على خلفية الأزمة السياسية الطاحنة واحتجاجات الشوارع التى تشهدها الجمهورية السوفيتية السابقة «أوكرانيا» منذ شهرين أصدر الجيش هناك يوم الجمعة الماضى بيانًا نادرًا دعا فيه الرئيس المنتخب فيكتور يانكوفيتش إلى اتخاذ ما سماه البيان «تدابير عاجلة لحل الأزمة، وإرساء الاستقرار فى البلاد»، ورغم أن صياغة البيان بدت متوازنة، إذ أشار إلى ممارسات «غير مقبولة» من قبل المحتجين، منها «شن هجمات على مبانٍ عامة ومحاولة منع سلطات الدولة من القيام بمهماتها ما يهدد أمن وسلامة ووحدة أراضى البلد»، غير أن هذا التوازن لم يفلح، أو ربما كان فى حد ذاته سببًا فى استثارة فيض من التحليلات والتكهنات التى ترى فى بيان الجيش الأوكرانى ما يشبه الإنذار بأنه قد يضطر إذا ما استمرت الأزمة واستفحلت أكثر للتدخل مباشرة فى الشأن السياسى. لقد حاول البعض فى الإعلام الغربى إقحام سيرة الجيش المصرى فى الموضوع، وقال بعضهم صراحة (وكالة «بلومبرج» مثلًا) إن العسكريين الأوكرانيين «ربما يسيرون على النهج نفسه الذى سار عليه قادة الجيش المصرى» عقب ثورة 30 يونيو التى أطاحت بحكم العصابة الإخوانية!! علامتا العجب السابقتان تشيران إلى الاختلاف الهائل بين الحالتين المصرية والأوكرانية من حيث طبيعة وأسباب وحجم ومسار الأزمة فى كلا البلدين، ففى مصر لم يكن الأمر مجرد أزمة بين سلطة حكم ومعارضة، إنما صدام شامل وخطير بين مجتمع بأثره بكل مكوناته وأطيافه و«عصابة فاشية» زين لها التهور وظلام العقل والجنون الإجرامى أن بمقدورها خطف ونشل الدولة والمجتمع معًا وجرجرتهما إلى مستنقع التأخر والخراب الشامل، لهذا فإن من خرج لمواجهة شرور هذه العصابة وإسقاطها لم يكن جمهورًا حزبيًّا مسيّسًا، بل جحافل هائلة من كل طبقات الشعب، لم يكن أمام الجيش إلا أن ينحاز لها وينزل على إرادتها. أما الحالة الأوكرانية، فهى جد مختلفة إلى درجة التناقض التام مع الحالة المصرية، ويكفى لتوضيح هذا الاختلاف أن أزمة فى هذا البلد بدأت وتفجرت، لأن الرئيس يانكوفيتش رفض فى نوفمبر الماضى شروط اتفاق مالى مع الاتحاد الأوروبى، وفضل عليه اتفاقًا بشروط اعتبرها أكثر سخاءً وأقل كلفة سياسية توصل إليه مع روسيا (سوف تحصل أوكرانيا بمقتضاه على منح وتسهيلات تصل إلى أكثر من 15 مليار دولار)، وهو ما أثار حفيظة أحزاب معارضة موالية للغرب والولايات المتحدة بالذات أو من صنع هذه الأخيرة، خصوصًا حزب يدعى «كل الأوكرانيين»، الذى تتزعمه المليارديرة رئيسة الوزراء السابقة «يوليا تيموشينكو»، التى فاز عليها يانكوفيتش فى انتخابات ديمقراطية جرت فى مطلع عام 2010، لكن فضائح فساد مروعة تكشفت وثبت من وقائعها أن هذه السيدة وزوجها راكما فى سنوات قليلة ثروة حرام تقدر بأكثر من 11 مليار دولار، وعندما قدم الاثنان مع آخرين إلى العدالة صدر حكم بسجنهما. ومع ذلك، كل هذا الكلام السابق ليس الموضوع، إنما الموضوع الذى دفعنى إلى الكتابة هو رد فعل الغرب وأمريكا على «إنذار» صدر فى صورة بيان من الجيش الأوكرانى لرئيسه المنتخب.. فماذا كان رد الفعل هذا؟! لا شىء، ولا أية إدانة أو تعبير عن «قلق»، بل إعلان من وزارة الخارجية الأمريكية بأن الوزير جون كيرى قرر أن يلتقى (التقى فعلًا أمس فى ألمانيا) وفدًا يمثل المعارضين الأوكرانيين لرئيسهم «المدنى المنتخب»!