«الأسرى متعبون خائفون لدى أى بادرة غير عادية تصدر من الجانب الآخر، فهم لا يأمنون للسائرين خلفهم، وجنود الأعداء فرحون كأنهم من أرستقراطيى العصور الوسطى خرجوا للصيد، وعادوا بمجموعة نادرة من الحيوانات سليمة... جمعوا الجنود فى مكان، والضباط فى مكان آخر، ثم بدأوا يحضرون رشاشاتهم لإطلاقها على الجنود... وقف الضباط وكانوا قد تخلصوا من رتبهم مذعورين». هذا جزء من شهادة محمد حسين يونس أسير حرب 1967 كما سجلها فى روايته «خطوات على الأرض المحبوسة» التى صدرت عن سلسلة نصوص متميزة بدار الشروق، وهى سلسلة تعنى بنشر النادر أو المنسى من الأدب المتميز والممتع. رواية الرائد محمد يونس أسير رقم 51763 لدى الجيش الإسرائيلى تفتح جرحا مؤلم على هزيمة 1967، يحكى فيها بأسلوب صادق تجربة الأسر فى معتقل «عتليت» الإسرائيلى، مقدما ما يراه السبب فى الكارثة التى حلت بالجيش المصرى. ولعل أخطر ما كتبه محمد يونس الفصل الذى تحدث فيه عن الاستلاب الفكرى الذى مارسه الإسرائيليون على أسرانا فى معتقل عتليت، فقد استفاد الإسرائيليون كما قال الشاعر الراحل محسن الخياط فى تقديمه للطبعة الأولى من الرواية عام 1982 عن دار المستقبل العربى الوافدون من جميع أنحاء العالم من خبرات المعتقلات الفاشية والنازية، فبعد دراسة تلك الخبرات توصلوا إلى أن التعذيب البدنى ليس وحده كافيا لاستدراج الأسير إلى الاعتراف أو الإدلاء بمعلومات مهمة، أدركوا أن الأساليب الأكثر إيجابية هى تفريغ العقل من كل المثل والقيم التى عاش لها وآمن بها أى بذر عدم الثقة فى نفس المصرى وتشكيكه فى كل شىء: قيادته.. وانتمائه لوطنه. وهذا أصعب من التعذيب البدنى كما قال المؤلف فى روايته الجريئة التى تحكى قصة يرويها طبيب نفسى يعالج البطل أسير الأرض المحبوسة «سيناء» الذى قضى سبعة شهور فى المعتقل، عاش النكسة من داخل الجيش، وعرف العدو عن قرب، وعانى سنوات ما بعد النكسة من تحلل وتفسخ وانهيار جروح الأسير الذى رأى وجهى العملة معا، وعانى عمق المأساة. وهذا ما ركز عليه محمد يونس فى روايتيه «على شفا الموت على شفا الجنون»، و«أجمل الكلمات لم أهمس بها بعد»، وبعد ذلك مجموعته القصصية «أحاديث عن الغولة». رواية مهمة مكتوبة «بقدر هائل من الصدق، وقدرة فنية وافرة، وبنية بيضاء خالصة» كما وصفها الناقد الكبير علاء الديب.