هناك فى الضفة الشرقية من قناة السويس على أرض سيناء تدور حرب شرف. لا تقل أبدًا عن حرب أكتوبر العظيمة. حرب لاستعادة أرض وكرامة وإرادة وسيادة وأخذ بثأر. حرب ضروس يدور بها كثير من الدم والبطولات وضحايا وتضحيات لا مثيل لها، كان قد نسيها الناس منذ حرب العبور العظيم. ما تم فى سيناء منذ اندلاع ثورة يناير لا يمكن أن يتخيله وطنى واحد. كم هائل من الخيانات والمؤامرات لا نعلم منها إلا القليل والمتاح فى المعرفة قليل ومعدوم أحيانا. هم وحدهم وكعادتهم فى المؤسسة العسكرية يعرفون مدى فداحة المأساة ومدى فداحة الخيانات التى تمت وكعادتهم يدفعون الثمن غاليا راضين. ورغم كل تلك التضحيات فإنهم يلاقون من خَوَنة ومرتزقة وجهلاء وبلداء، اتهامات وبذاءات وإشاعات ورصاصا حيا ورصاص إعلام وفكرًا. رجال وضعوا أرواحهم فداء لتلك الأمة رجال وشباب، من أطهر وأنبل ما أنجبت مصر، يواجهون النيران المستعرة كل يوم وكل ليلة، والخونة والمرتزقة ومدعو الثورية والنضال يتقلبون فى فراش الغانيات وبائعات الهوى. مصر تعرضت لمؤامرة ضخمة اتفق فيها الجميع على سقوطها وإعادة بنائها من جديد. فريق استخدم عقله فى التخطيط وفريق استخدم ذراعه فى التنفيذ وفريق كان كالجثة فى يد مغسلها مطيعة خانعة خائنة جاهلة. الحرب فى سيناء مرت بمراحل كثيرة فى أيام قليلة، مراحل جس النبض وحصد المعلومات وتلقى واستيعاب الصدمات، وهى مرحلة الصمود، ثم الدفاع النشط ثم الاستنزاف ثم الانتصار بعدما كانت فى مرحلة الخطر. فهناك تقارب قطرى مصرى قريب يتم على عجالة، وقد قدم كل طرف عربون محبة وأبدى حسن نيته. دول الخليج لا يمكن أن تبتعد أو تعادى مصر فى تلك المرحلة الحرجة التى تغادر فيها أمريكا المنطقة وتسلمها إلى الروس وإلى الإيرانيين. لاحظ الهدوء فى كل المنطقة بعدما تم الاتفاق الإيرانى الأمريكى. الخليج يرتعد من الشرطى الإيرانى. ومهما كانت التطمينات الأمريكية فأن العدو الإيرانى اللدود على الحدود غير مضمون الجانب، خصوصا وللإيرانيين أطماع وأساطير فى المنطقة لا تُنسى، مهما طال الزمن، ولا يوجد إلا مصر لتقف أمام هذا العدوان بتاريخها وحجمها وثقلها وقوتها، وهو ما يعيه الخليج جيدًا، فقد أفاقوا أخيرًا من وهم، تصوروا فيه أنهم يشاركون فى رسم خرائط العالم فإذا أموالهم تساعد فى معارك دولية تخص غيرهم ولا تخصهم، أوهام صنعتها مجموعات من الأجانب والعرب تربطهم صلات قوية بدوائر البترول والمخابرات والإعلام وتجارة السلاح، وكانت تلك الدوائر قريبة من دائرة صنع القرار. فقد اعتمد إرهابيو سيناء على أسلحة متطورة وصلت إليهم عن طريق الحدود الغربية مع ليبيا، فقد كانت غارات طائرات «الناتو» على القذافى ورجاله تقذف فى كل طلعة كمًّا هائلًا من (كونتنرات) من الأسلحة والمعدات والملابس العسكرية على الحدود المصرية باسم (أسلحة على شرف مصر) يتسلمها مندوبون من الإخوان، بدو ورجال من حماس، ويتم نقل الأسلحة إلى سيناء استعدادا لتكوين جيش حر مسلح بأسلحة الناتو، وهى الأحدث فى تاريخ صناعة الأسلحة، وقد أجرمت قطر فى حق مصر بعد عزل مرسى فقد قام وزير خارجيتها الجديد بزيارة لألمانيا فور توليه مهامه، والتقى هناك بمجموعة من السياسيين الألمان ووزير الخارجية وكذلك المستشارة الألمانية ميركل، وأخطر مَن قابله هو وزير الدفاع توماس دى ميزير، وقد اتفق معه على صفقة أسلحة كبرى ثمنها 500 مليون يورو تدفعها دولة قطر فى نظير شراء أسلحة خفيفة وشبه ثقيلة وبعض الأسلحة الثقيلة وأسلحة مضادة للدبابات وللمدرعات وأخرى مضادة للطائرات. خطة القطريين كانت تكوين جيش حر مصرى على غرار الجيش الحر فى سوريا، تتكون عناصره من شباب إخوان مدربين على فنون القتال بجانب النازحين إلى سيناء من دول أفغانستان والسودان وفلسطين، كتائب عز الدين القسام، والعراق وسوريا والصومال. لكن التقارب القطرى لمصر تم سريعًا وتوقفت تلك الخطط والاتفاق الأولى ساعد كثيرا فى رفع الحماية الأمنية والمالية عن قيادات الإرهاب فى سيناء، وقدمت كثيرا من المعلومات والأسرار فسقط هذا الكم الكبير من قادة الإرهاب فى وقت قياسى. لو لم تقم ثورة يونيو لدخلت مصر نفقا مظلما من الانقسام والدم والدموع، وما فعله القائد العام ورجاله هو بالضبط ما فعله قادة أكتوبر بانتشال مصر من كارثة محققة. الظروف المحيطة بمصر الآن مهيئة وتنتظر عودتها للقيادة وهو قدرها الدائم. المنطقة بأثرها تتعرض لتغيير عنيف، تغيير جغرافى واجتماعى، جعل دولة مثل السعودية ودولة مثل إسرائيل يشعران بالخطر من مغادرة الأمريكان للمنطقة، مما جعل الدولتين تجتمعان فى الأردن لبحث مستقبل شكل المنطقة. الاجتماع السعودى الإسرائيلى سرى كما هى العادة فى لقاءات الدولتين لعدم وجود علاقات علنية بينهما، لكنه اجتماع على مستوى عالٍ، وهى فرصة مصر لأنْ تعود من جديد للزعامة بشكل عصرى متطور عما كانت عليه وقت العظيم جمال عبد الناصر. وهم فى غاية اللهفة لأنْ تنتهى تلك المرحلة التى تمر بها مصر ويتم تركيب أجهزة الدولة من دستور وبرلمان ورئاسة، وما يثبت سرعتهم هو الدور الرهيب الذى يقوم به السلفيون فى الحشد للتصويت بنعم على الدستور، فالأمر السعودى صدر. والسلفيون لا يتحركون إلا بتوجيه سعودى. السعودية الدولة الضخمة، وإسرائيل ودول الخليج تنتظر عودة مصر، ومصر تترقب وتتوجس من مؤمرات الأيام القادمة، متمثلة فى رئيس وزرائها القادم!