الثورة حدث يغير مسار التاريخ ، فما كان قبل الثورة يجب أن يختلف عن ما بعدها .. فهي تحدث في مجتمع تسوده علاقات ظالمة ويعم فيه فساد يكاد يكون شامل، بحيث تكون حرية السواد الأعظم من أفراده غير مصانة.. ضائعة.. أو أن تكون مجرد شعار يرفعه من يقمع هذه الحرية، وليس الظلم عندما يعم يكون عدل كما يشيعه الظالمون، إنما يكون أحد أسباب ثورة العوام لرفع هذا الظلم .. والظلم هنا هو تلك العلاقات الظالمة التي تسود المجتمع فتجعل من الفرد أو الصفوة أسياد يحكمون الجماهير الغفيرة ويقودوهم كقطعان من الغنم، ولا ذنب لهم إلا انهم رضوا بهذا الوضع أو ارتضوه لأنفسهم، وتلك الطبقة التي تسرق عرق العمال وصغار الفلاحين والموظفين وتحرم أفراد المجتمع من حاجاتهم الأساسية لغرض استعبادهم، حيث في عدم الحاجة تكمن الحرية، وفي الحرية تكمن السعادة .. والظلم هو أن تكون هذه الطبقة مميزة عن طبقات المجتمع بالسعادة والحرية، مقابل سلب سعادة الآخرين وحريتهم. ثار المصريون في 25 يناير لأنهم يحلمون.. للفقير قبل الغني .. بكوب مياه نظيف وغير ملوث .. بأن يحصل على غذائه اليومي دون مواد مسرطنة تأكل أمعاءه .. بأن يستنشق هواءاً نقي من دون تلوث .. بأن يتلقى العلاج بتشخيص طبي سليم ويحصل على دواء فوري فعال وفي متناول الجميع .. بأن تعليم أطفاله الأساسي يسلحهم بالفكر والعلم ويربي فيه الإبداع والحوار وإحترام الأخر، ويغرس فيه حب الوطن والعطاء له دون أن ينتظر منه مقابل، تعليم يهتم بالكيف لا بالكم .. بأن يسكن مسكناً نظيفاً .. بأن يكون حق النساء مكفول في العمل وركوب المواصلات العامة دون تحرش أو إيذاء بدني أو لفظي، ومعاملة كريمة على أنهن نصف المجتمع .. بأن لا يتعرض للإهانة من رجل الأمن ولا يظلمه أحد ولا تلفق له القضايا ولا يحتجز في السجون أو في المعتقلات لرأيه السياسي أو الفكري .. بأن يكون في مأمن على حياته وماله، وأن لا يتعرض للإهانة والبلطجة .. بأن يكون للجميع مأوى، والقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع وضمان حياة كريمة لهؤلاء الأطفال .. بأن يكون الطريق أمن لا تسفك عليه دماء الأبرياء جراء حوادث السيارات .. بأن يكون القضاء عادل ومستقل لا تتدخل في شئونه حكومة أو سلطان .. بأن تكون مصر خالية من الفساد والرشاوى والمحسوبية .. بأن يجد كل غير قادر على العمل حد أدنى للدخل يسمح له بحياة كريمة .. بأن يكون هنا نظام سياسي يحترم حقوق الإنسان ويؤمن بتداول السلطة والمحاسبة ويقوم على أهل الخبرة والكفاءة لا أهل الثقة ويؤمن باحتواء كافة أبناء الوطن لا إقصاء طائفة على أساس الدين أو الجنس .. بأن يدعو رجل الدين لترسيخ الوحدة الوطنية ولا يحرض على القتل والكراهية والعنصرية، ويشجع على العلم والبناء والتحديث لا التقليد والجمود والهدم .. بأن تكون الدراسة في الجامعات والمعاهد متناسقة مع متطلبات سوق العمل واحتياجات مصر الحقيقية .. بأن تكون مصر دولة إنتاج لا إستهلاك وتأتي في الصدارة بين دول العالم على مستوى كفاءة سوق العمل والصحة والتعليم والإقتصاد الكلي والإبتكار والمؤسسات والبنية التحتية .. بأن يكون حاضر مصر ومستقبلها يليق بماضيها البعيد وحضارتها. على مدار عامين ونصف من ثورة 25 يناير لم يتحقق من كل هذا سوى شيئاً واحداً وهو «الحرية» التي حرم منها المصريون ستون عاماً كانت سبباً كافياً لما جرى بمصر من تأخر وتخلف عن العالم طوال تلك الفترة الطويلة.. فكانت الحرية هي المكتسب الوحيد من مكتسبات الثورة وهي السبب الرئيسي للوصول بالإخوان وحكمهم إلى 30 يونيو التي يدعي البعض أنها قامت ضد ثورة 25 يناير.. والحقيقة أن الداعين ل30 يونيو بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هم شباب مصر الذين أنجبتهم ثورة يناير. «باسم يوسف»، .. هو أحد أهم ما أنجبتهم ثورة 25 يناير من أحرار .. فهو الذي إستثمر الحرية ودافع عنها وظل حامياً لها من خلال برنامجه الساخر الناجح منذ اللحظة الأولى حيث بدأ موسمه الأول من البرنامج على قناة «أون تي في» كإعلامي ساخر على الإعلاميين أنفسهم.. ثم أنهى موسمه الثاني على قناة «سي بي سي» كإعلامي ساخراً على سخرية الجميع. بعد 30 يونيو ومع نهاية الموسم الثاني من البرنامج الذي يقدمه «باسم يوسف» والتي حالت الظروف بينه وبين الإسراع في بدأ الموسم الثالث حيث كانت الأكفان ترفع بأعداد هائلة كل يوم خاصة بعد ما حدثت من مجازر في رابعة، ثم تبعها وفاة السيدة الفاضلة والدته رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.. حتى بدأ الموسم الثالث في 25 أكتوبر فكانت تلك الأربعة أشهر الماضية كاشفة وفاضحة وكانت مصدر قلق لكثير من المدافعين عن الحريات وخاصة حرية الرأي والتعبير، حيث لم يعد النقد كما كان قبل 30 يونيو والكثير من الإعلاميين ألقوا بأنفسهم في أحضان السلطة الحاليه، فبعضاً منهم فعلوا هذا بدافع الوطنية لأن الجيش في الصورة الكبيرة بقائده.. والبعض الأخر فعلوا هذا بدافع الخوف من المجهول خاصة في ظل فرض حالة الطوارئ.. إلا قليلاً ممن رحم ربك ظلوا على عهدهم ودافعوا عن حرية رأيهم. كانت الحلقة الأولى من الموسم الثالث لبرنامج «باسم يوسف» قوية وكاشفة.. فهي تستمد قوتها من الإصرار على الحفاظ على المكتسب الوحيد لثورة 25 يناير وهو الحرية والدفاع عنها مهما كانت الظروف التي تمر بها مصر من توترات، كما أنها كانت رداً قوياً على كل من تشفى في 30 يونيو من محاولات لقمع الحريات.. وكاشفة لأننا ببساطة يمكن أن نلخص الحلقة في جملتين واضحتين: ( إننا لن نشارككم في صنع ألهة جديدة .. وإن صنعتموهم أنتم فلن نسجد لهم ) فتحية لأبناء ثورة 25 يناير الصامدين والمدافعين عن الحرية رغم الظروف الصعبة ... وتحية خاصة وكبيرة للغاية لمن أعاد لنا البهجة ليلة أمس.