لم تتضمن المواد الانتقالية فى مشروع الدستور المصرى الجديد أو المعدل نصًّا محددًا حول ترتيب الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أيهما يسبق الآخر، فقد كانت خارطة الطريق تنص على أولوية الانتخابات البرلمانية على الرئاسية، ولم تحظ هذه المادة بالأغلبية المطلوبة فى مناقشات لجنة الخمسين، وتمت إحالتها إلى رئيس الجمهورية كى يفصل فيها بعد إجراء المشاورات اللازمة مع الأحزاب والقوى السياسية، ومن ثم يصدرها عبر قرار بقانون. ذهب بعض الخبراء القانونيين والمحللين السياسيين إلى القول بأولوية الانتخابات البرلمانية على الرئاسية، وأن ذلك منصوص عليه فى خارطة الطريق، إضافة إلى أن مواد مشروع الدستور الجديد تفرض إجراء الانتخابات البرلمانية أولا. بالفعل نصت خارطة الطريق على إجراء الانتخابات البرلمانية، ثم الرئاسية، وفى الوقت نفسه لا يوجد ما يمنع تعديل الخارطة، فلا نصوص مقدسة فى خارطة طريق، وهو الأمر الذى وقف وراء عدم تمرير نص هذه المدة ضمن المواد الانتقالية فى مشروع الدستور الجديد وجرى ترك الأمر لرئيس الجمهورية بعد التشاور مع الأحزاب والقوى السياسية المختلفة. أما مشروع الدستور الجديد فلم يتضمن نصًّا يقضى صراحة بإجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية، وبالتالى فإن قول بعض فقهاء القانون الدستورى والمحللين السياسيين بأولوية البرلمانية على الرئاسية هو نوع من الاجتهاد الذى يعتمد على القياس والاستنباط، فأنصار هذا الرأى يستندون إلى نص الماد (142) التى جاء فيها «يشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكى المترشح عشرون عضوًا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى خمس عشرة محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها». وفى جميع الأحوال، لا يجوز تأييد أكثر من مترشح، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. استند البعض للقول بضرورة حصول المرشح على تأييد عشرين عضوا من البرلمان على أنه دليل على ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية فلا بد من وجود برلمان حتى يحصل من يريد ترشيح نفسه على تأييد عشرين عضوًا من أعضاء البرلمان، وهو استنتاج منطقى، لكنه لا يمثلل حجة كافية لفرض الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية، لأن متطلبات الترشيح لا تقتصر على هذه الطريقة وحدها، فإلى جانب توافر الشروط الأخرى التى تؤهل الشخص للترشح للمنصب فإنه لا بد وأن يحصل على تأييد عشرين عضو برلمان، أو توكيلات من خمسة وعشرين ألف مواطن مصرى من خمس عشرة محافظة، مع ألف توكيل على الأقل من كل محافظة من هذه المحافظات. إذن القضية لا تقتصر فقط على تأييد عشرين عضوًا من أعضاء البرلمان، فعدم توافر هذا الركن يفعل الركن الآخر وهو توكيلات المواطنين، ولو كانت المادة تنص فقط على تزكية أو تأييد عدد من أعضاء البرلمان لكان إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية فى هذه الحالة وجوبيا، فلا انتخابات رئاسية فى غيبة البرلمان، أما وقد نصت المادة على بديل لتزكية الراغبين فى الترشح لمنصب الرئيس فإنه يمكن إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية. وفى تقديرى، وبما أن مواد مشروع الدستور الجديد لا تفرض إجراء الانتخابات البرلمانية أولا، لا بد أن نمعن النظر فى الضرورات العملية، فالقضية ليست نظرية ولا تتعلق بنصوص جامدة فى خارطة لطريق، بل قضية احتياجات عملية، ضرورات الواقع، فالسؤال هنا: هل تحتاج مصر إلى الانتخابات البرلمانية أولا، أو تحتاج لرئيس منتخب أولا؟ ذلك ما سوف نجيب عنه غدًا، إن شاء الله.