كثيرا ما نقابل أناسًا من نوعية «أنا صح» «مش قولتلك».. لا تستطيع الخلاص من جدلهم، ولو صممت على إثبات غبائهم ستفاجأ بروح ذكورية زاعقة غاضبة، أو طفولية واتهامات.. وفى النهاية نفس الجملة.. أنا صح! نموذج موجود دائما، لكنه استفحل على الساحة السياسية منذ الثورة، حتى أصاب الناس بالقرف والزهق. ذكورية ومراهقة سياسية، تعكس نقص الثقة والمعرفة (الاتنين). سلاحها صخب وعنف، والتحكم فى الناس والميدان، واحتكار الثورة. والذكرورية، بالمناسبة ليست صفة ننعت بها الرجال وفقط، للتدليل على عدم النضج والتفاهة وحب الظهور، أو اللجوء إلى العنف بأشكال مختلفة لبسط الرأى، بل هى صفة لرجال ونساء، يطلون علينا.. فى عالم تنافسى غير موضوعى. حتى ثالث يوم من اندلاع تظاهرات 25 يناير، لم يتوقع حتى مخططوها أنها ثورة، بل محاولة لتحريك الوضع وتحقيق مطالب، أولها وقف التوريث، والاستجابة لحاجات الناس. طرف واحد كان يترقب تحويلها، وخلع مبارك واحتلال موقعه، «الإخوان». تصوروا أن من يحل محل مبارك، يرث الدولة مؤسسات وسلطات.. وشعبًا! طريقهم مهَّده «الثوار» (هكذا سُمُّوا فى حركات وتنظيمات عديدة). اخترقت كوادر وشباب الإخوان كل التنظيمات قبل وبعد يناير، وأدارها الإخوان بطريق غير مباشر، ينفخون فى روح «أنا ثورى.. زعيم.. ناشط». ألحّت الأحداث على روح الذكورية وحب الظهور لدى كثيرين، جاءت الثورة لتعطيهم «حيثية»، فهناك من لا يعلم عن السياسة إلا كلمة «الثورة» ونضال الجماهير لا يعنى إلا التظاهر والاعتصام (متسطب أيديولوجيًّا)، وحقيقة لا يستطيع أن يؤسس أو يقود ثورة، ولكن إن قامت.. قامت قيامته. أتت الثورة للكثيرين بالشهرة والمال. وتسأل أحدهم ماذا تفعل؟ فيرد: أنا.. ناشط ثورى! المثير، أن كل هؤلاء ارتضوا أن يكونوا ألعوبة فى يد الإخوان، من محطة لأخرى (يسقط حكم العسكر.. مستبدين ومش هيسيبوا السلطة.. شفتم الجيش بيضرب الثوار).. «أنا صح». الإخوان رفقاء ثورة.. شايفين مرسى وبرنامجه.. «أنا صح» انتخبوه. وعندما بدأ الإخوان طريق السيطرة على البلد وتنفيذ مخطط الإحلال! خَرسَت ألسنة الجميع، ولم تسمع أحدا يقول «أنا غلط».. الإخوان سلطة مستبدة، لا تسعى إلا للتحكم فى مفاصل البلد، ولا تلتزم بأهداف الثورة! اضطروا إلى كبت ذكوريتهم، وعادوا للتقوقع والتنظير الخايب. وعندما ثار الشعب حقيقة فى يونيو، انتفض هؤلاء عَلَّهم ينتفعون بشىء. لكن عندما آن أوان المواقف والحسم، أُسقِط فى أيديهم، خَرَس وتواطؤ من نوع جديد. المهم أن تكون كل ما سبق.. ثورى وزعيم وناشط، ومتسق.. أنت صح! طب ازّاى؟ اعترض. لكن الأمر لا يسير بالنعومة التى تتلاءم ومراهقتك، فهو صراع سياسى على السلطة. صراع أنت لست طرفا فيه، ولا تمتلك مقومات أن تكون فصيلا مؤثرا به. تدّعى أنك تعبر عن الجماهير، وهم ولا عمرهم سمعوا بك، ولا قرّبت من همومهم، بس الشهادة لله أبدعت فى المتاجرة بهم. أنت «زعيم» على زمرة من الأتباع (على رأى اللمبى.. على نفسك..)، أنت «ثورى» من حيث قدرات التنظير، «ناشط» من أجل ذاتك المتضخمة وذكوريتك اللى مش ناوى تتنقل منها لعالم الرجال والنساء الحقيقيين. لمعلوماتك، الناس الحقيقية بتغلط، وتعتذر وتتراجع، وقد تنزوى احتراما لذاتها.. أشياء ومواقف لم تفكر/ تفكرى فيها طوال ثلاث سنوات من العبث باسم الثورة. ويستمر الصراع، ويشتد العنف، وتصدر عن سلطة «مؤقتة»، ردَّات فعل متعجلة، تتخذ غطاء قانونيا (ولكن حتمًا غير دستورى). مسكنات مؤقتة، لوقف تحركات الإخوان وعنفهم، مسكنات ستنهار تلقائيا بإقرار الدستور. تترقب الأحداث وتتحين الفرصة للظهور وإثبات مقولاتك… دولة مستبدة، يسقط يسقط حكم العسكر.. «أنا صح»! أنت صح؟! أنت مين؟ قدمت إيه؟ ما برنامجك؟ حجمك؟ علاقتك بالناس؟ أسقِط الدولة بمؤسساتها وسلطاتها وكل أجهزتها.. لتبقى أنت وحدك «الصح؟». ولكن لو فكرت وسألت الناس خارج دائرتك الضيقة، سيقولون لك: أنت لا شىء، لم تقدم شيئا حقيقيا لا قبل الثورة ولا بعدها، لا تُزايِد علينا. تُردّد نفس مقولات الإخوان (رفقاء الثورة يا ساقطى امتحان السياسة العملى)، الإخوان ينعتون الجميع بالخيانة والعبودية.. وأنتم تفعلون نفس الشىء مع مخالفيكم. مراهقتكم وذكوريتكم، جعلت الثورة سُبَّة لدى الناس، أفاقهم صخبكم على الخيبة التى أصبحنا عليها. أضعتم الثورة، وتريدون اليوم إعادة مقولاتكم، والبحث عن شهرة جديدة. يا عالم، البلد يحتاج إلى إصلاح من القاعدة، عمل دؤوب مع الناس.. قلتم بل هى الثورة، والإطاحة بالرأس.. أطاح بها لكم الشعب مرتين.. عملتم إيه؟ يا سيدى مابقيناش مستحملين شغل من الميدان! ألا تعون أننا نحتاج إلى شغل فى كل شارع وزقاق فى عشوائيات وقرى الفقراء مش شغل تسخين وغضب وحدف طوب؟! ما يحتاج إليه الناس شىء آخر. إن كنتم حقيقيين لتوجَّهتم إليهم تُبَصِّرونهم وعيا ومعارف وأدوات ليُتقِنوا المطالبة بالعدالة والمساواة. طريق نحو حقوقهم، طريق يقودونه هم وليس قلة لا تعى إلا غرورها، حينها وفقط سيُقطع الطريق على أى استبداد. كفانا روح الهيمنة الأبوية، والتحدث باسم الشعب كأنه يوم وُكل إلى أىٍّ منكم. يعنى ذكورية وأبوية.. الاتنين!