كثر الحديث عن وساطات لإجراء مصالحة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين، كل ساعة يخرج علينا من يصرح بأنه يعد لمبادرة مصالحة، يقول إنه أجرى اتصالات بطرفى الأزمة، الدولة المصرية والجماعة، يؤكد أن لديه موافقات مبدئية على ما طرحه من أفكار، بل إن هناك من أكد أنه رفض طلب قادة المؤسسة العسكرية بعقد لقاء معه لبحث فكرة المصالحة، وأنه رفض اللقاء لأن تحالف «دعم الشرعية» رفض ذلك. والحقيقة أن هذا الحديث يمثل إهانة بالغة للدولة المصرية ويضرها أشد الضرر، فمن ناحية ينبغى وقف أى حديث عن المصالحة، لأن الدولة ببساطة لا تدخل فى حوارات مع جماعات، إلا إذا كانت دولة ضعيفة وهشة، ومصر ليست كذلك. أيضا فإن حديث المصالحة يأتى من قِبل شخصيات محسوبة على تيار الإسلام السياسى والهدف هنا هو محاولة الإيحاء بعجز الدولة ومؤسساتها، والتسليم بأن الجماعة وتنظيمها الدولى نجحت فى إرهاق الدولة المصرية، ومن ثم فإن الأخيرة تطلب الوساطات من أجل إقناع الجماعة بوقف عمليات الاحتجاج وتسيير المظاهرات. وفى تقديرى أن الدولة المصرية تتميز عن غيرها من دول المنطقة بأنها دولة مركزية قوية، وأن هذه الدولة تفرض سيطرتها على أراضيها بشكل كامل، ولم تنجح جماعة فى كسر إرادة الدولة المصرية، قد تضعف الدولة، قد تترهل وتتراجع مكانتها، لكنها سرعان ما تستعيد قدرتها على السيطرة على أراضيها. تزايد الحديث اليوم عن «المصالحة» يمثل محاولة لضرب مركز قوة الدولة المصرية، هو مخطط التنظيم الدولى الذى يجرى الترويج له عبر الإشاعة بضعف ووهن الدولة المصرية، وأن الجماعة وتنظيمها الدولى نجحوا فى إرهاق الدولة المصرية، ومن ثم فإن الدولة المصرية تطلب الوساطة والجماعة ترفض ذلك (حسب قول رئيس حزب الوطن السلفى، مساعد مرسى، الدكتور عماد عبد الغفور)، بل إن الجماعة رفضت مبادرة الدكتور أحمد كمال أبو المجد، متهمة إياه بالانحياز إلى جانب الدولة المصرية وقدمت مجموعة من الأسماء تقبل الحديث معهم أو تمثيلها فى اللقاءات والحوارات، وهو موقف يكشف عن حالة من الغطرسة والغرور ما كان يمكن أن تصل الجماعة إليهما دون وجود المرتعشة أياديهم داخل الحكومة، ودون تلاعب بعض الشخصيات التى كشفت الجماعة عن ارتباطها بها فكريا وأيديولوجيا. حديث المصالحة يمثل إهانة بالغة للدولة المصرية، فالدولة لا تتفاوض مع جماعات، بل تفرض سيطرتها وتبسط سيادتها على أراضيها، والدولة القوية لا تتفاوض مع جماعات إرهابية أو داعمة للإرهاب، بل تفرض القانون أولا، ولا تصالح مع سافكى الدماء ومن مارسوا الإرهاب أو شجعوا عليه، لا تصالح مع من يقتلون ضباط مصر وجنودها ويحرضون على جيشها، لا تصالح مع من تلطخت أياديهم بدماء المصريين، لا تصالح مع من يكرهون الدولة المصرية ويقدمون الولاء المطلق للتنظيم الدولى على حساب الدولة المصرية، لا تصالح مع من يحتفلون بأزمات مصر وانتكاساتها. القضية فى جوهرها لا تتعلق بمصالحة بين أحزاب أوقوى وتيارات سياسية، فهو أمر ممكن وجائز، لكن الحديث اليوم يدور حول مصالحة بين الدولة المصرية وجماعة هى جزء من تنظيم دولى، وصّلت مرشحها إلى الرئاسة عبر انتخابات مثيرة للجدل، وسعى خلال سنة حكمه إلى تمكين تنظيمه من السيطرة على مؤسسات الدولة وعمد إلى تفكيك وإعادة بناء هذه المؤسسات على نحو يخدم أهداف التنظيم الدولى بالاتفاق مع قوى دولية معادية لمصر والمصريين، ثار الشعب المصرى وخرج أكثر من 30 مليون مصرى ومصرية يطلبون خلع مرسى، وهو ما تم بالفعل، ردت الجماعة بالعنف والعمليات الإرهابية فى محاولة لكسر إرادة الدولة المصرية، وهو ما لم يتحقق، تقلصت قدرة الجماعة على تسيير المظاهرات وقطع الطرق، وفى الوقت الذى تتواصل فيه عمليات تطبيق خريطة الطريق بنجاح، وتفكك الموقف الدولى الرافض لثورة 30 يونيو، ظهر حديث المصالحة الذى يحاول أن يبعث برسالة مؤداها أن الجماعة نجحت فى كسر إرادة الدولة المصرية، وأن الأخيرة تبحث عن مصالحة مع الجماعة وتنظيمها الدولى الذى يدير المعركة ضد الدولة المصرية من تركيا وقطر. لا لم تضعف الدولة ولم تهن، ولا نجح التنظيم فى كسر إرادة المصريين، فليتوقف وسطاء الدم عن محاولاتهم، لأن مصر لم ولن تسقط أمام تنظيم لا يشغل الوطن مساحة فى فكره، ويتصور أن لديه القدرة على تركيع الدولة المصرية، المهم هنا أن نرى حكومكة قوية عفية ترتقى إلى مستوى مواقف وتطلعات المصريين.