البنك المركزي يخفض الفائدة 1%.. خبراء يوضحون تأثير القرار على الاقتصاد والاستثمار في مصر    فيضان النيل يغمر منازل وأراضي قرية دلهمو بالمنوفية.. ومعاناة متجددة للأهالي    نائب بالشيوخ يشيد بمشروع مستقبل مصر ويؤكد دوره في توفير فرص العمل وتعزيز التنمية المستدامة    بالصور.. قائمة الخطيب تتقدم رسميا بأوراق ترشحها لانتخابات الأهلي    صلاح يشارك في الترويج لكرة كأس العالم 2026    ضبط متهمين بالتعدي على طلاب أمام مدرسة بالمطرية    الداخلية تضبط 108 ملايين جنيه مخدرات وعناصر إجرامية شديدة الخطورة في مطروح    «المشاط»: العلاقات المصرية الكورية تتجاوز التعاون الثنائي إلى تعزيز التكامل الإقليمي والنفاذ إلى عمق القارة الأفريقية والآسيوية    محافظ المنوفية: 87 مليون جنيه جملة مشروعات الخطة الاستثمارية الجديدة بمركزي تلا والشهداء    جفاف وإخلاء منازل.. هل يحمي السد العالي مصر من الفيضان    أسماء محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ابنة الملحن محمد رحيم تعاني وعكة صحية وتخضع للرعاية الطبية    الإسكان تطلق منصة استقبال طلبات أصحاب الإيجار القديم للحصول على وحدات بديلة    القبض على المتهمين في مشاجرة «أبناء العمومة» بالمنيا    خاص| ميمي جمال تكشف تفاصيل شخصيتها في فيلم "فيها إيه يعني"    محمد رمضان ينافس على جائزة Grammy Awards    مجلس الإدارة ينضم لاعتصام صحفيي الوفد    جامعة قناة السويس تواصل دعم الحرف اليدوية بمشاركتها في معرض تراثنا الدولي    إدارة مسار تشدد على ضرورة الفوز أمام الأهلي.. وأنباء حول مصير عبد الرحمن عايد    محمد صلاح على موعد مع التاريخ في قمة ليفربول وتشيلسي بالبريميرليج    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    حزب العدل يعلن استعداده للانتخابات ويحذر من خطورة المال السياسي بانتخابات النواب    العفو الدولية: العدوان الوحشي على غزة أطلق مرحلة كارثية جديدة من النزوح القسري    الأونروا تنتصر قضائيا في أمريكا.. رفض دعوى عائلات الأسرى الإسرائيليين للمطالبة بتعويضات بمليار دولار    خلافات حول أولوية الحلاقة تنتهي بمقتل شاب طعنا على يد آخر بأكتوبر    تعرف على جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة لمكافحة جرائم السرقات    الأمم المتحدة: الحديث عن منطقة آمنة في غزة مهزلة    طائرة مسيّرة إسرائيلية تلقي قنبلة صوتية قرب صياد لبناني في الناقورة    مخرج استنساخ: ميزانية الفيلم انعكست بشكل كبير علينا    غدا .. انطلاق مهرجان نقابة المهن التمثيلية بمسرح جراند نايل تاور    وزير الخارجية يلتقي سفراء الدول العربية المعتمدين لدى اليونسكو لدعم ترشيح خالد العنانى    احتفالية ضخمة للأوبرا في ذكرى انتصارات أكتوبر    126 عملية جراحية و103 مقياس سمع بمستشفى العريش العام خلال أسبوع    إجراءات وقائية تجنب طفلك عدوى القمل في المدارس    نجاح أول جراحة قلب مفتوح بالتدخل المحدود داخل مستشفى النصر في بورسعيد    ضبط شبكات تستغل ناديا صحيا وتطبيقات إلكترونية لممارسة أعمال منافية للآداب    محمد عواد يعود لقائمة الزمالك فى مواجهة غزل المحلة    اليوم العالمى للابتسامة.. 3 أبراج البسمة مش بتفارق وشهم أبرزهم الجوزاء    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    حكم البيع الإلكترونى بعد الأذان لصلاة الجمعة.. الإفتاء تجيب    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار مدرسة داخلية بجزيرة جاوة الإندونيسية إلى 7 قتلى    تعرف على سعر بنزين 92 اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    الداخلية تواصل ضرباتها ضد المخالفات بضبط 4124 قضية كهرباء و1429 بالمواصلات    «العمل» تحرر 6185 محضرًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 22 يومًا    استشاري تغذية علاجية: الأضرار المحتملة من اللبن تنحصر في حالتين فقط    الصين تدعو لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    الزمالك يختتم تدريباته اليوم استعدادًا لمواجهة غزل المحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 3-10-2025 في محافظة قنا    ليلى علوي تنهار من البكاء خلال مهرجان الإسكندرية.. اعرف التفاصيل    الفيضان قادم.. والحكومة تناشد الأهالي بإخلاء هذه المناطق فورا    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    الشرطة البريطانية تكشف هوية منفذ هجوم مانشستر بالقرب من كنيس يهودي    «كوكا حطه في جيبه».. أحمد بلال ينتقد بيزيرا بعد مباراة القمة (فيديو)    مواقيت الصلاة اليوم وموعد خطبة الجمعة 3-10-2025 في بني سويف    سورة الكهف يوم الجمعة: نور وطمأنينة وحماية من فتنة الدجال    بالصور.. مصرع طفلة وإصابة سيدتين في انهيار سقف منزل بالإسكندرية    مختار نوح: يجب محاسبة محمد حسان على دعواته للجهاد في سوريا    «هيدوب في بوقك».. طريقة سهلة لعمل الليمون المخلل في البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف زيدان يكتب: أسرار الخلاف وأهوال الاختلاف «5-7» الفرقة الأرثوذكسية الناجية
نشر في المصري اليوم يوم 13 - 10 - 2009

ما معنى الأرثوذكسية؟.. هذا هو السؤال الأول، الذى تجب الإجابة عليه قبل الدخول فى خضم هذه المقالة.
وهناك سؤال آخر سيأتى بعد قليل! وبخصوص معنى هذه الكلمة «أرثوذكسية» فالمتخصصون يعرفون أنها يونانية الأصل، وأن لها معانى متعددة أفاضت فى شرحها القواميس والموسوعات، لكنها فى نهاية الأمر تعنى بالمختصر المفيد: السلفية!
ولأن كلمة «سلفية» ذات وقع إسلامى، وجرس عربى فصيح حين تفرق بين «السلف والخلف» أو بين الأوائل والأواخر، أو بين المتقدمين والمتأخرين، ولأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ العقائد الإسلامية، وحاضرها، باعتبارها اسماً لفريق من المسلمين عرفوا بأهل السلف.
ولأنها تشير إلى «سلف» آخرين، كانوا يعيشون من قبل الإسلام وسيادة اللغة العربية..
لهذه الأسباب، ظل المسيحيون العرب يستعملون الكلمة بمنطوقها اليونانى، فيقولون: الروم الأرثوذكس، الأرثوذكس السريان، الأقباط الأرثوذكس.. وقد ترجمت الكلمة للعربية بلفظ: الأمانة المستقيمة.
والسؤال الآخر، الابتدائى، هو: إذا عرفنا أن كلمة «قبطى» لا تعنى تماماً «مصرى»، اللهم إلا فى الوعى اللغوى العربى الإسلامى، وهو ما لم يعجب المتأقبطين- وهم الأقباط المتشددون المستفيدون فى الدنيا بالدين- فكيف يمكن تسمية هذه «الكنيسة» المصرية التى يعد رعاياها «الشعب» بالملايين؟
خاصة أن بمصر مذاهب أخرى مسيحية «كنائس» لا تقل مصرية- أى انتماءً لمصر كمواطن- عن تلك المسماة اليوم بالكنيسة القبطية.. أقصد كنائس الروم الأرثوذكس والكاثوليك والإنجيليين «البروتستانت» علماً بأن الروم الأرثوذكس كانوا بمصر من قبل أن تتحدد ملامح الكنيسة المسماة بالقبطية، وأن الإنجيليين اليوم، هم الجيل المصرى الخامس أو السادس لأهل هذه الكنيسة، أى أنهم لا يقلون مصرية عن إخوانهم الذين تسموا مؤخراً بالأقباط، أو سميت بعضهم فى هذه المقالات بالمتأقبطين..
بعبارة أخرى: ما هو الاسم الأنسب لإخواننا المسيحيين المصريين الذين يرأس اليوم كنيستهم، العلامة الحكيم: البابا شنودة؟
إذا دققنا فى أمر التسمية، فسوف نجد أن أنسب الأسماء لهذه الكنيسة العريقة، هو «الكنيسة المونوفيزية» لأن إخواننا هؤلاء، أو بالأحرى زعماءهم الدينيين، أصروا دوماً على مذهب الطبيعة الواحدة.
وهو المذهب القائل بأن الله «الأب» ويسوع المسيح «الابن» من «طبيعة واحدة»، وهو ما يقال له باليونانية: «مونوفيزس» ولذلك، فهم لا يزالون إلى اليوم يرددون عبارة: لاهوته لم يفارق ناسوته طرفة عين.. وما عدا ذلك من تسميات، فإننى أراه- وقد أكون مخطئاً- غير منطبق عليهم، أو هو غير مميز لهم. لأن اسم «القبطية» يردهم مباشرة إلى الإطار الثقافى العربى/ الإسلامى الذى أنتج هذه الكلمة لفظاً ودلالة.
واسم «المرقسية» لا يدل على شىء، لأن مرقس الرسول أصله من ليبيا، ولم يكن له فكر مميز عن بقية الرسل «الحواريين» بحيث يجوز إطلاق اسمه على أتابع مذهب يعتمد الأناجيل الأربعة مجتمعة، ناهيك عن أن المذاهب «الكنائس» لا تتسمى بأسماء الرسل، وإلا صار هناك كنيسة «مذهب» يوحناوية وأخرى متاوية وثالثة بطرسية، وقد أشرت إلى ذلك فى مقالة سابقة، أما الاسم «كنيسة الإسكندرية» فهو لم يعد يصح من جهة المكان ولا من جهة الزمان!
فمن حيث المكان صارت رئاسة الكنيسة منذ عشرات، بل مئات السنين، بالقاهرة، ومن حيث الزمان فإن آباء الكنيسة الأوائل الذين عاشوا بالإسكندرية «مدينة الله العظمى فى الزمن البيزنطى» لا يرتبطون فكرياً بمذهب هذه الكنيسة، فالأب الجليل «كليمان» الذى يسمونه «كليماندوس» والأب البارع، المفكر الفليسوف «أوريجين» الذى يسمونه «أوريجانوس» وهما أكبر اسمين فى تاريخ الكنيسة المبكر، بالإسكندرية، ليس بين أفكارهما ومذهب الطبيعة الواحدة «المونوفيزية» روابط محددة، بل إن هذه الكنيسة المونوفيزية، حرمت «أوريجين» فى حياته وبعد مماته، على يد أسقف زمانه ديمتريوس الكرام، وعلى يد الأسقف القوى الخطير ثيوفيلوس.
إذن هى الكنيسة المونوفيزية، التى يمكن وصفها أيضاً بالكنيسة السلفية (الأرثوذكسية) وهو الوصف الذى قد تشاركها فيه كنائس سلفية أخرى، غير مصرية، أهمها كنيسة الأرثوذكس السريان وكنيسة الروم الأرثوذكس.. فبأى معنى استعملت عنوان هذه المقالة، وما المراد بنجاة هذه الفرقة (المذهب) الأرثوذكسية، أو تلك؟
■ ■ ■
الفرقة الناجية، مفهوم يبدو من ظاهره أنه إسلامى خاص، لكنه فى واقع الأمر مفهوم دينى عام، وهو مشتق من حديث نبوى شهير، ومثير، يقول عن أهل الإسلام على لسان نبى الإسلام: ستفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة، كلهم فى النار، إلا فرقة واحدة (ناجية)، وقد ورد هذا الحديث بصيغ مختلفة ومفردات متعددة، أشهرها ما ذكرناه،
وقد أهاج طيلة تاريخ الإسلام، لغطاً كثيراً حول (لفظه ومعناه) أو حول ما يسمى فى مصطلح علم الحديث النبوى (السند والمتن) أو (الرواية والدراية) حتى أنه صار من أكثر الأحاديث النبوية إثارة للجدل بين العلماء، لأن فريقاً من أئمة المشتغلين بعلم الحديث أكدوه، وفريقاً آخر انتقدوه وضعّفوه، سنداً ومتناً، ومن أشهر الذين رفضوه فى الماضى القريب: جمال الدين الأفغانى، والشيخ محمد عبده (الملقب بالأستاذ الإمام).
وقد أدى مفهوم «الفرقة الناجية» المشتق من هذا الحديث، غير المتفق عليه، إلى ويلات كثيرة طيلة تاريخنا، لأن كل جماعة عقائدية كانت تعد نفسها، هى (الفرقة الناجية) وبالتالى فالمخالفون لهم -جميعاً- هم أهل الفرق الهالكة.
ولم يعتد هؤلاء (الناجون) بأن الحديث الشريف، لو صح سنده ومتنه، فهو يتحدث عن الآخرة وليس عن الدنيا، لأن «النار والجنة» أمر أخروى لا يتعلق بهذا العالم، وإنما بالحياة الآخرة!
لكن المتأسلمين القدامى والمحدثين، جعلوا من أنفسهم «الناجين» فى الدنيا والآخرة، وجعلوا غيرهم «الهالكين» هنا وهناك، وانطلاقاً من تلك (القاعدة) قتل الخوارجُ الأوائل أئمةَ المسلمين وأعلامَ الصحابة فى عصرهم، غيلة وغدراً، وقتل الشيعة الإسماعيليون -وهم «الحشّاشون» أصحاب قلعة ألموت- الحكامَ السنة فى زمانهم، غيلة وغدراً..
وفى زماننا المعاصر، قتل «الناجون من النار» الناسَ من غير تفرقة، عبر ما سمى مؤخراً فى أبواق الإعلام ومنابر السياسة «العمليات الإرهابية»، وهناك الكثير من الأمثلة الدالة على إهلاك الناجين للهالكين، بالمروِع من شنيع الفعال، لأنهم اعتقدوا أن غيرهم ما دام هالكاً فى الدنيا وفى الآخرة، فلا مانع من إهلاكه مبكراً، حتى لو كان شيخاً أزهرياً مثل الشيخ الذهبى، الذى قتله بمنزله غيلة وغدراً، جماعةُ، من المتأسلمين الذين اعتقدوا أنهم وحدهم: الفرقة الناجية.
ومن هذه الزاوية، يمكن النظر إلى تسميات الجماعات الدينية المعاصرة، ولسوف نجدها جميعاً ترتبط على نحو ما، بمفهوم الفرقة الناجية، فإخواننا من السنة الذين يسمون أنفسهم (أهل الحق) يجعلون غيرهم من المسلمين، على نحو غير مباشر: أهل الباطل!
وإخواننا من الشيعة الذين يسمون أنفسهم (حزب الله) اختاروا اسماً يتضمن أن غيرهم ليسوا من الحزب الإلهى، الذى جاء فى آى القرآن أنهم «هم الغالبون» أى أن غيرهم صاروا: أغياراً، مغلوبين، وقد يكون هؤلاء «الأغيار» هم حزب الشيطان، أو حزب الخسران، أو حزب الإنسان، أو حزب العميان، لكنهم فى النهاية، ليسوا (حزب الله) وليسوا بالتالى من أهل الفرقة الناجية.
وعلى المنوال ذاته، يسمى بعض المتأسلمين أنفسهم (الجماعة الإسلامية) فكأن بقية المجتمع ليسوا بمسلمين، وقد نسى هؤلاء، أنهم حتى لو كانوا «الفرقة الناجية» يوم القيامة، فإن عليهم الالتزام فى الدنيا بما جاء فى القرآن، من مثل قوله تعالى «ادفع بالتى هى أحسن» فلما نسوا ذلك، دفعوا غيرهم للهلاك بالتى هى أبشع، وبالتالى هى أكثر فتكاً من القنابل والأفكار، وما أصل القنابِل إلا الأفكارُ.
وعلى الجانب المقابل، أعنى جانب التأقبط، جرى الحال على ذات المنوال، إذ زعم كل واحد من المذاهب العقائدية المسيحية، أنه وحده يمثل الإيمان القويم أو الأمانة المستقيمة (الأرثوذكسية) وهى الكلمة التى طالما تنازعت الكنائس على الانفراد بها، والتفرد باستحقاقها، وهو نزاع مستمر منذ ستة عشر قرناً من الزمان، وبالمنطق السلفى المسيحى، فإن أى مذهب عقائدى آخر هو بالضرورة غير قويم ولا مستقيم!
أى أنه ببساطة فاسد وهرطوقى وكافر بالإيمان، وفى نهاية هذا الأمر، نجد أنفسنا أمام مذاهب عقائدية (كنائس) كثيرة، يزعم كل منها لنفسه أنه وحده (الكنيسة الناجية)، وأن أتباع بقية الكنائس هالكون لا محالة، وفى النار لا محالة، وإذا نظرنا فى أدبيات مذهب الطبيعة الواحدة (المونوفيزية)، فإننا سوف نجد كثيراً من الدلائل على هذه النظرة الأحادية للحق، أو لاعتقال الحق فى مذهب واحد وتخطئة غيره من المذاهب «الكنائس»..
وهى، طريقة قديمة يسلكها المتأقبطون منذ فترة طويلة! فهى ليست وليدة اليوم.. فقد وجدتُ قبل عشرين عامًا، مخطوطًا يعبر بصراحة عن هذا المسلك، وقد كُتِبَ قبل قرابة ثلاثة قرون، وعنوانه: الرد على غلط باباوات رومية.. والمخطوطة محفوظة اليوم بالمكتبة المركزية لجامعة الإسكندرية، وقد كُتبت سنة 1740 ميلادية، ونقرأ بأولى صفحاتها ما يلى: قصدنا ها هنا، ليس لنعيِّر أتباع البابا على تعديهم الشريعة، وزلات الباباوات وخطئهم وغلطاتهم.. وأفعالهم الرديئة الاغتصابية.. ولا قصدنا أيضًا أن نكتب عن جميع باباوات رومية «روما» الساقطين فى وصمة الهرطقة...إلخ!
■ ■ ■
وقد يعترض معترض على هذا الجمع بين المتأسلمين والمتأقبطين، على اعتبار أن التأقبط حالة «نفسية/ تاريخية» ذات صبغة عقائدية، تعود إلى رفض الكنائس الكبرى للمذهب المونوفيزى، ولرغبة آبائه فى السلطة الروحية والزعامة على بقية الكنائس، وهو موقف قديم تم اتخاذه منذ مجمع خلقيدونية الذى انعقد قبل ظهور الإسلام بأكثر من قرن ونصف القرن من الزمان «سنة 451 ميلادية»، وأن المتأسلمين وحدهم هم الذين يلجأون للعنف، بينما التأقبط مسلك لا يخرج من حالة الفكر إلى حالة الفعل، ولا يعرف العنف.
ولهذا المعترض نقول: بل الأمر واحد قديمًا وحديثًا، لأن «الإعلاء الوهمى» للمذهب العقائدى، وتخطئة الآخرين مسيحيين كانوا أو مسلمين، هو صفة رئيسية للتأقبط، ولا يُعتد هنا بأن المتأسلم عنيف بطبعه، بينما المتأقبط يصطنع الوداعة، لأن الانطلاق من فكرة «الفرقة الناجية» واحد عند كليهما، وكلاهما فى واقع الحال عنيف على طريقته، وما عنف الفكرة إلا مقدمة لعنف الفعل، وقد عرف تاريخ المذاهب المسيحية عنفًا لا يقل دموية عن العنف الذى ظهر فى تاريخ المسلمين، وإذا نظرنا فى معطيات واقعنا المعاصر، وتأملنا مفردات «الخطاب المتأقبط» فى أيامنا الحالية، عبر نماذج من نوع «الفتوى القبطية» التى اعتبرت زواج الإنجيليين نوعًا من الزنا!
ومن نوع التعبيرات التى انفلتت فى بيانات التنديد برواية عزازيل، أعنى تعبيرات مثل: لن يجديه نفعًا.. سوف يرى وثبة الأسود...إلخ، وهو ما يدل على أن بالنفوس غليانًا يُنذر بعنف مماثل لما جرى فى الإسكندرية القديمة وأورشليم وغرب أوروبا، من ويلات يعرفها دارسو التاريخ.
وإذا تأملنا ما يجرى هذه الأيام على الساحة المصرية، لتأكد لنا أن الجوهر لم يتغير، فما كاد المتأقبطون من الإكليروس المونوفيزى المسمى اصطلاحًا بالكنيسة القبطية، يفرغون من حربهم الوهمية ضد روايتى الأخيرة، حتى هَبَّوا هبَّةً مروعة ضد الكنيسة الإنجيلية، متهمين قساوستها بالتبشير فيمن يسمونهم «شعب الأقباط» وكأن الدعوة أو الكرازة أو التبشير، صارت تتم باسم المذهب العقائدى لا من أجل الديانة.. مع أن هؤلاء جميعًا مسيحيون، ومصريون حتى النخاع، فما معنى الثورة الحالية؟
معناها أن الإكليروس المونوفيزى «القبطى» فيه متأقبطون كثيرون، لا يكفون عن التفزيع والتفجيع والترويع، بالفكرة ثم بالقول ثم بالفعل.. رحماتك يا أم النور.
ولعل معترضًا آخر يقول: فما بال المتأقبطين، إن صحَّت التسمية، يروِّجون لأنفسهم أنهم أهل المحبة؟ ولماذا تنكر عليهم دفاعهم عن ديانتهم التى يعترف بها الإسلام؟..
ولهذا المعترض المفترَض نقول: المحبةُ سمةٌ مسيحيةٌ، مثلما هى سمةٌ لكل دين، وفى مقابل أولى عظات السيد المسيح «موعظة الجبل» التى كان موضوعها المحبة، سوف تجد فى القرآن الكريم كثيرًا من آيات المحبة التى دعا إليهاالإسلام، لكن الإسلام كدين غير المسلمين، والمسلمون غير المتأسلمين، وكذلك المسيحية كديانة غير المسيحيين، والمسيحيون أكثرهم غير «أقباط» والأقباطُ أكثرهم غير متأقبطين!
وهؤلاء المدافعون «المتأقبطون» إنما يذودون عن مذهب عقائدى، ولا يعترفون بأن غيرهم على صواب، سواء كان هؤلاء «الأغيار» مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا.
إن التأقبط والتأسلم، اتجاهان دنيويان يرفعان الدين شعارًا، لاكتساب الأتباع من المسلمين «الجماعة» أو المسيحيين «الشعب» باسم «الحق» الواحد الذى يزعمه أولئك وهؤلاء، فالمتأسلمون والمتأقبطون، سواء بسواء، هم أصحاب سياسة دنيوية وليسوا أهل محبة دينية، وما يتم اليوم من المتأقبطين تحت زعم الدفاع عن الديانة المسيحية، هو أمر غير مقنع، وهو مجرد محاولة أخيرة لاستبقاء «الأتباع» أو «الرعايا» الذين يطلقون عليهم «شعب الكنيسة» فى داخل الحظيرة، التى تبيض فيها الدجاجات ذهبًا، وليست الحالة الدفاعية الحالية ضد تبشير الكنيسة الإنجيلية، هى الموقف الوحيد الدال على أنهم ينافحون عن مذهبهم المونوفيزى.. ولسوف أعطى مثالاً آخر، من ورائه أمثلة كثيرة ودلالات أكثر:
قبل ثلاث سنوات، هاج فى مصر متأقبطون، سعوا جهدهم لكى يمنعوا عرض الفيلم المأخوذ عن رواية «شفرة دافنشى» لدان براون وتكلَّلت جهودهم بالنجاح، واستجابت الحكومة فمُنع عرض الفيلم فى دور السينما، باعتباره ضد المسيحية، فلما جاء مؤخرًا فيلم «ملائكة وشياطين» المأخوذ عن رواية أخرى للمؤلف نفسه، لم يعترض عليه المتأقبطون، ولم يشيروا إليه ولو من بعيد.. لماذا؟
لأنه يتعرض «فقط» لكنيسة الفاتيكان! فكأن الكاثوليك، ليسوا مسيحيين.. فتأمل.
واليوم، يطالب المتأقبطون بأن يكون لكنيستهم حق المنع ومصادرة الكتب، أسوةً بالأزهر «راجع فى ذلك، الكثير من المواقع المتأقبطة على الإنترنت»، مع أن الأزهر ليس لديه الحق فى المصادرة والمنع، وإنما يُبدى رأيه فقط فيما يُعرض عليه من أعمال، بينما المتأقبطون يبدون آراءهم، ويصخبون، بصدد ما يُعرض عليهم وما لا يُعرض.. فتأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.