توفيت السيدة آمنة بنت وهب أم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعمره ست سنوات فقط، ليصبح يتيم الأب والأم، ولكن الله لم يتركه، بل رزقه من يحنو عليه ويعوضه حنان أمه، وهي السيدة فاطمة، التي قدمت للنبي مشاعر الأمومة لتأخذ لقب أمه الثانية. من هي فاطمة بنت أسد؟ هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، زوجة أبي طالب عم النبي محمد، ووالدة الإمام علي رابع الخلفاء الراشدين، والشهيد الطيار جعفر بن أبي طالب، وجدة الحسن والحسين، وحماة السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأول هاشمية تتزوج من هاشمي وتنجب خليفة للمسلمين. وتعد فاطمة من السابقين في الدخول للإسلام، وأول من بايعت النبي، وأول من هاجرت له من مكة إلى المدينة على قدميها. مكانتها عند الرسول بعد وفاة عبد المطلب جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كفله عمه أبو طالب، ومنذ ذلك الوقت بدأت فاطمة بنت أسد برعايته وتربيته، ومنحته كل ما قد تمنحه الأم لابنها من رعاية واهتمام وحنان، حيث قضى النبي في كنفها ما يقرب من عقدين من عمره. وفي يوم سمعت فاطمة الرسول وهو يقول "إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا، فقالت وا سوأتاه، فقال لها النبي فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية". وتحدث بن سعد في "الطبقات" عن مكانة فاطمة بنت أسد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أسلمت فاطمة بنت أسد وكانت امرأة صالحة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحترمها ويحبها لما كانت عليه من صلاح ودين، وكان يحسن إليها لرعايتها له في شبابه، ولبرها به. وعن جعدة بن هبيرة عن علي قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة استبرق، فقال "اجعلها خمرا بين الفواطم فشققتها أربعة أخمرة، خمارا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخمارا لفاطمة بنت أسد، وخمارا لفاطمة بنت حمزة، ولم يذكر الرابعة". ودعها الرسول قائلا: "رحمك الله يا أمي بعد أمي" توفيت فاطمة بنت أسد عن عمر يناهز الستين عاما، حيث رحلت لتترك النبي محمدا يتيما من جديد. ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي رضي الله عنهما، دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: رحمك الله يا أمي، كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيبا وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة". كفنها النبي في قميصه، وعندما انتهى ومن معه من الصحابة من حفر قبرها بكى وفزع فاضطجع فيه فقال: "الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين". وكبر عليها أربعاً، وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم". وسأل عمر بن الخطاب النبي بعد أن دفن فاطمة قائلا "يا رسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئا لم تفعله على أحد، فقال النبي يا عمر إن هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني. إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة وكان يجمعنا على طعامه فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبا فأعود فيه، وإن جبريل عليه السلام أخبرني عن ربي عز وجل أنها من أهل الجنة، وأخبرني جبريل عليه السلام أن الله تعالى أمر سبعين ألفا من الملائكة يصلون عليها". هكذا رحلت الصحابية الجليلة وأم النبي الثانية فاطمة بنت أسد، بعد أن قدمت للأمة الإسلامية خليفة للمسلمين، وشهيدا، وعوضت النبي وفاة أمه السيدة آمنة.