تشهد العلاقات الخليجية اللبنانية تطورًا سريعًا في وتيرة الأزمة الجارية، حيث أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية رفع حالة "التحذير من السفر" إلى لبنان إلى "منع السفر"، بجانب تخفيض أفراد البعثه الدبلوماسية في بيروت إلى حدها الأدنى، وتزامن التحذير الإماراتي بمطالبة المملكة العربية السعودية من جميع المواطنين السعوديين عدم السفر إلى لبنان حرصًا على سلامتهم، كما طلبت من المواطنين المقيمين أو الزائرين للبنان المغادرة وعدم البقاء هناك، ويأتي القرار السعودي-الإماراتي، في أعقاب إعلان المملكة العربية السعودية عن وقف مساعدتها المقررة للجيش اللبناني، التي تقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني، بجانب مليار دولار لقوى الأمن الداخلي، وتباينت التحليلات السياسية حول أبعاد القرار السعودي، فهل يرتبط بموقف الدولة اللبنانية التي امتنعت عن التصويت على قرار جامعة الدول العربية الصادر في 11 يناير الماضي لإدانة الاعتداءات من قبل مواطنين إيرانيين على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد بإيران؟ بجانب تصريحات السيد حسن نصر تجاه المملكة العربية السعودية؟ أم هل هي رسالة غير مباشرة لمصر؟ على خلفية تصريحات وزير الخارجية المصري السيد سامح شكري الذي أكد حتمية الحل السياسي للأزمة السورية، وعدم التدخل العسكري من قبل مصر في سوريا، وتأكيده أن الموقف السعودي بالتدخل العسكري بجانب تركيا هو خاص بالمملكة العربية السعودية وحدها، فهل يمكن للملكة العربية السعودية أن تفعل نفس الموقف بوقف المساعدات مع مصر في حالة إصرار الجانب المصري على الحل السياسي للأزمة السورية وعدم الدفع بقوات عسكرية مصرية في سوريا؟ سعت المملكة العربية السعودية والعديد من الدول الخليجية إلى تقديم دعم لمصر منذ يوليو 2013 الذي تجاوز 20 مليار دولار بجانب 4 مليارات دولار ودائع في البنك المركزي، بجانب منح نفطية ومشروعات تنموية تقدر بنحو 2 مليار دولار بنهاية عام 2015، وهي مواقف طيبة من قبل الدول الخليجية ولكن هناك اختلافًا بين الدعم السعودي لمصر وباقي الدول الخليجية، فيمكن تفسير الدعم الكويتي لمصر كنوع من رد الجميل للدور المصري في تحرير الكويت، ويمكن فهم الدعم الإماراتي لمصر في نقطتين الأولي: اعتبار الميليشيات المسلحة في المنطقة التهديد الأول للأمن القومي لمصر والإمارات، بجانب الاتفاق على تهديد وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في دول المنطقة، والنقطة الثانية: وهي تخص دولة الإمارات التي ترى أهمية لعودة الدور المصري في الإقليم، حتى يحدث توازن مع المملكة العربية السعودية، فمن حيث الظاهر هناك ارتباط بين المملكة العربية السعودية والإمارات، ولكن من حيث المضمون هناك محاولة من المملكة للهيمنة علي القرار الخليجي، بجانب تزايد الأزمات السعودية الداخلية والخارجية التي تنعكس على الداخل الإماراتي، وهو ما يدفع دولة الإمارات لدعم الدور المصري لإحداث حالة من التوازن الإقليمي، سواء على المستوي العربي مع المملكة العربية السعودية أو مع إيرانوتركيا. وبالنسبة للدعم السعودي لمصر فهو يعتمد على نقطتين، الأولى: اعتماد سياسية (الطفو)، فليس من مصلحة المملكة العربية السعودية أن (تغرق) الدولة المصرية ولكن أيضًا ليس من مصلحتها أن (تعوم) الدولة المصرية، وما بين الغرق والعوم هو الطفو، بمعنى أدق أن تظل الدولة المصرية كما هي ما بين النهوض والانهيار، والنقطة الثانية: هو استشعار المملكة العربية السعودية تراجع الاهتمام الأمريكي بالمملكة العربية السعودية في وقت تنازل الأمريكان عن بعض حلفائهم (مبارك نموذجًا) وهو ما يمكن أن يحدث من قبل الأمريكان تجاه المملكة العربية السعودية في حالة حدوث أزمات داخلية، بجانب حدوث تقارب أمريكي إيراني لم تشهده العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدةوإيران منذ قيام الدولة "الإسلامية الإيرانية" 1979، ويأتي هذا كله في وقت تشهد المملكة العربية السعودية على المستوى الداخلي مرحلة نقل السلطة لأحفاد الملك عبد العزيز، الذي لم يحسم لمَن مِن (المُحمدَيْن)، كل ذلك دفع المملكة إلى تقديم الدعم المالي والسياسي لمصر، ودفع أيضًا المملكة لإعادة استخدام ورقة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي في المنطقة، وهو ما يختلف عن موقف الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وهو ما جعل الفجوة المصرية السعودية تتزايد. وفي محاولة لاختبار الجانب المصري من قبل المملكة العربية السعودية (باستخدام سياسة التحفيز) بإعلان المملكة العربية السعودية عن حزمة مساعدات لمصر تصل إلى أكثر من 30 مليار ريال سعودي (8 مليارات دولار)، عبارة عن استثمارات مباشرة بجانب تلبية احتياجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات، في محاولة لضمان موافقة مصر على المشاركة في التحالف الإسلامي والتدخل في سوريا، ولكن مع استمرار مصر على موقفها بالتمسك بالحل السياسي للأزمة السورية، يمكن أن يدفع المملكة بإلغاء حزمة المساعدات المعلن عنها أخيرًا، فالمملكة العربية السعودية تعلم أن وقف الدعم عن لبنان الذي يقدر ب4 مليارات دولار يمكن لإيران وروسيا أن تعوض الدولة اللبنانبة بأكثر من طريق بهذا المبلغ، خصوصًا بعد رفع العقوبات عن إيران، وبدء تدفق النفط الإيراني للعالم، ولكن تعلم المملكة العربية السعودية أن بدائل مصر لتعويض المساعدات السعودية ضعيفة، في وقت لا توجد فيه علاقات مصرية إيرانية، وتزايد العداء التركي لمصر، وضعف قدرات الاقتصاد المصري على النهوض السريع، كل ذلك دفع المملكة العربية السعودية إلى إرسال رسالة لمصر عبر لبنان مضمونها لا مجال لعدم دعم السعودية في سوريا وأمام إيران، فهل يمكن للدولة المصرية أن تقبل تلك الرسالة؟ أعتقد أن مصر تمتلك الكثير من الأوراق السياسية تجعل هذه الرسالة غير المباشرة ليس لها فائدة، كيف؟