الصينية، لكنها تتسبب في "آثار جانبية". وأثار تخفيض قيمة العملة غضب ترامب، الذي اتهم الصين في كثير من الأحيان بالتلاعب في قيمة عملتها، خلال حملته الانتخابية قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية. وتراجعت هذه الاتهامات بعدما حولت الصين تركيزها إلى تقوية العملة، استجابة للتوقعات بالآفاق المشرقة للاقتصاد الصيني، إلا أنه مع بداية الحرب التجارية، وتراجع التوقعات للاقتصاد الصيني، عادت هذه الاتهامات إلى الساحة السياسية مرة أخرى. إلى أي مدى يمكن أن تنخفض قيمة اليوان؟ لدى الصين أسباب لتجنب حدوث انخفاضات مستمرة في عملتها، فبعد تجربتي 2015 و2016 في تخفيض قيمة العملة، ضحت بكين بنحو تريليون دولار من احتياطياتها، لوقف هجرة رؤوس الأموال للخارج. اقرأ المزيد: ترامب يتراجع أمام الرئيس الصيني في الحرب التجارية وتقدر شركة "مورجان ستانلي" للخدمات المالية، أن الصين شهدت خروج نحو 10.7 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في يونيو. وهو ما دفع كلا من محافظ البنك المركزي الصيني يي قانج، وغيره من كبار المسؤولين، إلى التأكيد أن الصين تفضل استقرار عملتها المحلية. واتخذت السلطات الصينية خطوات لضمان عدم حدوث انخفاض غير مقصود في قيمة العملة، مثل تطبيق قواعد صارمة على نقل الأموال إلى البلاد وخارجها.