المجلة لعبت دورًا كبيرًا فى مقاومة ومواجهة كل أشكال التطبيع تفاعلت مع الأصوات الإبداعية وفتحت أبوابها للتجارب المختلفة فى مثل هذا الشهر، كان المثقفون المصريون يحتفون بصدور العدد الأول من مجلة «أدب ونقد»، والتى صدرت عن حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، والجدير بالذكر أن حزب التجمع هو الوحيد الذى انشغلت قياداته وقواعده بمنظومة الثقافة والفن، وينفرد كذلك بإصدار مجلة ثقافية تصدر بشكل منتظم بين كل الأحزاب المصرية الأخرى، وكذلك فهذا الحزب يضم بين جنباته مثقفين وكتابًا ومبدعين، وقبل صدور مجلة «أدب ونقد» فى أواخر يناير عام 1984، كانت هناك لجنة اسمها «لجنة الدفاع عن الثقافة القومية»، وكانت على رأس هذه اللجنة الدكتورة لطيفة الزيات، الناقدة وأستاذة الأدب الإنجليزى، والروائية، وقد ضمت هذه اللجنة مثقفين يساريين، وعلى نقيض النظام آنذاك، منهم د.سيد البحراوى وحلمى شعراوى وعبد العظيم أنيس وسناء المصرى وبثينة كامل وصلاح عيسى وفريدة النقاش وآخرون. وأصدرت اللجنة نشرة ثقافية مهمة تحت عنوان «المواجهة»، وقد لعبت هذه اللجنة دورًا كبيرًا فى مقاومة ومواجهة كل أشكال التطبيع التى كانت تطل برأسها من هنا أو هناك، وعندما تقلصت نشرة اللجنة برزت فكرة إصدار مجلة ثقافية لنشر الإبداع التقدمى المصرى والعربى على السواء. وهكذا وُلدت الفكرة، وأصبحت ضرورة ملحة فى ظل صدور مجلات أخرى تعبر عن الحكومة آنذاك مثل مجلة «إبداع»، التى ترأس تحريرها فى بدايتها الناقد الدكتور عبد القادر القط، ورغم أن هذه المجلة لعبت دورًا فى رواج بعض الأسماء الجيدة، فإنها لم تكن معبرة بشكل واسع عن كل أطياف الثقافة المصرية، ولذا كانت مجلة «أدب ونقد» ضرورة شبه حتمية للتعبير. بالضرورة عن مجمل أطياف الثقافة الوطنية والتقدمية عموما، وصدرت أولًا برئاسة تحرير الدكتور الطاهر أحمد مكى، وجاء مستشارو التحرير معبرين عن أطياف مختلفة فى الثقافة المصرية «بهجت عثمان وجمال الغيطانى وعبد العظيم أنيس وملك عبد العزيز» وتولى الإشراف الفنى الفنان أحمد عز العرب، وكانت الناقدة فريدة النقاش مديرة التحرير، والمخرج ناصر عبد المنعم سكرتيرًا للتحرير. ولم تكن عملية الإصدار سهلة أو ميسرة، بل عانى المصدرون سلسلة متاعب شاقة، حتى إنه قد صدر العدد الأول بعد طلوع الروح، وبفضل إصرار المثقفين على ذلك، ويروى الطاهر مكى فى العدد الثالث من المجلة، والصادر فى أبريل عام 1984 عن هذه الفخاخ التى نصبها المجلس الأعلى للصحافة آنذاك، ويعتبر أن ما حدث لتعطيل صدور المجلة صورة من صور التخلف الثقافى والفكرى، فى ظل شعارات براقة، مجرد شعارات، فرغم أن الذين كانوا قائمين على الثقافة والصحافة آنذاك كانوا يطلقون أمانيهم الفضفاضة نحو رعاية الشباب الموهوبين فى عالم الكتابة، ومحاولة بعث الحياة الثقافية التى سقطت بين أيدى الفاسدين والعجزة، وتسلط غير المثقفين على أمر الثقافة، ويقول الطاهر مكى: «وكلها أمنيات طيبة، ليس هناك وطنى مخلص، أو مفكر ملتزم، يمكن أن يتخلف عن المشاركة فيها». ويستطرد: «ومع أن تجاربنا مع البرجوازية الناشئة فى عالم الثقافة، ومعاناتنا الدائمة مع كتاب الحكومة، تحتم علينا أن نأخذ ما يقال ويشاع فى حذر شديد، غير أننا رأينا أن لا نبالغ فى سوء الظن، وأن نستجيب للدعوة، وأن نسهم فى تطوير واقعنا الثقافى، ودفعه خطوة للأمام». وهكذا تقدم الطاهر مكى بطلب إصدار المجلة إلى المجلس الأعلى للصحافة فى 19 يوليو 1983، آملًا أن يلقى هذا الطلب موافقة فورية، ترجمة للمشاعر والآمال المنتشرة، لأن هذه الاستجابة التى لن تكلف السلطة أى شىء، خطوة تحسب لها، ولكن ذلك كان وهمًا، وبدأت مرحلة التعقيدات كما يشرح الطاهر مكى، بتأجيل الطلب لأوهى سبب، أو لا يعرض على المجلس، أو لا يجتمع المجلس أصلًا. كل هذا وكانت مادة المجلة فى المطبعة، والإعلان عنها مستمر فى جريدة «الأهالى» وهناك إلحاح من القراء مستعجلين الصدور، ولكن المجلس الأعلى للصحافة كان يراوغ بحرص وإصرار، وكانت حيلة المجلة هى أن تكتب على صدرها فى البداية عبارة «كتاب غير دورى» الشهيرة، هذه العبارة التى كانت جواز مرور لمطبوعات كثيرة فى السبعينيات، وبالفعل صدر العدد الأول فى أواخر يناير عام 1984 كما أسلفنا، وبعدها وفى فبراير من العام نفسه تعطف المجلس ووافق على صدور المجلة، أى بعد سبعة أشهر كاملة من تقديم الطلب. ومنذ ذلك الوقت أخذت المجلة على عاتقها أن تقدم الثقافة الرفيعة والراقية والوطنية والتقدمية، وفى مرحلة صدورها الأول اختارت شعارًا مناسبا، وهو «مجلة كل المثقفين العرب»، ثم تغير هذا الشعار فى ما بعد إلى «مجلة الثقافة الوطنية الديمقراطية»، ومنذ العدد الرابع بدأت تدير تحرير المجلة الناقدة الطليعية فريدة النقاش، وتكتب افتتاحياتها اللافتة، ففى العدد الرابع كانت فريدة تحدد توجهات المجلة الكامنة فى جيل جديد طالع فكتبت: «من قلب الواقع بنزاعاته وقواه الجديدة والقديمة، وحيث يتخلق الطابع المزاجى للفنان، ويكتسب حساسيته وتنضج موهبته، علينا أن نمهد الأرض لأدب واقعى عفى جديد يمكن له أن يولد فحسب عندما يتوحد الطموح الذاتى المحرق لدى الفنان للحرية بطموح القوى الاجتماعية الجديدة المرشحة للإطاحة بالعالم البائس القديم، وهى تتحرر من قيوده وبلادته وانحطاطه، وفى فعل تحررها تجد حلولا إنسانية لمشكلات العدم والموت، وبعد أن تولت الناقدة فريدة النقاش رئاسة تحريرها قادتها بذكاء وحماس كبيرين، واستقطبت كُتابا كبارًا من طراز إبراهيم فتحى وغالى شكرى ولطيفة الزيات ومحمد برادة ومحمد دكروب وفاروق عبد القادر وغيرهم، كما أن المجلة تفاعلت مع الأجيال الصاعدة وفتحت لهم صفحاتها بكل حرية ليكتبوا فيها وينشروا كل كتاباتهم دون تحفظ، إلا على مستوى الجودة فقط. وتصدت المجلة عبر عقودها الثلاثة، وبعد أن تولى رئاسة تحريرها الشاعر الراحل حلمى سالم، لكل أشكال القمع الثقافى من قبل السلطات السياسية والدينية على حد سواء، وأعدت ملفات عن نجيب محفوظ وفرج فودة، وظلت المجلة رغم ضيق ذات اليد مستمرة فى الصدور، وهذا ما دفع «الناقد» الدكتور شاكر عبد الحميد، عندما كان وزيرًا للثقافة، أن يمد يد العون، ويدعم المجلة بمبلغ 25 ألف جنيه من حساب صندوق التنمية الثقافية، حتى تتجاوز المجلة عقابتها المادية، وربما تعانى المجلة حتى الآن فى ظل رئاسة تحريرها الجديدة بعد رحيل الشاعر حلمى، وتولى الشاعر عيد عبد الحليم لها، وبالتالى فهى تحتاج إلى دعمنا الثقافى والأدبى، لتواصل طريقها التقدمى والوطنى فى هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ مصر.