أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس الماضي، بشكل غير متوقع، أن القوات الأمريكية "ستخرج من سوريا في أقرب وقت ممكن". هذا الإعلان أثار مخاوف بعض مسؤولي الأمن القومي من أن الانسحاب في الوقت الحالي من الممكن أن يقوض مصداقية الولاياتالمتحدة في المنطقة، بالإضافة إلى أنه قد يتسبب في تصعيد الصراع في سوريا. وأشارت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، إلى أن العديد من المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية، أكدوا أن الوقت الحالي غير مناسب تمامًا للانسحاب من سوريا لما سيثيره من العديد من التداعيات. من الخاسر الأكبر من هذا القرار؟ تحتفظ الولاياتالمتحدة في سوريا بنحو 2000 جندي من جيشها، لتقديم الدعم بشكل أساسي لقوات سوريا الديمقراطية، في حربها ضد تنظيم داعش. رغبة الرئيس في الانسحاب من سوريا في أقرب وقت ممكن، تثير حالة من القلق بين الجماعات التي تدعمها في المنطقة، خاصة قوات سوريا الديمقراطية. وأشارت الشبكة الأمريكية، إلى أن هذا القرار من شأنه أيضًا أن يشجع قوات النظام السوري وإيرانوتركيا على مهاجمة حلفاء أمريكا في سوريا، وهو ما كان مستبعدًا في السابق، خوفًا من الانتقام الأمريكي. وقال ديفيد أديسنيك مدير الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، إن "أهم سبب في بقاء قوات سوريا الديمقراطية على الساحة حتى الآن، هو خوف القوى الأخرى من الدخول في صراع معها". وأضاف "في حالة الانسحاب الأمريكي، كيف سيتصرفون؟ هل سيعقدون صفقة مع النظام إذا وجدوا أنفسهم في موقف ضعيف؟". وساهم الوجود الأمريكي في ردع هجوم من قوات النظام والميليشيات الروسية للسيطرة على الأراضي ومصافي النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وفي حالة الانسحاب الأمريكي لن يكون هناك ما يمنع تلك القوات من الهجوم مرة أخرى. كما تساعد القوات الأمريكية، قوات سوريا الديمقراطية في تأمين الحدود السورية العراقية، وسط وجود فلول تنظيم داعش، وهو الأمر الذي سيكون أكثر صعوبة دون مشاركة القوات الأمريكية. داعش قد يعود من جديد ترى "سي إن إن"، أنه في حالة انسحاب الولاياتالمتحدة قد تنهار مناطق النفوذ في مناطق شرق سوريا، والتي جنبت هذه المناطق الكثير من العنف الذي شهدته مناطق غرب البلاد، مما قد يتسبب في تصعيد حدة الصراع. ومن المحتمل، أن يستغل داعش هذه الحالة من الفوضى، والذي يستفيد بالفعل من الحملة التركية التي تشنها على المناطق الكردية في شمال سوريا. حيث حذر المسؤولون الأمريكيون على مدار أسابيع من أن الحملة العسكرية التركية ضد القوات الكردية في عفرين، التي بدأت في 20 يناير، يمكن أن تقوض جهود القضاء على داعش، حيث بدأ المقاتلون الأكراد الذين يساعدون الولاياتالمتحدة في محاربة داعش، الانشغال بالدفاع عن عفرين. قال روب مانينج المتحدث باسم الجيش الأمريكي: "إننا نشعر بقلق بالغ من أن يتسبب القتال هناك، في التأثير على جهود محاربة داعش، ونتمنى انتهاءه قبل أن يحظى داعش بإعادة تنظيم صفوفه في شرق سوريا". كما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن تنظيم داعش بدأ بالفعل في إعادة بناء قواعده مرة أخرى. لكن تركيا ترى أن حلفاء الولاياتالمتحدة الأكراد إرهابيون، وتعارض بشدة ادعاءات الولاياتالمتحدة بأن مشاركتهم لها تأثير سلبي على الحملة ضد داعش. وكان وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، قال في يناير الماضي إن الولاياتالمتحدة لن تغادر سوريا "حتى القضاء على داعش نهائيًا"، وأضاف أن "القتال ضد داعش لم ينته بعد". روسياوإيران أكبر الفائزين تقول الشبكة الأمريكية إن تورط أمريكاوروسيا في الحرب السورية زاد من تعقيد الصراع، حيث بذلت الدولتان كل الجهود الممكنة، لتجنب المواجهة المباشرة بينهما، إلا أن تلك الجهود لم تفلح دائمًا. ولقى العشرات من المرتزقة الروس التابعين لنظام بشار الأسد، مصرعهم في فبراير الماضي نتيجة لغارات أمريكية. ومن المتوقع، أن يخلق الانسحاب الأمريكي من سوريا حالة من الفراغ، مشابهة لما حدث بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، ويرى العديد من خبراء السياسة الدولية أن روسيا هي من ستشغل هذا الفراغ. صرحت أنجيلا ستينت مديرة مركز الدراسات الأوراسية والروسية في جامعة جورج تاون، أنه "في حالة انسحاب الولاياتالمتحدة من سوريا، فإن روسيا سيكون لها اليد العليا، وستتعرض القوات التي تحارب نظام الأسد لحالة من الضعف". وأضافت: "أنا حقًا لا أعرف فيما كان يفكر الرئيس عندما أعلن هذا القرار"، مشيرة إلى أن أي انسحاب لأمريكا، سيمنح روسيا الفرصة "لتكون اللاعب الأكبر في المنطقة". وأكدت أن هذا القرار سيكون في مصلحة الإيرانيين أيضًا، حيث إذا تخلت الولاياتالمتحدة عن وجودها في مدينة "التنف" السورية، فستتمكن إيران من تأمين الطريق من طهران إلى دمشق، وزيادة نفوذها الإقليمي. وفي الوقت الذي يحاول ترامب تضييق الخناق على إيران، فإن مثل هذا القرار سيكون له رد فعل مبالغ فيه وغير ضروري، حسبما قال ديفيد أديسنيك. جنبا إلى جنب مع روسياوإيران، يمكن أن يستفيد النظام السوري أيضا من المزايا الاقتصادية للاستيلاء على حقول النفط التي يسيطر عليها حاليا الحلفاء المدعومون من الولاياتالمتحدة.