وصل وفد عسكري لبناني إلى القاهرة خلال الأسبوع الجاري (ديسمبر 2016)، بقيادة العميد ركن طيار غسان شاهين قائد القوات الجوية اللبنانية يرافقه عدد من المسئولين العسكريين اللبنانيين، وهي الزيارة الثالثة لقيادات عسكرية لبنانية لمصر في أقل من عامين، وبعيدا عن التصريحات الدبلوماسية والمعتادة التي تخرج من قبل المسئولين المصريين تعليقا على تلك الزيارات والتي تنحصر في صيغة (بحث الوفد اللبناني مع المسئولين المصريين تطورات الأوضاع بالمنطقة)، إلا أن الجانب اللبناني قد صرح فى وسائل الإعلام اللبنانية عن أبعاد تلك الزيارة والتي تشمل دعم علاقات التعاون العسكري بين الجانب المصري واللبناني، خاصة في مجال التدريب المشترك والتسليح والاستفادة من الخبرات المصرية في مكافحة الإرهاب. وتأتي نقطة تسليح الجيش اللبناني لتطرح بعض التساؤلات حول أسباب تلك الزيارة وتوقيتها وإعلان إمكانية تسليح مصر للجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلية؟ وهل هناك علاقة بين إمكانية تسليح مصر للجيش اللبناني ووقف المملكة العربية السعودية في بداية عام 2016 معونة تسليح الجيش اللبناني؟ وهل هناك علاقة بين حصول مصر على النفط من الجانب العراقي وتسليح الجيشين اللبناني والعراقي؟ وهل هناك دور إيراني وكويتي في تلك الصفقة؟ «1» معركتي نهر البارد وعرسال 7 سنوات تفصل بين معركتين، خاضهما الجيش اللبناني في مواجهة الجماعات الإرهابية، الأولى معركة نهر البارد (20 مايو 2077)، والتي تعتبر من أشهر المعارك بالدولة اللبنانية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975- 1989)، وتأتي المعركة الثانية في عرسال (2 أغسطس 2014)، بتسلل عناصر إرهابية إلى منطقة عرسال اللبنانية ويحكمون السيطرة عليها، ويهاجمون مراكز أمنية بعد توقيف الجيش اللبناني قائد "لواء فجر الإسلام" ومبايع "داعش" عماد أحمد جمعة في جرود البلدة. هاتان المعركتان أثبتتا كفاءة قوات الأمن اللبنانية من حيث الأفراد والجنود من جانب وضعف الإمكانيات والمعدات العسكرية لدى قوات الأمن اللبنانية من جانب آخر، ففي معركة نهر البارد وصل الأمر لنفاد ذخيرة قوات الأمن أثناء المعركة، مما أثر على قدرة قوات الأمن في مواجهة تلك العناصر الإرهابية، ومع انتشار العناصر الإرهابية في الساحة السورية وعلى الحدود السورية اللبنانية، قام الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز بإعلانه منحة بمقدار ثلاثة مليارات دولار أمريكي لتسليح الجيش وقوات الأمن الداخلية اللبنانية، ومع بدء الدولة اللبنانية بتوقيع بعض الاتفاقيات العسكرية مع الجانب الفرنسي لتسليح الجيش اللبناني جاء قرار القيادة السعودية الجديدة الملك (سلمان بن عبد العزيز) في (9 فبراير 2016)، بوقف المساعدات الخاصة بتسليح الجيش اللبناني وقوة الأمن الداخلي اللبناني، جاء هذا القرار في أعقاب الخلاف بين المملكة العربية السعودية والدولة اللبنانية حول تصريحات السيد حسن نصر الله والهجوم على دور المملكة العربية السعودية في اليمن، هذا القرار دفع الجيش اللبناني للبحث عن مصادر جديدة لتسليح الجيش وقوات الأمن، وهو ما تحقق بفتح مجال جديد للتعاون بين مصر ولبنان في أعقاب زيارة رئيس أركان الجيش اللبناني وليد سليمان (سبتمبر 2014)، على رأس وفد عسكري، للقاهرة ولقائه وزير الدفاع المصري الفريق أول صدقي صبحي، ورئيس أركان الجيش المصري الفريق محمود حجازي، واقتصرت أوجه التعاون على الأبعاد الاستخباراتية والتسليح الخفيف من قبل مصر للجانب اللبناني، هذا التعاون دفع الدولة اللبنانية وخصوصا بعد الدور المصري الإيجابي في التوافق على رئيس الجمهورية اللبنانية وتنامي مساحات التقارب بين الجانب المصري وأغلب الفصائل والأطراف اللبنانية، بطلب لبناني إلى مصر لرفع مستوى التعاون العسكري وخصوصا في جانب تسليح الجيش وتدريب القوات العسكرية اللبنانية وقوات الأمن الداخلية. «2» مصر والعراق مصالح متبادلة قد أعلن رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي في لقاء أجرته معه وكالة "رويترز" (2014)، عن شراء العراق سلاحا من الجانب المصري عبارة عن مدرعات وأسلحة أخرى تستخدم الآن في معالجة بعض الأهداف، وقد أكد المالكي أن "العراق يتفاوض مع روسياوإيران وأوكرانيا وكوريا والصين والإمارات ومصر لشراء الأسلحة". ومع تولي رئيس الوزراء حيدر العبادي الحكومة العراقية قام بإرسال وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي على رأس وفد رفيع المستوى، ضم عددا من كبار الضباط والمسئولين في مختلف الأسلحة في زيارة رسمية للقاهرة في (20 يناير 2016) استغرقت عدة أيام، واجتمع "العبيدي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أكد موقف مصر الثابت في دعم العراق في المجالات كافة، واستعدادها لتفعيل أوجه التعاون العسكري بين البلدين، وقد صرح العبيدي بأن أحد أهداف الزيارة هو تجهيز مصر للقوات العسكرية العراقية بالسلاح. ومحاولة شراء السلاح عبر الدفع بالآجل وذلك لما يعانيه العراق من تدهور في اقتصاده المعتمد على النفط في غالبيته. ومع تدهور العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية ووقف المملكة تصدير النفط إلى مصر سعت الدولة المصرية لإيجاد بدائل للنفط السعودي يتناسب مع الإمكانيات المالية لمصر وهو ما تحقق بلقاء وزير البترول المصري طارق الملا برئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي (30 أكتوبر 2016)، أي بعد أيام قليلة من وقف شركة أرامكو السعودية إمداد مصر بشحنات النفط المتفق عليها بين الجانبين المصري والسعودي في أبريل 2016 وجاء الاتفاق المصري العراقي بقيام دولة العراق بتصدير شحنات النفط على أن تسدد مصر مستحقات النفط من خلال طريقين، الأول عبر نظام الدفع الآجل بسعر مخفض تقدمه بغداد إلى القاهرة وهو أقل من السوق العالمية بنحو 3 دولارات عن كل برميل، والثاني عبر توريد مصر للعراق مشتقات نفطية مختلفة يعاني من نقصها في السوق المحلية، بسبب خروج أغلب المصافي عن الخدمة بفعل العمليات العسكرية والإرهابية، على أن تبدأ أولى دفعات النفط العراقي خلال شهر ديسمبر الجاري 2016. وقد طرحت الحكومة العراقية على الجانب المصري إدخال صفقات السلاح المصرية العراقية ضمن طرق السداد. «3» الكويتوالإمارات وساطة وتعويض من اللحظة الأولى لبدء الخلاف المصري السعودي سعت كل من دولة الإماراتالمتحدة ودولة الكويت لتقريب وجهات النظر المصرية - السعودية من جانب وسرعة العمل على تزويد مصر بالمشتقات النفطية لتعويض النقص الذي سيحدث نتيجة وقف المملكة إمداد مصر بالنفط، وهو ما أعلنت عنه الكويت برفع معدلات الإمداد (بمقابل)، بجانب لعب دولة الكويت دور المساعدة في نقل مليوني برميل نفط عراقي شهريا لمصر عبر ميناء البصرة المطل على الخليج العربي، هذا الدور الكويتي يأتي ضمن مراحل عملية التهدئة بين الجانبين المصري والسعودي. «4» إيران ومصر تشهد العلاقات المصرية الإيرانية حالة من "التقارب الحذر"، خلال السنوات الثلاث الماضية، فما بين استمرار مستوى العلاقات الدبلوماسية عند حد (مكتب رعاية المصالح)، وموقف تقليدي من قبل مؤسسات الدولة المصرية تجاه إيران أقرب للرفض، إلى تقارب غير مباشر بين القيادة السياسية المصرية والإيرانية حول الموقف من الأزمة السورية، مما دفع إيرانوروسيا للضغط على الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض القوى الإقليمية (تركيا) لحضور مصر اجتماع لوزان حول الأزمة السورية وهو ما حدث بحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري الاجتماع الدولي. ومع توقيع مصر اتفاق النفط مع الجانب العراقي والذي يمكن اعتبار الموافقة العراقية هي موافقة (بمباركة إيرانية)، حيث تعتبر طهران صاحبة التأثير الرئيسي على الحكومة العراقية، وخصوصا في ملف النفط، إذ ظهر الدور والتأثير الإيراني على الجانب العراقي في ملف النفط في اجتماعات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ومساعي خفض الإنتاج. ويأتي التساؤل الأهم والأخير: هل هناك علاقة بين زيارة وفد عسكري لبناني لمصر وإمكانية تسليح مصر للجيش اللبناني، وتوقيع مصر اتفاقية مع العراق بإمداد بغداد للقاهرة بمليوني برميل نفط شهريا بموافقة ضمنية إيرانية؟ «5» انطلاقا مما طرح سابقا في مقال بجريدة "التحرير" بعنوان (السيسي وحسن نصر الله والحريري) بتاريخ 2 نوفمبر 2016، وما تم طرحه خلال هذا المقال يمكننا القول إن جزءا من الترتيبات الخاصة بوصول الرئيس ميشيل عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية، جاء ملف الأوضاع الأمنية وعلى رأسها تسليح الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلية بعد وقف المملكة العربية السعودية تسليح الجيش اللبناني، بأن تقوم الدولة المصرية بتعويض الجانب اللبناني بمزيد من صفقات السلاح للجيش اللبناني كجزء من مشهد أكبر وأوسع، يدخل في صفقة النفط العراقية بجانب تسليح الجيش العراقي واللبناني بموافقة ضمنية من قبل الأطراف اللبنانية المختلفة وإيرانوروسيا، فهل يمكن أن يمتد هذا الأمر لمزيد من التقارب المصري الإيراني والروسي؟ أم أنه شكل جديد للسياسية الخارجية المصرية ينطلق من احتياجات مصر ومهددات أمنها القومي؟ هذا ما يمكن الإجابة عنه لاحقا.