منذ أن تولى كيم جونج أون منصبه كأصغر حاكم لكوريا الشمالية قبل سبع سنوات، وعد بلاده بمستقبل خالٍ من الحرمان، وفي أول خطاب له كرئيس، تعهد بأن الكوريين الشماليين، الذين عانوا خلال المجاعة في التسعينيات، لن يشعروا بالحرمان مرة أخرى، وفي العام الماضي، اعتذر للأمة عن فشله في الوفاء بهذا التعهد، معربا عن "قلقه وندمه". ثم أعلن هذا العام عن قرار جديد قد يمثل تغييرا في حياة 25 مليون شخص في كوريا الشمالية، وهو بعد أن امتلكت الأمة الآن ترسانة نووية، بإمكانها تغيير اتجاهها والبدء في بناء اقتصاد مزدهر، بعد سنوات من العقوبات الدولية. لذلك عندما قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الخميس، بإلغاء اجتماع القمة المتوقع عقدها في 12 يونيو بشكل مفاجئ، كان رد كوريا الشمالية دبلوماسيا ووديا بشكل لافت للنظر. وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إلى أن الاجتماع المفاجئ لكيم مع الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، الذي عقد يوم السبت، يعد علامة على مدى أهمية القمة بالنسبة للسيد كيم، حيث أعرب عن "رغبته" في إنقاذها. ويرى المحللون أن الرد المعقول على إلغاء القمة، والتعامل الدبلوماسي غير المعتاد الذي أعقب ذلك من قبل بيونج يانج، بمثابة دليل قوي، بأن كيم يحتاج بشدة لعقد اتفاق دبلوماسي مع الولاياتالمتحدة. وقال شين بيوم تشول، وهو زميل بارز في معهد "أسان" للدراسات السياسية في سيول إنه "لا يزال بإمكان كوريا الشمالية البقاء تحت وطأة العقوبات، خاصة إذا ساعدتها الصين"، مضيفًا أنه "طالما هذه العقوبات موجودة، لا يستطيع كيم جونج أون أن يحقق هذا النوع من النمو الاقتصادي السريع الذي وعد به شعبه". اقرأ المزيد: فريق أمريكي يغادر إلى سنغافورة استعدادًا لقمة «ترامب وكيم» وأشارت الصحيفة إلى أن رغبة كيم في عقد القمة مع ترامب، حتى بعد قرار الإلغاء، لا تعني بالضرورة أن الزعيم الكوري الشمالي مستعد للتخلي عن ترسانته النووية، وهو المطلب الأمريكي الأساسي. حيث تشير الرغبة الواضحة لمواصلة الجهود الدبلوماسية إلى أن كيم، البالغ من العمر 34 عامًا، يتعرض لضغوط من أجل تحقيق التوقعات المتزايدة بحدوث طفرة اقتصادية في كوريا الشمالية، والتخلص من العقوبات المؤلمة. وفي الوقت الذي ينظر فيه العالم إلى كيم على أنه ديكتاتور يمتلك أسلحة نووية، إلا أنه مصمم على أن يكون واجهة كوريا الشمالية الحديثة والأكثر انفتاحًا في الداخل. حيث قام ببناء مبان جديدة وجدد المباني القديمة في العاصمة بيونج يانج، وحضر حفلة موسيقية لفرقة كورية جنوبية، وسمح لأوركسترا البلاد بعزف موسيقى البوب الأمريكية. كما أرسل كيم مسئولي الحزب الحاكم إلى الصين لتعلم سياساتها الاقتصادية، كما اعترف بفشل آخر خلال فترة حكمه، مثل إطلاق القمر الصناعي الفاشل في عام 2012. وعندما التقى مع رئيس كوريا الجنوبية، في الشهر الماضي ودعاه إلى بيونج يانج، طلب من مون أن يطير إلى هناك، لأن طرق وقطارات كوريا الشمالية في حالة "سيئة". اقرأ المزيد: «القمة المستحيلة».. كوريا الجنوبية تدعو لمفاوضات مباشرة بين ترامب وكيم فالتناقضات بين الشمال والجنوب في شبه الجزيرة الكورية صارخة للغاية، حيث تنتج كوريا الشمالية أقل من 5 في المئة، من الكهرباء التي تنتجها كوريا الجنوبية، مما يترك الركاب عالقين لساعات في القطارات بسبب نقص الطاقة، وفقا لما ذكره منشقون من البلاد. كما يظهر الاختلاف الاقتصادي الكبير بين البلدين بوضوح من الفضاء، حيث تظهر صور الأقمار الصناعية الليلية، النصف الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية مليء بالأضواء الساطعة، في حين أن كوريا الشمالية محاطة بالظلمة، مع لمسة خفيفة فقط من الضوء، تشير إلى موقع بيونج يانج، حيث تعيش نخبة الأمة. وقالت "نيويورك تايمز" إن كوريا الشمالية قطعت شوطًا طويلًا منذ التسعينيات، حيث عانى السكان من المجاعة، وكانت البلاد تعاني من نقص في الطاقة لدرجة أن المسافرين كانوا يخيمون في المحطات لعدة أيام في انتظار القطارات. ومنذ أن تسلم كيم السلطة بعد وفاة والده كيم جونج إيل، قام بإنشاء الحدائق المائية ومنتجعات التزلج ومطار جديد وناطحات السحاب، وأصبحت الهواتف المحمولة من المنتجات الاستهلاكية الشائعة في المدن الكورية الشمالية، على الرغم من أن البلاد لا تزال تحجب شبكة الإنترنت العالمية. ويقول الزائرون للبلاد في الآونة الأخيرة، إن بيونج يانج تبدو أكثر ازدهارًا ورخاءً مما كانت عليه قبل عقد من الزمان، حيث كانت المتاجر مليئة بالأطعمة المستوردة والمنتجة محليا، لكن الأوضاع خارج العاصمة تظل سيئة، مع انتشار سوء التغذية بين الأطفال والأمهات المرضعات، وفقًا لوكالات الأممالمتحدة للإغاثة. حيث تسببت السلسلة الأخيرة من العقوبات التي تقودها الولاياتالمتحدة، في الحد من قدرة كوريا الشمالية على كسب العملة الصعبة اللازمة لشراء الواردات. اقرأ المزيد: ترامب يعلن إلغاء القمة مع كوريا الشمالية: لحظة حزينة في التاريخ حيث حظر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ سبتمبر، جميع صادرات كوريا الشمالية الرئيسية، بما في ذلك الفحم وخام الحديد، والمأكولات البحرية، والمنسوجات، وإذا تم فرض العقوبات بشكل كامل، يمكن أن تقضي على 90% من إجمالي صادرات البلاد. وانخفضت صادرات كوريا الشمالية إلى الصين، التي تمثل أكثر من 90% من تجارة كوريا الشمالية الدولية، بنسبة الثلث لتصل إلى 1.65 مليار دولار في العام الماضي، كما خفضت عقوبات الأممالمتحدة واردات الشمال من المنتجات النفطية المكررة بنسبة 90%، مما تسبب في تضاعف أسعار البنزين. وأغلقت العديد من المناجم والمصانع أبوابها، بسبب نقص المواد الخام أو طلبات التصدير، وفقا لوسائل إعلام كورية جنوبية ويابانية، كما تخلى المستثمرون والصيادون عن العمل في الصيد، بعد أن تم حظر الصادرات البحرية المربحة إلى الصين. ويقول الخبراء إنه لا توجد أي إشارة إلى عودة المجاعة، إلا أن البعض أشار إلى أن البلاد لا تزال تكسب مبالغ نقدية كبيرة من خلال عمليات التهريب والاختراق وبيع الأسلحة.