أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025 بأسواق الأقصر    الجدل يتجدد في أمريكا حول إلغاء التوقيت الصيفي واعتماد توقيت دائم    نائب أردني سابق: الخلافات الفلسطينية ليست جديدة لكنها اليوم أمام مفترق تاريخي حاسم    انتخابات مجلس النواب 2025.. تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تعلن أسماء مرشحيها    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء المصرية إلى شمال سيناء    تباين طفيف في أسعار الدولار بين المواقع المصرفية يعكس استقرار السوق    تداول 13 ألف طن و604 شاحنات بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    انطلاق منتدى البرلمانيين العربى الآسيوى للسكان والتنمية برئاسة القصبى    "سنودس النيل الإنجيلي" في مؤتمر مجلس الكنائس العالمي: مصر أرض الإيمان والسلام    إسرائيل تستعد لاستقبال جثماني محتجزين قُتلا في غزة    قناة كان الإسرائيلية: الشرطة تستعد لاحتمال تسليم حماس جثتي أسرى إسرائيليين    الكرملين: تصريحات بوتين وترامب لا تنفي إمكانية عقدهما قمة ثانية    وزارة الخارجية تحتفل بالذكرى الثمانين لإنشاء الأمم المتحدة    توروب: انتظروا أداء عالمي المستوى من الأهلي    سلوت عن تراجع أداء محمد صلاح: فترة صعبة علينا جميعًا    سيدات طائرة الأهلي يواجهن المقاولون في افتتاح بطولة دوري المرتبط    محافظ أسيوط يشدد على إزالة الإشغالات والتعديات لتحقيق الانضباط    المرور يضبط 100 ألف مخالفة و93 متعاطيا للمخدرات خلال 24 ساعة    جمارك مطار أسيوط تضبط تهريب كمية من مستحضرات التجميل    أمن القاهرة يوجه ضربات حاسمة لعصابات السرقة    "الداخلية" ضبط 13 شركة ببني سويف للنصب علي راغبي السفر إلي الخارج    فيلم "فيها إيه يعني" يتراجع ويحتل المركز الثاني في شباك التذاكر    «عام أم كلثوم».. شعار يضىء فعاليات مهرجان الموسيقى العربية فى نسخته ال33    هدية مصر للعالم.. «المتحف الكبير» أيقونة تروي مجد الحضارة المصرية    صحة سيناء: تشكيل لجنه لمراجعة آليات الجرد وإعادة تخزين الأدوية    وزارة الصحة تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية    نائب وزير الصحة يوجه بإحالة مدير مستشفى حلوان العام إلى الشئون القانونية    «التأمين الشامل» يواصل تسجيل وتحديث بيانات المواطنين في أسوان لضمان وصول الخدمات لكافة الأسر    من العدم إلى الخلود.. الداعية مصطفى حسني من جامعة القاهرة: الإنسان يمر ب4 مراحل (تفاصيل)    جذوره تعود لآل البيت.. من هو إبراهيم الدسوقي بعد تعليق الدراسة أسبوعًا بسبب مولده؟    عالم أزهري: أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى تكرارًا في القرآن هما الرحمن والرحيم    مصر تؤكد التزامها الكامل بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة فى ذكرى تأسيسها ال80    إعدام 187 كيلو مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك خلال حملات تموينية في أسوان    إصابة شاب في تصادم سيارة بسور استراحة محافظ مطروح    وزير التعليم العالي: انضمام مصر إلى "هورايزون أوروبا" يعزز موقعها الدولي في منظومة البحث    بعثات أثرية فرنسية وإيطالية تواصل أعمالها فى مناطق آثار الفيوم    أبراج تشارك حياتها الخاصة مع متابعيها على السوشيال ميديا.. أبرزهم برج الحمل    قاذفات بي-1 الأمريكية الأسرع من الصوت تحلق قرب ساحل فنزويلا    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. وحكم الاستماع إليها من الهاتف    سر ساعة الإجابة يوم الجمعة وفضل الدعاء في هذا الوقت المبارك    أفضل الأدعية والأذكار المستحبة في يوم الجمعة وفضائل هذا اليوم المبارك    أشعل سيجارة أثناء تفريغ البنزين.. حريق ورشة بالعجوزة يودي بحياة سيدة وابنتها ويصيب الزوج بحروق    أوسكار رويز يطير للإمارات 4 نوفمبر لحضور مباريات السوبر المصرى    وزيرة التنمية المحلية: إزالة أدوار مخالفة في حي الزيتون بالقاهرة واتخاذ إجراءات قانونية حازمة تجاه المخالفين    الوزير: افتتاح مصنع جديد في صناعة الضفائر الكهربائية للمركبات قريبا    مجلة فوربس: رئيس الرعاية الصحية ضمن أبرز 10 قادة حكوميين بالشرق الأوسط لعام 2025    وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    قبل مواجهة إيجل البوروندي.. توروب يعالج الثغرات الدفاعية للأهلي    «النيابة الإدارية» تشرف على انتخابات «الزهور» بالتصويت الإلكتروني    هل تم دعوة محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يحسم الجدل    الأزهر يجيب.. ما حكم صلاة المرأة بالبنطلون ؟    آخر فرصة للتقديم لوظائف بشركة في السويس برواتب تصل ل 17 ألف جنيه    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    قيادي بتيار الإصلاح الديمقراطي الفلسطيني: الحضور الدولي في شرم الشيخ يعزز فرص الاستقرار    «مبحبش أشوف الكبير يستدرج للحتة دي».. شريف إكرامي يفاجئ مسؤولي الأهلي برسائل خاصة    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاتم حافظ يكتب: روايتان عن انتصار 1967
نشر في التحرير يوم 08 - 10 - 2013

رغم أن نكسة 1967 شكَّلت علامة فارقة فى التاريخ المصرى وفى تاريخ المصريين أيضا، إن لم يكن العرب عموما، فإن قلة الروايات التى استدعت الحدث تمثل علامة لافتة للانتباه، خصوصا فى الرواية المصرية، باعتبار أن مصر كانت المعنية بالحدث، فباستثناء مجموعتَى نجيب محفوظ «تحت المظلة» و«خمارة القط الأسود» وروايته «الكرنك» (الأخيرة نُشرت فى عام 1974) فضلا عن روايتَى الغيطانى «أوراق شاب عاش ألف عام» التى نُشرت أواخر عام 1969 والقعيد «الحداد» التى نُشرت بعدها بشهور، لن يمكننا معرفة لماذا صمت الجميع عن النكسة. وإن كان هذا الصمت السردى وازاه هدير لما سمى فى ما بعد شِعْر المقاومة. وفى ظنى أن سبب الصمت يمكن قراءته فى ضوء الصدمة التى خلقها حادث 67، وهى صدمة كان شِقَّى رحاها المتخيَّل والواقع، ذلك أن الصدمة لم تكن بفعل هزيمة الجيش وإنما بفعل الفارق الكبير بين ما كان جيل الثورة يتخيله عن نفسه وعن ثورته وعن قيادته الثورية وبين ما اكتشفه كواقع حقيقى حين وضعه يوم 5 يونيو فى مواجهته. ولأن السرد يلزمه موقف من العالم يأتى بعد طول جهد لم تكن اللحظة شديدة الاضطراب مواتية للسرد بسبب الإحساس العام بأنه ليس ثمة من أرض تحت الأقدام.
ورغم اضطراب اللحظة فإن صوتين قادمين من قلب ساحة المعركة (حتى وإن لم تكن هناك معركة بالمعنى الحقيقى) تمكَّنا من صنع سردية، تفصح رغم إرادة الإخفاء، وتُخفى رغم إرادة الكلام. ذلك أن الروايتين اللتين أرادتا أن تَسردا الهزيمة كشفتا على نحو رائع عن سرد الانتصار لا عن سرد الهزيمة. ففى الروايتين اللتين تفضَّلت دار الشروق بنشرهما ضمن مشروعها المهم «نصوص متميزة» وهما «الأسرى يقيمون المتاريس» لفؤاد حجازى، و«خطوات على الأرض المحبوسة» لمحمد حسين يونس، سرد يحكى عن نكسة يونيه ولكنه يحكى أيضا عن النصر الذى انطوت عليه اللحظة/ النكسة رغم اضطرابها.
الروايتان تتحدثان عن حادث واحد وهو وقوع عدد من الجنود المصريين أسرى فى يد الجيش الصهيونى، حيث تم ترحيلهم إلى معتقل «عتليت»، فى قرية بجوار حيفا على البحر المتوسط، وبقاؤهم لعدة شهور فى الأَسْر. والروايتان تعدان شهادتين لاثنين ممن تم أسرهم بالفعل، أى أن الكاتبين لم يكتبا روايتيهما كتخييل ولكن كسيرة ذاتية، وإن كانت رواية حجازى تكاد تكون تخييلا رغم أنها لا تحيد عن الواقع أبدا، ذلك أن فؤاد حجازى روائى فى المبتدأ وفى المنتهَى، وفى رأيى أن روايته «الأسرى يقيمون المتاريس» كانت حَريَّة بأن تجعل منه واحدا من أهم روائيينا.
وبينما تنشغل رواية حجازى -ربما لأنه روائى بالأساس- بما تفعله النكسة بالجنود كآدميين، تنشغل رواية يونس بالسؤال: لماذا؟ كما لو أن حجازى يجيب عن سؤال الكيفية، بينما يسأل يونس عن تفسير لما حدث، رغم أن سؤالَى ال«كيف» وال«لماذا» حاضران بلا شك فى اللحظة نفسها.
رواية حجازى تنشغل أكثر بالتفاصيل، هنا يمكننا معرفة الأغنيات التى كان الجنود المصريين يَحتَمُون بها من الانكسار، يمكننا معرفة أن ثمة شخصا ضخما يُدعى إبراهيم يفضّل شعره مهوشا ويجد انبساطا كبيرا فى تدخين الشيشة، خصوصا البورى البورسعيدى، وأن آخَر يُدعى أحمد، معجبانى ويدفع الحساب بأريحية. بينما فى رواية يونس لن يمكننا ذلك، لا لأنه كان زاهدا فى ذلك، ولكن لأن انشغال الرواية كان بالأساس بالعلاقة الأيديولوجية بين الجنود الأسرى وبين آسريهم الصهاينة، وعمليات غسل المخ التى كان الصهاينة يقومون بها ليل نهار وفق استراتيجية مدروسة يفطن إليها يونس نفسه كشخص مثقف. كذلك لأن يونس ينشغل بالكشف عن أسباب النكسة، بداية من الأخطاء المربكة على خط النار فى سيناء، وتخبُّط التعليمات، مرورا بالخطة المحكمة التى باغت بها العدو جيشنا، وانتهاء بالعودة مرة أخرى لمصر والتلويح بأن ثمة تداركا للأخطاء فى طريقه للتحقق، بما يؤهل للنصر الذى جاء به عام 1973. ولذلك فإن رواية حجازى لن يكون بها هذا القدر المبالَغ فيه من المناقشات، سواء تلك التى تدور فى عقل الراوى الأسير، أو تلك التى تدور بينه وبين آسريه. فإن رواية حجازى تنشغل بالمتخيَّل فى رأيى بقدر ما تنشغل رواية يونس بالأيديولوجى.
ورغم اختلاف الروايتين فإنهما سوف يسربان إلى قارئهما إحساسا بأن المصريين لم يُهزموا فى 67، لأن كفة الصراع وإن كانت تميل عسكريا إلى صالح الآسِر فإنها كانت تميل حضاريا إلى صالح الأسير. لقد كانت شهور الاعتقال حربًا أخرى بين طرف يحاول إقناع الآخر بأنه قد هُزم فى المعركة وبين طرف يحاول أن يُفهِم الآخر أن المعركة لم تنتهِ بعد، وأن شعبا لديه كل هذا الموروث الحضارى لا يمكن هزيمته من أمة تشبه الأمم ومن دولة تشبه الدول فحسب، كدولة إسرائيل.
يشهد حجازى ويونس فى روايتيهما بأن الجنود المصريين حين رفض الإسرائيليون مطالبهم فإنهم سرعان ما نظموا أنفسهم فى ما يشبه المظاهرة وعَلَت الهتافات «ناصر.. ناصر»، حتى بعد أن أذاعت الإذاعة الداخلية من «عتليت» بيان التنحى فإن المصريين شددوا على تمسكهم بعبد الناصر كرمز لمصر لا كقائد مهزوم، مما أغاظ الإسرائيليين، حيث مثَّل هذا الهتاف، الذى كان له مثيل فى مصر وبعض الدول العربية، رغبة فى الإبقاء، لا على عبد الناصر، وإنما على مسار المعركة، لأن موافقة الأسرى والعرب على تنحى عبد الناصر كان سيؤوَّل على أنه اعتراف بالهزيمة، أما الإبقاء عليه فى هذه اللحظة فكان معناه أن المعركة لم تنتهِ بعد، هذا إذا كانت قد بدأت أصلا.
يقول راوى حجازى فى مقطع مهم «الإسرائيليون كانوا يطلقون النار، لسبب، وبغير سبب، كأنما يريدون التأكد من أن ما يفعلونه بالمصريين، حقيقة، وواقع، وليس تخيُّلا» وهو ما يشى بأن الجيش الصهيونى كان لديه وعى حقيقى باستحالة هزيمة المصريين لا كجيش وإنما كشعب، وذلك لأن المصريين يمكنهم فى أى لحظة إقامة متاريسهم الحضارية لمواجهة العدو. «كنا نعيد تلحين الأغانى بما يتفق ورغبتنا فى التهريج وإدخال السرور إلى نفوسنا»، هذا فى الوقت الذى لم يكن بمقدور الآسرين الصهاينة غناء الأغنية ذاتها، لأنهم أشتات بشر فمن المغرب لروسيا لبولندا لألمانيا وغيرها جاؤوا ليعيشوا فى ما يشبه الوطن دون أن يكون لهذا الوطن من معنى، فمدينة «عتليت» نفسها ذات الاسم الرومانى تبعد خطوات عن حيفا الفلسطينية ذات الإرث الحضارى الذى يمتد لأبعد من تاريخ اليهود واليهودية نفسها.
هذه المتاريس يفهمها أيضا راوى يونس الذى يمكنه مجادلة أوهام الصهاينة عن الديمقراطية المزعومة، حتى حين يسأله المحقق عما إذا كان والداه قد أوحشاه فإنه يقول ببساطة «متعودان على ذلك.. وأنا معتاد على أن أعيش بعيدا عنهما مُددًا طويلة» فى الوقت الذى يقول فيه راوى حجازى «كنا نقرأ رسائل بعضنا بعضا ونشعر بأن أى رسالة موجهة إلينا جميعا»، كانت هذه الجملة تحديدا تعبير حقيقى عن المتاريس التى يصنعها الأسرى وهى متاريس مؤسَّسة على المشترك بين المصريين، وهى المتاريس التى لم يكن فى مقدور الإسرائيليين صنعها.
وإذا كان من الصحيح أن يونس ينتهى فى روايته إلى أن أسباب النكسة يمكن تلخيصها فى أمر واحد وهو أن مصر لم تبنِ دولة عصرية فى عالم كان قد تم عصرنته تماما إن جاز الوصف، وأن ذلك يتضمن فشل الدولة الاشتراكية الحديثة التى صنعها عبد الناصر لعدم تخلصها من برجوازية الطبقة الوسطى التى قامت بالثورة، وهو ما كشفت عنه شهادة يونس فى الطريقة التى كان القادة أو أصحاب الرتب الكبيرة يتمايزون بها عن الجنود، سواء فى ما قبل الحرب، أو حتى داخل معتقل «عتليت»، حين حاولوا تمييز أنفسهم فى الأكل والشرب، على الأقل فى الأيام الأولى للأَسْر، فإن يونس يشارك حجازى فى الاقتناع بأن احتمال عصرنة مصر يظل قائما ما دام لها هذا التاريخ الذى صنع وطنًا يمكنه فى أى لحظة إقامة متاريسه الحضارية، بينما تظل عصرنة العدو الصهيونى عصرنة غير مؤسَّس لها، لأنها عصرنة غير ذات وطن، إن جاز القول، ولذا فقد أفصحت الروايتان عن أن حادث 1967 كان حادثا طارئا، وأن الهزيمة التى كانت لم تكن هزيمة حقيقية، وأنه إذا كان الجيش قد خرج مهزوما فإن الشعب لم يكن فى المعركة أصلا ولذا فإنه لم يُهزم، وإنه إذا كان من الصحيح أن الهزيمة لا تكون بهزيمة الجيوش وإنما بكسر الإرادة فإن الإرادة التى استطاعت الإبقاء على هذا العدد الكبير من الأسرى داخل سجن «عتليت» بلا أى إحساس بالهزيمة هى وحدها القادرة على صنع المتاريس حتى وإن كانت على الأرض المحبوسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.