قانون تنظيم الفتوى العامة.. شعار رفعه مجلس النواب خلال الأيام الماضية، خاصة بعدما احتضنت اللجنة الدينية بمجلس النواب العديد من جلسات النقاش حول مشروع القانون فى حضور ممثلين عن الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء. مشروع القانون شهد العديد من وقائع السجال والخلاف، خاصة بعدما سجل ممثل الأزهر الدكتور محيى الدين عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، اعتراضا شديد اللهجة على إتاحة مواد المشروع للأوقاف حق الفتوى، الأمر الذى اعتبرته الأوقاف حقا أصيلا لها، غير أن اللجنة انتهت فى نهاية المطاف إلى الاعتراف بحق الوزارة فى الفتوى ومنح التصاريح، متجاهلين رأي الأزهر وهيئة كبار العلماء التى سبق أن أبدت حزمة من الملاحظات على المشروع أهما حظر الإفتاء على الأزهر ودار الإفتاء. صراع الإفتاء غير أن حالة السجال والخلاف والصراع بين الأزهر والأوقاف على حق الفتوى، ليست المعضلة الكبرى التى تواجه الإفتاء فى المجتمع، فالأهم هل تنجح تلك المؤسسات الرسمية فى توحيد الفتوى؟ خاصة أن الحركات والتيارات الإسلامية كالسلفية والصوفية وغيرهما لها مشايخها فى الفتوى ومراجعها الإفتائية. وبالنظر إلى واقع المجتمع المصري، فإنه منذ عشرات السنين وهو يعاني من غياب الموقف الشرعي الثابت والموحد حيال قضية معينة، ففى تعامل البنوك تتعدد الآراء فتذهب المؤسسات الدينية إلى جواز الادخار والاقتراض من البنوك، على أساس مراعاة فقه الواقع ومستجدات العصر، فى حين تتجه مشايخ الدعوة السلفية إلى تحريم التعامل مع البنوك مطلقا، مؤكدين أن فوائد البنوك ربا. قضايا محل خلاف في الفتوى قضية تعامل البنوك، ليست القضية الأولى التى تكشف عن وجود انقسام داخل المجتمع المصرى فى الفتوى والمجال الإفتائي بشكل عام، كذلك تدخل فى هذا الإطار "مسألة الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة"، فأجاز الأزهر الشريف ودار الإفتاء، الصلاة بالمساجد التى بها أضرحة، وبالتالي يعمل أبناء الأزهر والإفتاء بتلك الفتوى، بينما تحرم التيارات الإسلامية الأخرى كالسلفية والإخوان والجماعة الإسلامية الصلاة بالمساجد التى بها أضرحة، فى حين أن الصوفية الذين تتجاوز أعدادهم قرابة عشرة ملايين صوفي، يميلون وبقوة إلى زيارة الأضرحة والصلاة فى المساجد التى بها مقامات. وكذلك هناك العديد من الاحتفالات والأعياد التى تبرهن وبقوة على عدم توحيد الصفوف فى المجال الإفتائي، ويتجه كل فصيل إلى الأخذ بفتاوى مشايخه والضرب بفتاوى المؤسسات الدينية عرض الحائط. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، تجد دار الإفتاء المنوط بها ممارسة مهام الإفتاء دستوريا وقانونيا، تبيح الاحتفال بعيد الأم وكذلك الأزهر الشريف المنوط بالعمل الدعوي بالبلاد، فى حين أن أبناء السلفية والحركات الإسلامية الأخرى تحرم الاحتفال بعيد الأم، على أساس أن للمسلم عيدين "عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك". ويندرج تحت ذلك المعيار "الخلاف الإفتائي" العديد من القضايا والأمور، منها حكم تهنئة الأقباط، وحكم الاحتفال برأس السنة وعيد الحب، وغيرهما من المواقف. قانون لتنظيم الفتوى وتتأهب الجلسة العامة بمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون تنظيم الفتوى للتصويت عليه وإقراره رسميا، خلال الأيام القادمة، ويستهدف مشروع قانون تنظيم الفتوى العامة، معاقبة من يتصدر للإفتاء بالمخالفة للقانون، ويتكون مشروع القانون المقدم من النائب البرلمانى عمرو حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، من 4 مواد. ويحظر القانون بأية صورة التصدى للفتوى العامة إلا إذا كانت صادرة من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية أو مجمع البحوث الإسلامية أو الإدارة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف، ومن هو مرخص له بذلك من الجهات المذكورة، كما ينص القانون على أن للأئمة والوعاظ ومدرسى الأزهر الشريف وأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، أداء مهام الوعظ والإرشاد الدينى العام بما يبين للمصلين وعامة المسلمين أمور دينهم ولا يعد ذلك من باب التعرض للفتوى العامة. وبموجب مشروع القانون تقتصر ممارسة الفتوى العامة عبر وسائل الإعلام على المصرح لهم من الجهات المذكورة فى المادة الأولى، ويعاقب القانون على مخالفة أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة لا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفى حالة العودة تكون العقوبة هى الحبس وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه. مقترحات التوحيد وأكد الدكتور الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه بالفعل فإن المجتمع المصرى منذ زمن يعاني من تعدد مصادر الفتوى، مؤكدا أن كل فصيل يتجه إلى التمسك بفتاوى مشايخه، الأمر الذى يعد بمثابة أمر خطير ويهدد الاستقرار المجتمعى. وأكد عضو مجمع البحوث الإسلامية ل"التحرير"، أنه بموجب قانون تنظيم الفتوى حيال إقراره، سيعمل وبقوة على الحد من تصدر المشهد الإفتائى لغير المختصين، الأمر الذى سيسهم وبقوة فى توحيد الفتوى فى البلاد، وذلك من خلال إقرار القانون الذى سيقصر من ظهور السلفيين وغيرهم. واقترح الجندى العديد من المقترحات لإنهاء حالة الانقسام المجتمعى فى المجال الإفتائي، وذلك بالتأكيد على ضرورة أن تتجه كل مؤسسات الدولة إلى أن تعهد للمؤسسات الرسمية تصدر المشهد الإفتائي، مؤكدا أن السلفيين وغيرهم غير مؤهلين للفتوى، وغير ملمين بكل النصوص ويفتقرون للقواعد البسيطة للإفتاء مثل العمل بالزمان والمكان ومستجدات العصر، ومع ذلك يتصدرون للفتوى ويتهمون علماء الدين بأنهم يبايعون السلطة. مطالبا بضرورة سن حزمة من التشريعات تكفل خضوع كافة فصائل المجتمع لمصدر إفتائي واحد، وذلك بتجريم بأقصى العقوبات كل من يتصدر للفتوى سواء عبر الصحف والقنوات أو مختلف وسائل الإعلام وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك للحد من انتشار فتاوى الفصائل الإسلامية التى فى الغالب تخالف الأزهر والإفتاء والمؤسسات الرسمية بشكل عام. وتابع: نحن لا نكمم الأفواه بل نفعل من دولة المؤسسات بحيث يكون لكل جهة اختصاصات، وبالتالى يتم تفعيل الثواب والعقاب، وإن شأن الدين والدعوة من اختصاصات ومهام الأزهر والأوقاف والإفتاء وليس كل من هب ودب، بحسب تعبيره.