علي مقهي "البرنسيسة" في حلوان، جلس رجل أربعيني، ملقب ب"سمسار" وسط مجموعة من الشباب الباحث عن فرصة عمل، ليعلن عن احتياج شركة أمارتيه ل50 فرد أمن، مقابل 2250 درهم امارتي"، لم يكن في يد "محمد" شىء، غير المجازفة والموافقة علي طلب السمسار، للوصول إلي وظيفة الإحلام:"خذ من كل واحد 100 جنية، عشان يكتبلنا عنوان الشركة اللى هنقدم فيها". محمد، شاب في أواخر العشرينات، تخرج من كلية أداب قسم تركي، جامعة حلوان،:"طلعت ملقتش حاجة اشتغلها"، فبحث عن فرصة للسفر إلي بلد عربي،:"معرفش حدي يوصلنى بكفيل يشغلنى، فالشركات اللى بتكون عامله الإعلانات دي، هى همزة الوصل بينى وبين الكفيل إللى محتاج شغل". الشركة المعلنة عن فرص العمل، لها في كل محافظة وقرية، شخص يدعي "سمسار"، وظيفته تتلخص في جمع مبلغ محدد من الشباب، يقول محمد:"السمسار بيبقى معروف في المنطقة، بيروح يقول للشباب أن في فرصة للشغل، وعشان يديه العنوان والتفاصيل، ويكتب اسمه فى ورقة فاضية، بياخذ علي الراس100 جنية، اشتغلت مشتغلتش مابترجعش". ذهب محمد إلي مقر الشركة ليتفاجأ أنه ليس الشاب الوحيد، الذي قرر المجازفة بعمره وماله، يقول ل"التحرير": واقف من الساعه 9 الصبح، والعدد بيزيد بالمئات، وكلناعارفين أنها ممكن تتطلع شركة نصابه، بس ماقدمناش غير كدا".
طابور طويل، أمام مقر الشركة في المهندسين، لشباب تتراوح أعمارهم بين ال25 إلي ال35، منهم من يرتدي بذله أنيقة وأخر قميص كلاسيك، استعداد لاجتياز المقابلة الشخصية، بعد ملىء استمارة التقديم، يقول أحمد بدوي، خريج كلية حقوق جامعة القاهرة،:"الأستمارة من غير فلوس، بنكتب فيها الأسم والمؤهل الدراسي" . ورقة مقسمه إلي خانات، في الإعلى خانة للأسم وتاريخ الميلاد، يليها خانة المؤهلات الدراسية والتخصص وأسم الجامعة، وفي أسفلها خانة الخبرات العملية داخل وخارج مصر، مع المهارات والدورات التدريبية، دون أرفاق أى أوراق أو شهادات أو حتى صورة للبطاقة الشخصية، يقول أحمد بدوي:"بندخل جو الشركة بالعافية من الزحمة، بنملى الاستمارة ونسبها على مكتب الموظف، وبعد شوي طولت لساعات، بيجي موظف ينادي علينا عشان ندخل المقابلة". المقابلة الشخصية عبارة عن سؤال واحد:"ليك في الإنجليزي"، وصفها شهاب السعدني، ب"ملهاش لازمة"، لأنه لا يملك غير اللغة العربية، يقول:"السمسار مقلناش انهم عايزين ناس بتتكلم انجليزي، فجايبنا واخد مننا فلوس ليه".
صدمة شهاب حاصل علي دبلوم الصنايع، لا تقل عن صدمة خالد مسعد، خريج بكالوريوس تجارة، خاصة بعدما علم أن الشركة ستأخذ منه 28 ألاف جنية، مقابل سفره إلي الإمارت، يقول:"جينا علي اتفاق، ولقينا حاجة تانية خالص، قالولى عايزين 28 الاف حق التذكرة إللى هتجيلك، غير ان الأكل والشرب والسكن عليا، وهيستلموا الفلوس قبل التأشيرة، طيب أنا لو معايا الفلوس دي هسافر ليه". من خمس شهور، تعرض هشام عبد الجواد، شاب في الثلاثين من عمره، وحاصل على دبلوم صنايع، إلي النصب، من شركة إعلنت عن حاجتها لموظفين للسفر إلي الكويت، يقول:"قالولى هات الورق، وبعد كدا قالولنا هاتو الفين جنية عشان التأشيرة، ولا سافرنا ولا التأشيرة جت"، وعن سأله لتكرار نفس المجازفة يقول:"الدنيا بايظة هعمل ايه، مفيش حل، لازم اتقرص مرة واتنين وثلاثة لحد مايجي الأمل واسافر".