«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف زيدان يكتب: أسرار الخلاف وأهوال الاختلاف «5-7» الفرقة الأرثوذكسية الناجية
نشر في المصري اليوم يوم 13 - 10 - 2009

ما معنى الأرثوذكسية؟.. هذا هو السؤال الأول، الذى تجب الإجابة عليه قبل الدخول فى خضم هذه المقالة.
وهناك سؤال آخر سيأتى بعد قليل! وبخصوص معنى هذه الكلمة «أرثوذكسية» فالمتخصصون يعرفون أنها يونانية الأصل، وأن لها معانى متعددة أفاضت فى شرحها القواميس والموسوعات، لكنها فى نهاية الأمر تعنى بالمختصر المفيد: السلفية!
ولأن كلمة «سلفية» ذات وقع إسلامى، وجرس عربى فصيح حين تفرق بين «السلف والخلف» أو بين الأوائل والأواخر، أو بين المتقدمين والمتأخرين، ولأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ العقائد الإسلامية، وحاضرها، باعتبارها اسماً لفريق من المسلمين عرفوا بأهل السلف.
ولأنها تشير إلى «سلف» آخرين، كانوا يعيشون من قبل الإسلام وسيادة اللغة العربية..
لهذه الأسباب، ظل المسيحيون العرب يستعملون الكلمة بمنطوقها اليونانى، فيقولون: الروم الأرثوذكس، الأرثوذكس السريان، الأقباط الأرثوذكس.. وقد ترجمت الكلمة للعربية بلفظ: الأمانة المستقيمة.
والسؤال الآخر، الابتدائى، هو: إذا عرفنا أن كلمة «قبطى» لا تعنى تماماً «مصرى»، اللهم إلا فى الوعى اللغوى العربى الإسلامى، وهو ما لم يعجب المتأقبطين- وهم الأقباط المتشددون المستفيدون فى الدنيا بالدين- فكيف يمكن تسمية هذه «الكنيسة» المصرية التى يعد رعاياها «الشعب» بالملايين؟
خاصة أن بمصر مذاهب أخرى مسيحية «كنائس» لا تقل مصرية- أى انتماءً لمصر كمواطن- عن تلك المسماة اليوم بالكنيسة القبطية.. أقصد كنائس الروم الأرثوذكس والكاثوليك والإنجيليين «البروتستانت» علماً بأن الروم الأرثوذكس كانوا بمصر من قبل أن تتحدد ملامح الكنيسة المسماة بالقبطية، وأن الإنجيليين اليوم، هم الجيل المصرى الخامس أو السادس لأهل هذه الكنيسة، أى أنهم لا يقلون مصرية عن إخوانهم الذين تسموا مؤخراً بالأقباط، أو سميت بعضهم فى هذه المقالات بالمتأقبطين..
بعبارة أخرى: ما هو الاسم الأنسب لإخواننا المسيحيين المصريين الذين يرأس اليوم كنيستهم، العلامة الحكيم: البابا شنودة؟
إذا دققنا فى أمر التسمية، فسوف نجد أن أنسب الأسماء لهذه الكنيسة العريقة، هو «الكنيسة المونوفيزية» لأن إخواننا هؤلاء، أو بالأحرى زعماءهم الدينيين، أصروا دوماً على مذهب الطبيعة الواحدة.
وهو المذهب القائل بأن الله «الأب» ويسوع المسيح «الابن» من «طبيعة واحدة»، وهو ما يقال له باليونانية: «مونوفيزس» ولذلك، فهم لا يزالون إلى اليوم يرددون عبارة: لاهوته لم يفارق ناسوته طرفة عين.. وما عدا ذلك من تسميات، فإننى أراه- وقد أكون مخطئاً- غير منطبق عليهم، أو هو غير مميز لهم. لأن اسم «القبطية» يردهم مباشرة إلى الإطار الثقافى العربى/ الإسلامى الذى أنتج هذه الكلمة لفظاً ودلالة.
واسم «المرقسية» لا يدل على شىء، لأن مرقس الرسول أصله من ليبيا، ولم يكن له فكر مميز عن بقية الرسل «الحواريين» بحيث يجوز إطلاق اسمه على أتابع مذهب يعتمد الأناجيل الأربعة مجتمعة، ناهيك عن أن المذاهب «الكنائس» لا تتسمى بأسماء الرسل، وإلا صار هناك كنيسة «مذهب» يوحناوية وأخرى متاوية وثالثة بطرسية، وقد أشرت إلى ذلك فى مقالة سابقة، أما الاسم «كنيسة الإسكندرية» فهو لم يعد يصح من جهة المكان ولا من جهة الزمان!
فمن حيث المكان صارت رئاسة الكنيسة منذ عشرات، بل مئات السنين، بالقاهرة، ومن حيث الزمان فإن آباء الكنيسة الأوائل الذين عاشوا بالإسكندرية «مدينة الله العظمى فى الزمن البيزنطى» لا يرتبطون فكرياً بمذهب هذه الكنيسة، فالأب الجليل «كليمان» الذى يسمونه «كليماندوس» والأب البارع، المفكر الفليسوف «أوريجين» الذى يسمونه «أوريجانوس» وهما أكبر اسمين فى تاريخ الكنيسة المبكر، بالإسكندرية، ليس بين أفكارهما ومذهب الطبيعة الواحدة «المونوفيزية» روابط محددة، بل إن هذه الكنيسة المونوفيزية، حرمت «أوريجين» فى حياته وبعد مماته، على يد أسقف زمانه ديمتريوس الكرام، وعلى يد الأسقف القوى الخطير ثيوفيلوس.
إذن هى الكنيسة المونوفيزية، التى يمكن وصفها أيضاً بالكنيسة السلفية (الأرثوذكسية) وهو الوصف الذى قد تشاركها فيه كنائس سلفية أخرى، غير مصرية، أهمها كنيسة الأرثوذكس السريان وكنيسة الروم الأرثوذكس.. فبأى معنى استعملت عنوان هذه المقالة، وما المراد بنجاة هذه الفرقة (المذهب) الأرثوذكسية، أو تلك؟
■ ■ ■
الفرقة الناجية، مفهوم يبدو من ظاهره أنه إسلامى خاص، لكنه فى واقع الأمر مفهوم دينى عام، وهو مشتق من حديث نبوى شهير، ومثير، يقول عن أهل الإسلام على لسان نبى الإسلام: ستفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة، كلهم فى النار، إلا فرقة واحدة (ناجية)، وقد ورد هذا الحديث بصيغ مختلفة ومفردات متعددة، أشهرها ما ذكرناه،
وقد أهاج طيلة تاريخ الإسلام، لغطاً كثيراً حول (لفظه ومعناه) أو حول ما يسمى فى مصطلح علم الحديث النبوى (السند والمتن) أو (الرواية والدراية) حتى أنه صار من أكثر الأحاديث النبوية إثارة للجدل بين العلماء، لأن فريقاً من أئمة المشتغلين بعلم الحديث أكدوه، وفريقاً آخر انتقدوه وضعّفوه، سنداً ومتناً، ومن أشهر الذين رفضوه فى الماضى القريب: جمال الدين الأفغانى، والشيخ محمد عبده (الملقب بالأستاذ الإمام).
وقد أدى مفهوم «الفرقة الناجية» المشتق من هذا الحديث، غير المتفق عليه، إلى ويلات كثيرة طيلة تاريخنا، لأن كل جماعة عقائدية كانت تعد نفسها، هى (الفرقة الناجية) وبالتالى فالمخالفون لهم -جميعاً- هم أهل الفرق الهالكة.
ولم يعتد هؤلاء (الناجون) بأن الحديث الشريف، لو صح سنده ومتنه، فهو يتحدث عن الآخرة وليس عن الدنيا، لأن «النار والجنة» أمر أخروى لا يتعلق بهذا العالم، وإنما بالحياة الآخرة!
لكن المتأسلمين القدامى والمحدثين، جعلوا من أنفسهم «الناجين» فى الدنيا والآخرة، وجعلوا غيرهم «الهالكين» هنا وهناك، وانطلاقاً من تلك (القاعدة) قتل الخوارجُ الأوائل أئمةَ المسلمين وأعلامَ الصحابة فى عصرهم، غيلة وغدراً، وقتل الشيعة الإسماعيليون -وهم «الحشّاشون» أصحاب قلعة ألموت- الحكامَ السنة فى زمانهم، غيلة وغدراً..
وفى زماننا المعاصر، قتل «الناجون من النار» الناسَ من غير تفرقة، عبر ما سمى مؤخراً فى أبواق الإعلام ومنابر السياسة «العمليات الإرهابية»، وهناك الكثير من الأمثلة الدالة على إهلاك الناجين للهالكين، بالمروِع من شنيع الفعال، لأنهم اعتقدوا أن غيرهم ما دام هالكاً فى الدنيا وفى الآخرة، فلا مانع من إهلاكه مبكراً، حتى لو كان شيخاً أزهرياً مثل الشيخ الذهبى، الذى قتله بمنزله غيلة وغدراً، جماعةُ، من المتأسلمين الذين اعتقدوا أنهم وحدهم: الفرقة الناجية.
ومن هذه الزاوية، يمكن النظر إلى تسميات الجماعات الدينية المعاصرة، ولسوف نجدها جميعاً ترتبط على نحو ما، بمفهوم الفرقة الناجية، فإخواننا من السنة الذين يسمون أنفسهم (أهل الحق) يجعلون غيرهم من المسلمين، على نحو غير مباشر: أهل الباطل!
وإخواننا من الشيعة الذين يسمون أنفسهم (حزب الله) اختاروا اسماً يتضمن أن غيرهم ليسوا من الحزب الإلهى، الذى جاء فى آى القرآن أنهم «هم الغالبون» أى أن غيرهم صاروا: أغياراً، مغلوبين، وقد يكون هؤلاء «الأغيار» هم حزب الشيطان، أو حزب الخسران، أو حزب الإنسان، أو حزب العميان، لكنهم فى النهاية، ليسوا (حزب الله) وليسوا بالتالى من أهل الفرقة الناجية.
وعلى المنوال ذاته، يسمى بعض المتأسلمين أنفسهم (الجماعة الإسلامية) فكأن بقية المجتمع ليسوا بمسلمين، وقد نسى هؤلاء، أنهم حتى لو كانوا «الفرقة الناجية» يوم القيامة، فإن عليهم الالتزام فى الدنيا بما جاء فى القرآن، من مثل قوله تعالى «ادفع بالتى هى أحسن» فلما نسوا ذلك، دفعوا غيرهم للهلاك بالتى هى أبشع، وبالتالى هى أكثر فتكاً من القنابل والأفكار، وما أصل القنابِل إلا الأفكارُ.
وعلى الجانب المقابل، أعنى جانب التأقبط، جرى الحال على ذات المنوال، إذ زعم كل واحد من المذاهب العقائدية المسيحية، أنه وحده يمثل الإيمان القويم أو الأمانة المستقيمة (الأرثوذكسية) وهى الكلمة التى طالما تنازعت الكنائس على الانفراد بها، والتفرد باستحقاقها، وهو نزاع مستمر منذ ستة عشر قرناً من الزمان، وبالمنطق السلفى المسيحى، فإن أى مذهب عقائدى آخر هو بالضرورة غير قويم ولا مستقيم!
أى أنه ببساطة فاسد وهرطوقى وكافر بالإيمان، وفى نهاية هذا الأمر، نجد أنفسنا أمام مذاهب عقائدية (كنائس) كثيرة، يزعم كل منها لنفسه أنه وحده (الكنيسة الناجية)، وأن أتباع بقية الكنائس هالكون لا محالة، وفى النار لا محالة، وإذا نظرنا فى أدبيات مذهب الطبيعة الواحدة (المونوفيزية)، فإننا سوف نجد كثيراً من الدلائل على هذه النظرة الأحادية للحق، أو لاعتقال الحق فى مذهب واحد وتخطئة غيره من المذاهب «الكنائس»..
وهى، طريقة قديمة يسلكها المتأقبطون منذ فترة طويلة! فهى ليست وليدة اليوم.. فقد وجدتُ قبل عشرين عامًا، مخطوطًا يعبر بصراحة عن هذا المسلك، وقد كُتِبَ قبل قرابة ثلاثة قرون، وعنوانه: الرد على غلط باباوات رومية.. والمخطوطة محفوظة اليوم بالمكتبة المركزية لجامعة الإسكندرية، وقد كُتبت سنة 1740 ميلادية، ونقرأ بأولى صفحاتها ما يلى: قصدنا ها هنا، ليس لنعيِّر أتباع البابا على تعديهم الشريعة، وزلات الباباوات وخطئهم وغلطاتهم.. وأفعالهم الرديئة الاغتصابية.. ولا قصدنا أيضًا أن نكتب عن جميع باباوات رومية «روما» الساقطين فى وصمة الهرطقة...إلخ!
■ ■ ■
وقد يعترض معترض على هذا الجمع بين المتأسلمين والمتأقبطين، على اعتبار أن التأقبط حالة «نفسية/ تاريخية» ذات صبغة عقائدية، تعود إلى رفض الكنائس الكبرى للمذهب المونوفيزى، ولرغبة آبائه فى السلطة الروحية والزعامة على بقية الكنائس، وهو موقف قديم تم اتخاذه منذ مجمع خلقيدونية الذى انعقد قبل ظهور الإسلام بأكثر من قرن ونصف القرن من الزمان «سنة 451 ميلادية»، وأن المتأسلمين وحدهم هم الذين يلجأون للعنف، بينما التأقبط مسلك لا يخرج من حالة الفكر إلى حالة الفعل، ولا يعرف العنف.
ولهذا المعترض نقول: بل الأمر واحد قديمًا وحديثًا، لأن «الإعلاء الوهمى» للمذهب العقائدى، وتخطئة الآخرين مسيحيين كانوا أو مسلمين، هو صفة رئيسية للتأقبط، ولا يُعتد هنا بأن المتأسلم عنيف بطبعه، بينما المتأقبط يصطنع الوداعة، لأن الانطلاق من فكرة «الفرقة الناجية» واحد عند كليهما، وكلاهما فى واقع الحال عنيف على طريقته، وما عنف الفكرة إلا مقدمة لعنف الفعل، وقد عرف تاريخ المذاهب المسيحية عنفًا لا يقل دموية عن العنف الذى ظهر فى تاريخ المسلمين، وإذا نظرنا فى معطيات واقعنا المعاصر، وتأملنا مفردات «الخطاب المتأقبط» فى أيامنا الحالية، عبر نماذج من نوع «الفتوى القبطية» التى اعتبرت زواج الإنجيليين نوعًا من الزنا!
ومن نوع التعبيرات التى انفلتت فى بيانات التنديد برواية عزازيل، أعنى تعبيرات مثل: لن يجديه نفعًا.. سوف يرى وثبة الأسود...إلخ، وهو ما يدل على أن بالنفوس غليانًا يُنذر بعنف مماثل لما جرى فى الإسكندرية القديمة وأورشليم وغرب أوروبا، من ويلات يعرفها دارسو التاريخ.
وإذا تأملنا ما يجرى هذه الأيام على الساحة المصرية، لتأكد لنا أن الجوهر لم يتغير، فما كاد المتأقبطون من الإكليروس المونوفيزى المسمى اصطلاحًا بالكنيسة القبطية، يفرغون من حربهم الوهمية ضد روايتى الأخيرة، حتى هَبَّوا هبَّةً مروعة ضد الكنيسة الإنجيلية، متهمين قساوستها بالتبشير فيمن يسمونهم «شعب الأقباط» وكأن الدعوة أو الكرازة أو التبشير، صارت تتم باسم المذهب العقائدى لا من أجل الديانة.. مع أن هؤلاء جميعًا مسيحيون، ومصريون حتى النخاع، فما معنى الثورة الحالية؟
معناها أن الإكليروس المونوفيزى «القبطى» فيه متأقبطون كثيرون، لا يكفون عن التفزيع والتفجيع والترويع، بالفكرة ثم بالقول ثم بالفعل.. رحماتك يا أم النور.
ولعل معترضًا آخر يقول: فما بال المتأقبطين، إن صحَّت التسمية، يروِّجون لأنفسهم أنهم أهل المحبة؟ ولماذا تنكر عليهم دفاعهم عن ديانتهم التى يعترف بها الإسلام؟..
ولهذا المعترض المفترَض نقول: المحبةُ سمةٌ مسيحيةٌ، مثلما هى سمةٌ لكل دين، وفى مقابل أولى عظات السيد المسيح «موعظة الجبل» التى كان موضوعها المحبة، سوف تجد فى القرآن الكريم كثيرًا من آيات المحبة التى دعا إليهاالإسلام، لكن الإسلام كدين غير المسلمين، والمسلمون غير المتأسلمين، وكذلك المسيحية كديانة غير المسيحيين، والمسيحيون أكثرهم غير «أقباط» والأقباطُ أكثرهم غير متأقبطين!
وهؤلاء المدافعون «المتأقبطون» إنما يذودون عن مذهب عقائدى، ولا يعترفون بأن غيرهم على صواب، سواء كان هؤلاء «الأغيار» مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا.
إن التأقبط والتأسلم، اتجاهان دنيويان يرفعان الدين شعارًا، لاكتساب الأتباع من المسلمين «الجماعة» أو المسيحيين «الشعب» باسم «الحق» الواحد الذى يزعمه أولئك وهؤلاء، فالمتأسلمون والمتأقبطون، سواء بسواء، هم أصحاب سياسة دنيوية وليسوا أهل محبة دينية، وما يتم اليوم من المتأقبطين تحت زعم الدفاع عن الديانة المسيحية، هو أمر غير مقنع، وهو مجرد محاولة أخيرة لاستبقاء «الأتباع» أو «الرعايا» الذين يطلقون عليهم «شعب الكنيسة» فى داخل الحظيرة، التى تبيض فيها الدجاجات ذهبًا، وليست الحالة الدفاعية الحالية ضد تبشير الكنيسة الإنجيلية، هى الموقف الوحيد الدال على أنهم ينافحون عن مذهبهم المونوفيزى.. ولسوف أعطى مثالاً آخر، من ورائه أمثلة كثيرة ودلالات أكثر:
قبل ثلاث سنوات، هاج فى مصر متأقبطون، سعوا جهدهم لكى يمنعوا عرض الفيلم المأخوذ عن رواية «شفرة دافنشى» لدان براون وتكلَّلت جهودهم بالنجاح، واستجابت الحكومة فمُنع عرض الفيلم فى دور السينما، باعتباره ضد المسيحية، فلما جاء مؤخرًا فيلم «ملائكة وشياطين» المأخوذ عن رواية أخرى للمؤلف نفسه، لم يعترض عليه المتأقبطون، ولم يشيروا إليه ولو من بعيد.. لماذا؟
لأنه يتعرض «فقط» لكنيسة الفاتيكان! فكأن الكاثوليك، ليسوا مسيحيين.. فتأمل.
واليوم، يطالب المتأقبطون بأن يكون لكنيستهم حق المنع ومصادرة الكتب، أسوةً بالأزهر «راجع فى ذلك، الكثير من المواقع المتأقبطة على الإنترنت»، مع أن الأزهر ليس لديه الحق فى المصادرة والمنع، وإنما يُبدى رأيه فقط فيما يُعرض عليه من أعمال، بينما المتأقبطون يبدون آراءهم، ويصخبون، بصدد ما يُعرض عليهم وما لا يُعرض.. فتأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.