فى مطعم الفندق دار حوار بينى وبين أحد المخرجين الإيرانيين حول أحوال الناس فى إيران، إذ أخذت أستوضح منه كثيرا من الأمور التى استلفتت نظرى هناك، فبالإضافة إلى الموقف من حجاب المرأة، الذى تحدثت عنه فى مقالى السابق، كان هناك أيضا أحاديث كثيرة عن الفساد وعن استغلال رجال النظام والمحيطين بهم نفوذهم بدرجة لا تخفى على أحد، كما أنه بإمكانك تجاوز القوانين ما دمت ببساطة ترشى ضابط الشرطة. وقد قال لنا أحدهم بأننا كنا قبل الثورة نصلى فى البيت ونرقص فى الشارع، وبعد الثورة أصبحنا نصلى فى الشارع ونرقص فى البيت. وتذكرت المسؤول الإيرانى حين أوقف المذياع فى صلف وعنف، لأنه كان يذيع أغنية لوردة قائلا إن الغناء حرام، وهو نفس المسؤول الذى ودع رجال الوفد بالأحضان الحارة والقبلات فى المطار دون أن يلتف نحو سيدات الوفد، مودعًا ولو بإشارة تحية. وتساءلت عن أثر ثورة 2009 وكيف واجهها النظام بكل البطش والقمع. وأخذت أنبه صديقى الإيرانى حول ضرورة أن نتبادل الخبرات فى هذا الإطار، إذ تطرقت لأهمية الجيش وإلى كونه لاعبا أساسيا يمكن أن يدفع بالثورة إلى المسار السورى أو المسار المصرى أو إلى مسار ثورى حقيقى، خصوصا لما لمسته لدى الإيرانيين من تطلع وإعجاب بالثورة المصرية، وعندها اتسعت حدقَتَا المخرج الإيرانى وأخذ يتلفت حوله، ثم اقترب منى هامسا «يبدو أنك لا تدركين طبيعة الأجواء فى إيران»، وبدا علىّ أننى لم أفهم مقصده، فأخذ موضحا «أتظنين أن الطاولة التى نجلس إليها ليس بها ميكروفونات؟ إن كل مكان فى إيران به أجهزة تنصت إلكترونية وبشرية أيضا» وأخذت أنا أيضا أتلفت حولى فى قلق، كما أخذت أراجع أحاديثى منذ يوم وصولى إلى إيران، وندمت على الحذر الذى لم أتوخّه، وتذكرت الكلمة التى ألقيتها فى أحد اللقاءات أمام المسؤولين الإيرانيين وألححت فيها على حتمية زوال الأنظمة ودور الشعوب، وما أخبرنى به أعضاء الوفد عن غلق كاميرات التسجيل فى أثناء إلقائى الكلمة. ثم جوازات السفر التى سحبوها منا بمجرد وصولنا، ولم يعيدوها إلينا إلا فى صالة المغادرة بالمطار رغم إلحاحنا فى طلب استعادتها. وأخذت أقلق بشأن لحظة عبورى على ضابط الجوازات الإيرانى فى المطار للمغادرة. ولم يفارقنى بالطبع ما قرأته وسمعته من اعتقالات جماعية للمعارضين وسجون واتهامات بالعمالة والخيانة، ورغبت فى العودة إلى مصر وإلى زوجى وابنى بسلام، ولم ينته هذا القلق إلا بعد أن سمح لى ضابط الجوازات الإيرانى بالمرور، فسحبت حقيبتى واتجهت نحو بوابات المغادرة ممتنة لفرصة اكتشاف إيران من الداخل، مصطحبة معى اعتقادا راسخا بأن هناك ثورة قادمة لا محالة فى ذلك البلد.