أم هيام: «كنا بنشوف ناس سودة بتدخل الشقة وصوت ميه مفتوحة دايما» شاهد: «مكناش بنشوف حد يخرج من الشقة طول ما الناس السودة دى موجودة جوه» الصمت يسيطر على المكان، لا أحد يعلم الحقيقة كاملة، ما لغز الجثة التى عثر عليها داخل سرداب بالشقة، روايات عديدة يكتمها الجيران خوفا من الملاحقة الأمنية، لا رغبة فى الحديث إلا على مضض، منظر الجثة المستخرجة لا يزال حاضرا فى الأذهان، الجميع يتساءل عن سر وجود جنسيات إفريقية داخل شقة القتيل. داخل شارع أحمد عصمت بعين شمس، وتحديدا حارة الحكيم، انتقلت «التحرير» إلى هناك، حيث مكان العثور على جثة لعامل، استخرجته الحماية المدنية قبل أيام من حفرة كبيرة بوسط شقة فى الطابق الأرضى، بجانب كمية من «الفؤوس» و«المقاطف»، تنقب حول تفاصيل العثور على الجثة وسر العثور عليها وسط روايات متناقضة. يهرع محمد، صاحب محل فراشة، إلى قسم شرطة عين شمس، يطلب مقابلة أحد ضباط المباحث، استقبله الرائد أحمد طارق، معاون مباحث القسم، أبلغه بوجود جثة بشارع الحكيم، وسماعه أعمال حفر داخل أحد المنازل، أقله الضابط فى سيارة إلى مكان البلاغ، للوقوف على حقيقة حديث صاحب محل الفراشة، ليعثر الضابط بالفعل على جثة رمضان محمد، صاحب الخمسة والثلاثين من عمره، أسفل أنقاض، لم يكن بذهن رجال الشرطة أن جثة القتيل ستقودهم إلى تشكيل يعمل فى مجال التنقيب عن الآثار. أبلغ الرائد أحمد طارق، رئيسه المباشر المقدم محمد السيسى، رئيس مباحث قسم شرطة عين شمس، والذى أخطر بدوره العميد محمود هندى، مدير مباحث قطاع شرق القاهرة، فكلفه بسرعة كشف ملابسات الحادث والوقوف على خلفيات العثور على الجثة فى أسرع وقت، ومناقشة صاحب البلاغ تفصيليا، لتكمن المفاجأة إذ تم التحقق من بلاغ صاحب محل الفراشة، حتى عثر رجال المباحث على نحو 44 تمثالا، يشتبه فى أثريتها، تم ضبطها داخل ملاية سرير وسط الشقة الواقعة بالطابق الأرضى، كما ألقى القبض على أربعة آخرين. يقول نجل شقيقة، سيد أرباب، صاحب الثمانية والخمسين عاما، أحد المتهمين المتورطين فى أعمال الحفر والتنقيب، إن خاله تعرف على أحد الأشخاص، الذى أقنعه بوجود شيخ فى منطقة المرج بإمكانه معرفة الأراضى التى يوجد أسفلها «المساخيط» -قاصدا الآثار- قبل أن تختمر الفكرة فى ذهنه ويتقابلا بالشيخ الذى طلب منهم رسوم الزيارة وقدرت بنحو ألفى جنيه. يضيف نجل شقيقة المتهم، أن الشيخ أقنع خاله وصديقه بوجود آثار أسفل العقار، وبالفعل اتفقا مع آخرين لمعاونتهم فى أعمال الحفر والتنقيب شريطة السرية التامة، خشية إبلاغ رجال المباحث، وبالفعل أحضروا عدة الشغل عبارة عن فؤوس ومقاطف وجرادل لتحميل الأتربة التى سيحفرونها. يصمت ويتذكر مشاهد فرحة معاونى خاله فى أعمال الحفر، كلما اقتربوا من طول الحفرة التى أبلغهم بها الشيخ، وهى 18 متر تقريبا، ويعلق "منهم لله هما اللى جروا خالى للشغلانة دى كان عايش وبيربى بناته ومستورة لكن طريق الآثار آخرته وحشة، ومش عارف شيخ أيه اللى يودى الناس فى السكة الشمال دى"، ربنا يظهر الحقيقة إن شاء الله وكده كده شرطة الآثار اتحفظت على المكان وفى لجنة فنية بتفحص التماثيل اللى طلعت. وأقر نجل شقيقة المتهم معقبا «الضابط أول ما دخل لقى تماثيل بالفعل جوه الشقة لكن محدش عارف هل هى أثرية بالفعل ولا لأ». تقول الحاجة أم هيام، تسكن إلى جوار العقار محل الواقعة « كنا بنشوف ناس شكلها أسود منعرفش هما منين.. سمعنا إنهم من جنوب إفريقيا، وكنا بنسمع صوت ميه مفتوحة دايما فى الشقة، وفى الغالب مكناش بنشوف حد يخرج منها طول ما الناس السودة دى موجودة جوه»، تضيف السيدة صاحبة ال60 من عمرها، «منعرفش مين السكان الأصليين للشقة اللى الحكومة لقت فيها آثار، لأن البيت كان متباع من فترة وصاحب البيت الأصلى منعرفش ساكن فين دلوقتى». واتفق معها فى روايتها، أحد الجيران بالشارع، موضحا أن أحد الأشخاص جنوب إفريقى، لقدرته على العمل الطويل فى أعمال الحفر، دون أجرة كبيرة مقارنة بغيره من «العتالين»، حيث كان يقوم بأعمال الحفر بجانب باقى أفراد العصابة، غير أنه تحصل على نصيبه منهم بالكاد عبارة عن «قطع تماثيل»، وقبل مغادرته تخلص من المجنى عليه بإلقائه فى السرداب الطويل الذى حفروه، وأهال عليه التراب، حينما سنحت له الفرصة، وفر هاربا. وأوضحت أن «سيد» أحد المقيمين فى الشقة التى عثر بداخلها على الجثة والتماثيل، «لم نسمع عنه أنه مشى في سكة الحرام قبل كده أو يعرف طريق عصابات الآثار.. أكيد ولاد الحرام هما اللى أغووه، ربنا يصبر أهله»، ولفتت إلى أنها وقبل خروج رجال الشرطة بجثة أحد الأشخاص من داخل الشقة، سمعوا صوتا مرتفعا يشبه وجود خلاف بين قاطنى الشقة التى تقع بالطابق الأرضى، وكذا تنامى إلى سمعهم صوت تشاجر وتناحر وصراخ متقطع. يقول أحد الأشخاص وثيقى الصلة بمتهم آخر، إنه علم أن المجنى عليه كان شريكا فى واقعة البحث عن الآثار من بدايتها، وعندما اختلف معه أحد شركائه فى عملية توزيع «الغلة» -قاصدا التماثيل- لم يجدوا مفرا من التخلص منه خشية الإبلاغ عنهم والزج بهم خلف القضبان، مشيرا إلى أن التحقيقات التى تجريها النيابة فى الواقعة ستكشف عن المستور خلال الأيام المقبلة. وألمح إلى أن صاحب فكرة التخلص من المجنى عليه هو الشيخ الذى يوجه فريق البحث عن الآثار، بداعى أن الطمع تسرب إلى وجدانه، ومن الممكن أن يوقع بهم فى قبضة رجال الشرطة، وعقب قائلاً «سمعت من واحد من المحبوسين إن الشيخ قالهم لازم يكون الكل مصفى نيته فى العمل ده عشان ربنا يسهلهم ويلاقوا الآثار». يضيف أنه لم يتعجب من حديث الشيخ، حيث إنه منتشر جدا فى غالبية محافظات الأرياف، أن يكون أحد الشيوخ المختصين فى مسألة البحث عن الآثار متواجد مع القائمين على أعمال الحفر لتوجيههم، ولا يزال رجال المباحث يجرون تحقيقاتهم حول الحادث. فتحت نيابة شرق القاهرة الكلية تحقيقات فى واقعة العثور على جثة عاطل، لقى مصرعه أثناء تنقيبه عن الآثار داخل شقته فى منطقة عين شمس، وأمرت بتشريح الجثة لبيان أسباب الوفاة وصرحت بدفنها عقب الانتهاء من عملية التشريح، وسرعة إجراء تحريات المباحث حول الواقعة، وتشميع الشقة. كما أمرت النيابة بانتداب رجال المعمل الجنائى، وتشكيل لجنة هندسية من الحى لمعرفة هل تأثرت الشقة بأعمال الحفر والهدم أم لا، وانتداب لجنة فنية من الآثار لفحص المضبوطات.