لم يجذبه إليها شعرها الأشقر، ولا قوامها الممشوق، ولا نضارة وجهها، ولا عيناها العسليتان اللتان ترمقانه من بعيد، كل ما أثار انتباهه هو ذلك الرباط الجلدى، الذى يطوق رقبتها وينتهى فى يد تلك السيدة الحسناء، التى تتمختر على خطوة كلبتها (الجولدن ريتريفر) فى تلك الضاحية الهادئة، أخذ يتساءل عن سر الانقياد التام الذى أبدته الكلبة لصاحبتها، تساءل أيضا لماذا اختارت السيدة هذه الكلبة بالذات دونا عن بقية الكلاب، أما هو فلم يكن سوى كونه كلب بلدى ضال لا يعبأ به أحد، ولا يلتفت إليه إنسان إلا ليصرفه بركلة قدم أو يشيح فى وجهه بعصا، يبحث عن طعام فى أكوام القمامة، نحل جسده وشحب وجهه.. بعكس حال هذه الكلبة المنعمة بما لذ وطاب من طعام، واهتمام وحب من سيدتها.. فما السر يا ترى؟ دون أن يدرى وجد نفسه يتبعهما فى طريقهما، لاحظت السيدة وجوده خلفهما، فالتفت إليه باسمة، ومدت يدها لتربت ظهره بحنان شعر به لأول مرة.. نظرت إليه الكلبة المدللة، فتوسل إليها بعينيه أن تأخذه معها، عندما توقفت أمام بناية فجأة، والتفت إليه مرة أخرى فى نظرة غيرة فهو حر طليق يذهب حيثما شاء بلا قيود تكبله ولا سيد يحكمه. راقبت هذا المشهد من شرفتى، وجعلت أتساءل مثله، أيهما أفضل: حرية الفقر، أم عبودية الثراء، ولم نعتبر أن حالة الكلبة نوع من العبودية؟ لم لا نعتبرها معاهدة بين طرفين، الإطعام والحياة المرفهة مقابل حريتها.. أليس أفضل لها من الفقر مع الحرية؟
إن فى التاريخ الكثير من القصص التى عبرت عن مفهوم الحرية والعبودية، وأن فى سيرة كفاحات الشعوب، الإفريقية مثلا، كثيرا ما ارتبطت العبودية بالفقر، وتذكرت مقولة للدكتور مصطفى محمود تحمل زواية أخرى: أن هناك من يناضل من أجل الحرية، وهناك من يناضل من أجل تحسين ظروف العبودية. الحرية فى نظرى أن تفعل ما تشاء دون أن تؤذى مشاعر الآخرين أو تنتقص من حرياتهم، أن تتمتع بحرية التعبير وحرية الحركة والانتقال من مكان لآخر كما تشاء، لكن الحرية فى عالمنا ليست حرية بلا حدود، حرية لها سقف، وإلا تحول الأمر إلى فوضى وخلاعة، إذا ما قرر الناس فجأة إنشاء شاطئ للعراة مثلا، أو أن يسيروا فى الطرقات بملابس النوم.. أو أن يقوموا بإلقاء المهملات فى الشوارع.. بدعوى أنهم أحرار.. لم يعد هناك عبودية، لكن الفقر لا يزال متفاقمًا فى عالمنا. ما الحرية فى رأيك؟ وماذا ستفعل بحريتك إذا نلتها؟