الثورة.. حدث يغير مسار التاريخ ، فما قبل الثورة يجب أن يختلف عن ما بعدها .. فهي تحدث في مجتمع تسوده علاقات ظالمة ويعم فيه فساد يكاد يكون شامل ، بحيث تكون حرية السواد الأعظم من أفراده غير مصانة.. ضائعة.. أو أن تكون مجرد شعار يرفعه من يقمع هذه الحرية، وليس الظلم عندما يعم يكون عدل كما يشيعه الظالمون ، إنما يكون أحد أسباب ثورة هذه الجماعة لرفع هذا الظلم .. والظلم هنا هي تلك العلاقات الظالمة التي تسود المجتمع ، فتجعل من الفرد أو الصفوة هم أسياد يحكمون، الجماهير الغفيرة ويقودوهم كقطعان من الغنم، ولا ذنب لهم إلا انهم رضوا بهذا الوضع أو ارتضوه لأنفسهم، وتلك الطبقة التي تسرق عرق العمال وصغار الفلاحين، وتحرم أفراد المجتمع من حاجاتهم الأساسية لغرض استعبادهم، حيث في الحاجة تمكن الحرية، وفي الحرية تكمن السعادة .. والظلم هو أن تكون هذه الطبقة مميزة عن طبقات المجتمع بالسعادة والحرية، مقابل سلب سعادة الآخرين وحريتهم. ثار المصريون بحثاً عن قائد حقيقي للأمة يستطيع أن يجعل من أحلام شعبه البسيطة والمشروعة واقعاً ملموس وحقيقة مرئية.. لا يريدوا برامجاً ووهمية، ولا يريدوا كلاماً إنشائياً ومَكلَمات.. كفاهم.. ثاروا لأنهم يحلمون.. للفقير قبل الغني .. بكوب مياه نظيف وغير ملوث .. بأن يحصل على غذائه اليومي دون مواد مسرطنة تأكل أمعاءه .. بأن يستنشق هواء نقي دون تلوث .. بأن يتلقى العلاج بتشخيص طبي سليم ويحصل على دواء فوري فعال وفي متناول الجميع .. بأن يكون تعليم أطفاله الأساسي يسلحه بالفكر والعلم ويربي فيه الإبداع والحوار وإحترام الأخر، ويغرس فيه حب الوطن والعطاء له دون أن ينتظر منه مقابل، تعليم يهتم بالكيف لا بالكم .. بأن يسكن مسكناً نظيفاً .. بأن يكون حق النساء مكفول في العمل وركوب المواصلات العامة دون تحرش أو إيذاء بدني أو لفظي، ومعاملة كريمة على أنهن نصف المجتمع .. بأن لا يتعرض للإهانة من رجل الأمن ولا يظلمه أحد ولا تلفق له القضايا ولا يحتجز في السجون أو في المعتقل لرأيه السياسي أو الفكري .. بأن يكون في مأمن على حياته وماله، وأن لا يتعرض للإهانة والبلطجة .. بأن يكون للجميع مأوى، والقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع، وبحياة كريمة لهؤلاء الأطفال، والقضاء على هذه الظاهرة المشينة .. بأن يكون الطريق أمن، لا تسفك عليه دماء الأبرياء جراء حوادث السيارات .. بأن يكون القضاء عادل ومستقل لا تتدخل في شئونه حكومة أو سلطان .. بأن تكون مصر خالية من الفساد والرشاوى والمحسوبية .. بأن يجد كل غير قادر على العمل حد أدنى للدخل يسمح له بحياة كريمة .. بأن يكون هنا نظام سياسي يحترم حقوق الإنسان ويؤمن بتداول السلطة والمحاسبة، يقوم على أهل الخبرة والكفاءة لا أهل الثقة، ويؤمن باحتواء كافة أبناء الوطن لا إقصاء طائفة على أساس الدين أو الجنس .. بأن يدعو رجل الدين لترسيخ الوحدة الوطنية ولا يحرض على القتل والكراهية والعنصرية، ويشجع على العلم والبناء والتحديث لا التقليد والجمود والهدم .. بأن تكون الدراسة في الجامعات والمعاهد متناسقة مع متطلبات سوق العمل واحتياجات مصر الحقيقية .. بأن تكون مصر دولة إنتاج لا إستهلاك وتأتي في الصدارة بين دول العالم على مستوى كفاءة سوق العمل والصحة والتعليم والإقتصاد الكلي والإبتكار والمؤسسات والبنية التحتية .. بأن يكون حاضر مصر ومستقبلها يليق بماضيها وحضارتها. هذا ما تعهد بتحقيه الرئيس الذي يدعي دائماً أنه قادم من الميدان. هل حاول الرئيس تحقيق من كل هذا ولو شيئاً واحداً ؟ هل حاول الرئيس أن يعمل على إصلاح مؤسسي شامل لأجهزة الدولة بما فيها مرفق القضاء والقطاع الحكومي والمحلي ؟ هل حاول الرئيس إصلاح النظام السياسي المبني على القيم الديمقراطية والمحكوم بضوابطها؟ هل حاول الرئيس التوافق على الكيان الدستوري ترضى عنه كل فئات الدولة ؟ هل هذه الحكومة تستطيع أن تحقق التنمية الشاملة المستدامة ؟ هل هذه الحكومة قدمت برنامجاً للإصلاح البشري الذي يستهدف جودة التعليم والصحة ؟ هل هذه الحكومة خطت خطوة واحدة نحو الإصلاح الإقتصادي الكلي الذي يشمل معالجة العجز المالي والتضخم وزيادة معدلات المدخرات الحكومية وتقليص الدين الحكومي ؟ هل هذه الحكومة قدمت رؤية نحو الإبتكار والتطوير التكنولوجي والبنية التحتية ومناخ الإستسمار ؟ هذا كله فشل الرئيس وحكومته من تحقيقه .. بل إنهم أزادوا جراح هذا الوطن عمقاً. إذاً فلماذا تندهش من إستمرار الثورة على النظام الجديد رأيساً وحكومة وقد فشلوا تماماً في تحقيق أياً من أهداف الثورة أو حتى الحفاظ على ما تبقى من دولة !