مهما اجتهدت أنا أو اجتهد غيري في توصيل مفهوم أو توضيح فكرة، فإنها تصل لعدد محدود من الناس ربما يكونون أصلًا على قناعة بالفكرة التي أتحدث عنها، والقراءة لا تكون إلا تأكيد المؤكد لديهم من قناعات. استطاع الكاتب الكبير إبراهيم عيسى مع المخرج العظيم مجدي أحمد علي، الذي يسير معه على نفس القناعات أن يجعلوا من الأفكار روحًا تتحرك وتؤثر في الوجدان، وبمساعدة عدد كبير من الفنانين على رأسهم الفنان عمرو سعد والاكتشاف الجديد أحمد مجدي الذي أدى الدور ببراعة. الفيلم يُشاهد في السينما من قِبل عدد كبير، وخاصة بعد الخدمة الجليلة التي قدمها النائب اللواء بتقديمه طلبًا بمنع الفيلم، وسيُشاهد بعد ذلك تليفزيونيًا من قِبل عدد كبير من المشاهدين، وعلى مدار عقود ليظل علامة في السينما المصرية. تعرض الفيلم لعدد ليس بقليل من القضايا، فقد تعرض لقضية البخاري والفرق بين التحفظ على حديث ورفضه وبين رفض السنة بالكامل، وهي قضية حساسة، كان من الصعب التعرض إليها وتسريبها لوجدان الشعب المصري إلا عن طريق عمل سينمائي بهذه الطريقة. قضية الصراع بين الشيعة والسنة، وكيف تستخدم الطائفية من أجل أغراض سياسية، وكيف تحول بعض البسطاء من المجتمع المصري إلى العنف المفرط، تحت ضغط خطاب ديني شديد القبح والتعصب. تعرض أيضًا لفكرة الأفكارالمتطرفة، وأنها ليس بالضرورة أن تكون داخل عقول الطبقة المتوسطة والفقيرة فقط، ولكنها أيضًا تتسرب في لحظة ما لأعلى الطبقات في المجتمع، الذين نالوا حظًّا من التعليم "الإنترناشيونال"، وحظوا برفاهية مفرطة، ولكنها أفكار تتسرب إلى العقول في لحظات ضعف، يستغلها المروجون في تلك اللحظات، ليملأوا بها العقول المجهدة والفارغة في نفس الوقت، فمن الصعب أن تدخل تلك الأفكار على شخص لديه نسبة من الاطلاع على الأفكار في العالم وقرأ قراءة متنوعة. تعرض لفكرة تغيير الديانة، سواء من المسيحية إلى الإسلام أو العكس، وأنها وهم وانتصار زائف، وأن أسبابها الاجتماعية أكبر بكثير من أسبابها الفكرية، خاصة في الطبقات التعليمية والاجتماعية المتدنية، ففكرة مقارنة الأديان والوصول إلى نقط الخلاف المفصلية، والاطلاع عليها بعمق والتفضيل بين ديانة وأخرى هي عملية شديدة التعقيد، وتحتاج إلى فيلسوف بدرجة رجاء جاروديه، خاصة أن العقائد نفسها منقسمة في الأمور المفصلية، فالمسيحية منقسمة، وكذلك الإسلام، بين سنة وشيعة، وداخل الشيعة مذاهب وفرق، وداخل أهل السنة مذاهب وفرق، وكذلك المسيحية سواء الطوائف الثلاث، أو داخل كل طائفة، فأي عقيدة سيدرسها الشاب أو الفتاة التي تقرر تغيير الديانة، فهل اقتنعت على أفكار أهل السنة أم على أفكار مذهب أهل الشيعة، وإذا كانت على مذهب أهل السنة فهل هي على الأشعرية أم الماتريدية، أم المعتزلة، أم على ما يسمى بمذهب السلف الصالح وهي السلفية، مع العلم أن كل طائفة ترى في نفسها الحقيقة المطلقة وأنها على الحق المطلق، وغيرها على الضلال، ورحلات الدماء بينهم طويلة ومؤسفة، سواء في المسيحية أو في الإسلام. ربما الأقرب إلى التفسير، أن يتشكك شاب عندما يقرأ التاريخ، أن يغادر، ولكن ليس من ديانة إلى ديانة، ولكن ربما إلى إيمان خاص فردي وهو ما يطلق عليه الربوبية، أو إلى الإلحاد، وهذا ما حاول أن يواجهه الفيلم وهو يحاول التفرقة بين المسلمين والإسلام، من خلال حوارات ممتدة بين الشيخ حاتم وحسن المدَّعي التنصُّر، عندما يلقي أحمد مجدي في وجهه، شبهات حول الإسلام، من حيث الطائفية والعنصرية ومعاملة المسيحيين كأنهم درجة ثانية، وكثير من الممارسات الفجة. تعرض الفيلم للسياسة، وكيف تغولت الأجهزة الأمنية وتريد أن تديركل شيء بما فيه الخطاب الديني، بحيث يكون رهن إشارتها وتحت سيطرتها سواء كان من الشيوخ الرسميين للدولة، أو الدعاة الجدد الأكثر شهرة، وأنه ليس من المقبول أن يكون رجل على درجة ما من الشهرة والتأثير وليس له كنترول، وكيف تصنع الأجهزة الأمنية بالطريقة البلدي القديمة قوى الكنترول، وكيف يصنع الإعلام الكمائن للمشاهير بإشارة من الأجهزة الأمنية. بصراحة الفيلم حرق كل الشغل الديرتي الذي تمارسه بعض الأشخاص داخل الأجهزة، والذي يعرفه الشعب المصري ظنًّا، الآن الأمر دخل إلى وجدانه. أتمنى أن يحقق الفيلم نجاحًا، حتى لا يقال إن الجمهور عايز كده، على الأفلام التجارية الخفيفة، فالإرهاب يواجه بكل الطرق وعلى رأسها السينما، والدراما، ونحن في حاجة كبيرة في الفترة القادمة إلى أفلام من تلك النوعية، والتي تقدم للعالم جمهورًا ناضجًا، يتعامل بحرية وحيوية مع السينما، وعلى البرلمان أن ينضج، ولا يقدم هذه الصورة السيئة عن مصر، بتشريعات للمنع. الفيلم لم يقدم أي مشهد خارج للترويج لنفسه، رغم أن الحبكة الدرامية كانت قابلة للاستغلال، ولكنهم تجنبوا الأمر حتى لا يفهم الأمر على أنه إساءة للمشايخ تستدعي إثارة حفيظتهم أكثر.