كتبت: مارينا ميلاد.. تصوير: هاني شمشمون يعلن الكاهن في نهاية القداس موعد الرحلة المقبلة إلى أحد الأديرة، ويُعلق بها ورقة في ساحة الكنيسة، يفرح الحضور وتحديدًا الأطفال، ويسارعون بالحجز إن كان ذلك مناسبًا. عادة ما تختار الكنائس يوم الجمعة لخروج رحلاتها. وربما علم المسلحون، الذين خططوا لاستهداف حافلات الأقباط المتجهة إلى دير الأنبا صموئيل بمحافظة المنيا، هذه المعلومة، لذلك قرروا تنفيذ مسعاهم صباح اليوم. 28 شخص قتلوا في الحال، وفقًا للمتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، ومن أصيبوا - ويتجاوز عددهم ال25 - نُقلوا إلى مستشفيات المنيا وبني سويف، فيما وصلت 12 حالة إلى مستشفى معهد ناصر بالقاهرة. في مستشفى معهد ناصر، لم يبال المصابون بإصابتهم حتى الخطرة منها. فقط يبكون ويسألون على أقاربهم وأولادهم، الذين كانوا معهم في الحافلة واطلقت النيران عليهم أمامهم. كان ذلك حال نورا محسن (35 عام)، التي رغم أنها رأت ابنها بيشوي عياد، الطالب بالصف الثالث الإعدادي، والرصاصة تخترق رأسه، إلا أن شقيقها وقريبها يخفيان خبر موته عليها عندما تسأل عنه حتى تتماثل الشفاء من إصابتها. يرقد بجانب نورا في المستشفى نفسها، ابنتيها مارينا وبسنت، المصابتان بالرصاص في أقدامهما. نجا زوج نورا من القتل لأنه لم يذهب معهم في هذه الرحلة، لكنها فقدت والدها وأشقاءها بخلاف ابنها. إذ بدأ المسلحون بقتل الرجال أولًا عندما أطلقوا النيران على عجلات الحافلتين لإيقافهما، فحاول الرجال منعهم من الدخول وأغلقوا الأبواب. وقتها أطلقوا الرصاص على الزجاج ليتهشم تمامًا، ومن خلاله يستطيعون قتل هؤلاء وإصابة النساء في أقدامهن. الرواية نفسها، أكدتها سامية عدلي (56 عام)، التي أصيبت في جانبها الأيمن، وقالت إن المسلحين طلبوا من النساء أن يعطوهم ذهبهن. قبل أن تدخل غرفة العمليات، ظلت سامية تردد: «رحتوا فين يا حبايب. ياريتني رحت معاكم». كانت سامية تجلس بجانب زوجها حين قُتل، وشاهدت ولديها وأحفادها وهم يسقطون بعد إصابتهم، لكنها لم تعلم حتى الآن بموتهم. خارج قسم الطوارئ الذي يتواجد به هؤلاء، اصطف أفراد الأمن الخاص بالمستشفى للتنظيم. وقال أحدهم، وهو يدين ما حدث: «إحنا من الساعة 12 كان المفروض نمشي، لكن قعدنا من نفسنا عشان نساعد إخواتنا.. ربنا ينتقم من اللي بيعمل كده». فيما اصطف الأمن المركزي في كردون أمام مبنى الاستقبال والطوارئ، ومنعوا دخول الصحفيين وأغلب الزائرين. وكان الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، قد زار المستشفى، قبل وصول الحالات، ظهر اليوم، ليطمئن على الاستعدادات، وذكر أن الإصابات تتراوح بين شظايا في اليد والقدم، وكسور في الذراع والحوض والكتف والساقين، وطلق ناري في الصدر والفخذ. وتشير التحريات الأولية إلى أن منفذي الهجوم هم ثمانية عناصر مسلحة، كانوا يستقلون سيارتي دفع رباعى، حسبما أفاد مصدر أمني بوزارة الداخلية. وكان أحد الكهنة يزور المصابين، وقال ل«التحرير» نقلًا عن شاهدة عيان، أن عربة المسلحون غرست في الرمل، فقاموا بحرقها، واستهدفوا عربة تقل عمال كانوا في طريق الدير أيضًا، فقتلوا من بها، وسرقوها ليهربوا بها بعد انتهاء عمليتهم.