عرفته منذ بضعة عشرة عاما.. تقدم إلىَّ بأدب جمٍّ بعد انتهاء ندوة لى فى نادى القصة، هنأنى على ندوتى مقدما نفسه لى بتواضع شديد: أنا يوسف الشارونى.. كاتب قصة ناقد. كنت قد سمعت عنه ولكن كانت تلك أول مرة ألقاه فيها، وتبادلنا أرقام الهواتف. بعد يومين اتصل بى فجأة وهو يهنئنى مرة ثانية على كتابى (مذكرات مغتربة فى سنغافورة) وقال لى إنه سعيد بهذا الكتاب ويرشحه لأكبر جائزة فى أدب الرحلة، أطلق علىَّ شهرزاد الصغيرة فضحكت وشكرته كثيرًا. كان دائما بشوشًا، يوزع حبه مع ابتساماته للجميع، كان نموذجًا للكاتب الكبير المتواضع . يوسف الشارونى رحل عن عالمنا منذ أيام تاركًا لنا إنتاجًا غزيرًا من القصص القصيرة والرواية والكتب النقدية التى تحمل دراسات عن كتابات كثير من الكتاب. كان نشيطًا رغم كبر سنه، رمزًا للأمل والتفاؤل دائما، وكنت قد اتصلت به منذ نحو شهرين لأسلم عليه وأسأل عن أحواله فقال لى إنه لا يخرج كثيرا هذه الأيام وإنما يلتقى كل أسبوع مع بعض الكتاب فى مقهى فى حى المهندسين، ودعانى للحضور معهم، وكنت قد وعدته بأن أهديه نسخة من كتابى الأحدث فى الرحلات عن أيرلندا، فاتصل بى بعد بضعة أيام يسألنى أن أحضر معى دراسة كتبها عنى منذ سنوات وتاهت منه فى مكتبه.. أعجبت بهذا الإنسان الذى قارب على التسعين وهو لا يزال يحرص على تنظيم ملفاته وجمع مقالاته من هنا وهناك، يعمل بجد واجتهاد، يتابع من ينشر فى الصحف ولا يتوقف عن كتابة مقالات لآخر أيامه.. قرأت بالأمس مقالا له بجريدة "الأهرام" يودع فيه الكاتب الكبير أبو المعاطى أبو النجا، الروائى ورئيس مجمع اللغة العربية لسنوات. ولد يوسف الشاروني في 14 أكتوبر سنة 1924، تخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة القاهرة سنة 1945، وكتب أولى قصصه القصيرة، كما أن له كتابات عدة في مجال النقد التطبيقي، منها دراسات في الأدب العربي المعاصر سنة 1964، ودراسات في الرواية والقصة القصيرة 1967، اللا معقول في الأدب المعاصر 1969، القصة القصيرة نظريًا وتطبيقيًا سنة 1977، القصة والمجتمع تطورًا وتمردًا 1999، الآدان في مالطة سنة 2005، والحكاية في التراث العربي 2008، وقراءات في روايات سنة 2008. (لقد انتهيت في القصة القصيرة بما بدأ به يوسف الشارونى)، هكذا تحدث عنه الأديب نجيب محفوظ، بعدما قرأ أعماله التى بدأ نشرها سنة 1994، وقال عنه الكاتب الراحل فؤاد قنديل بمناسبة تسعينية الشاروني قال: يوسف الشارونى هو شيخ أدباء مصر بعد رحيل نجيب محفوظ، وهو واحد من أبرز رهبان الأدب المصري المعاصر.. وهو من القلائل الذين جمعوا بين عشقهم للأدب وحبهم للأدباء، وفي احتفالية لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة بمناسبة بلوغه التسعين. اهتم بالكتابة عن أزمات الإنسان المعاصر وكان يستنطق شخصياته ويبرز دلالات الأحداث التى تمر بها ويستخلص العبرة منها. من مؤسسى المجلس الأعلى للثقافة، ورأس تحرير نادى القصة لسنوات طويلة. لا ننسى أشهر أعماله ومجموعاته القصصية (العشاق الخمسة، الزحام، رسالة إلى امرأة، مطاردة، منتصف الليل، حلاوة الروح، الضحك حتى البكاء، أجداد وكتب رواية واحدة هى الغرق). رحم الله هذا الكاتب الأب الحنون المتواضع المجد المجتهد دائما بقلب شاب وحكمة الجد، وصفاء النهر.