السيسي: التجربة المصرية للسلام مع إسرائيل لم تكن مجرد اتفاق بل كانت تأسيسا لسلام عادل رسخ الاستقرار    الرئيس السيسي يلقى كلمة بمناسبة ذكرى انتصارات السادس من أكتوبر    رئيس جامعة بنها: مهنة التمريض من أنبل المهن وندعم طلابها    لتعزيز الوعي المجتمعي بحقوق مرضاه، التضامن تشارك في إحياء اليوم العالمي للشلل الدماغي    خبير بالشأن الأفريقي: حكومة آبي أحمد توظف سد النهضة دعائيًا وتتجاهل القانون الدولي    «المشاط»: 10 مليارات جنيه استثمارات حكومية بمحافظتي شمال وجنوب سيناء خلال 2025-2026    تداول بضائع وحاويات 27 سفينة في ميناء دمياط    وزير «البترول» يشدد على زيادة وتكثيف مشروعات الإنتاج والإستكشاف    مجلس الوزراء: سيناء.. الإنسان محور التنمية ونهضة عمرانية شاملة تحقق حياة كريمة لأبناء المنطقة    «وفا»: مستعمرون يقطعون نحو 120 شجرة زيتون شمال شرق رام الله بالضفة الغربية    رئيس وزراء باكستان يتطلع إلى تعزيز العلاقات مع ماليزيا    الدفاع الروسية: تدمير 318 مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    محمد شحاتة يقترب من العودة للزمالك قبل مواجهة ديكيداها في الكونفدرالية    نجم الزمالك السابق يعتذر لمحمد مجدي أفشة    إمام عاشور يواصل الغياب عن الأهلي في دوري الأبطال    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    حالة الطقس ودرجات الحرارة اليوم الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    انقلاب ميكروباص وإصابة 6 أشخاص في الجيزة    طلب إحاطة للحكومة بشأن واقعة اختفاء لوحة أثرية من مقبرة خنتي كا بمنطقة آثار سقارة بمحافظة الجيزة    اليوم.. ختام مهرجان القاهرة للمونودراما وتكريم رياض الخولي والأسباني رافايل بينيتو    اليوم.. افتتاح الدورة الأولى ل معرض الزمالك للكتاب    تعرف على إيرادات فيلم "فيها ايه يعني"    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025 في المنيا    «الصحة»: 36.5 مليار جنيه متوسط مبيعات الأدوية شهريًا فى مصر    جولة مفاجئة لنائب وزير الصحة بمستشفى كفر الشيخ.. وإحالة الطاقم الإداري للتحقيق    كامل الوزير يتقدم بالتهنئة للرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر ال 52    كامل الوزير يبحث مع وفد البنك الدولي دعم مشروعات النقل والصناعة وتطوير الكوادر البشرية    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو يُظهر اعتداء على مواطن وأسرته بدمياط    بسبب لعب الصغار.. وفاة سيدة إثر مشاجرة بإحدى قرى كفر الشيخ    «الداخلية»: مصرع 3 عناصر إجرامية وضبط مخدرات ب128 مليون جنيه    رئيس الوزراء الفرنسي بعد استقالته: لا يمكن أن أكون رئيسًا للوزراء عندما لا تستوفي الشروط    كجوك والخطيب: القطاع الخاص المصرى مرن وإيجابي وقادر على التطور والنمو والمنافسة محليًا ودوليًا    «الدواء المصرية» تعقد الاجتماع ال16 لمتابعة خطط توطين الصناعة وتعزيز الأمن الدوائي    الاثنين 6 أكتوبر 2025.. نشرة أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    وكيل يانيك فيريرا: المدرب رفض عرضًا لتدريب الأهلي قبل موسيماني    عالم بالأزهر: سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بأهل مصر خيرا    تايكوندو - لتكرار إنجاز هداية ملاك.. روسيندو يتولى قيادة منتخب مصر حتى أولمبياد لوس أنجلوس    «المحامين» عن «الإجراءات الجنائية»: حماية حق الدفاع ليس مطلبًا فئويا بل صمام أمان لكل مواطن    نائب وزير الصحة يختتم جولته بالدقهلية بتفقد مستشفيات المنصورة والمعهد الفني الصحي    للمسنين.. 5 نصائح ذهبية لنوم مريح بعيدا عن الأرق    صحف إسبانيا تحيي الذكرى الثانية لحرب غزة بمظاهرات حاشدة وتنديد بحصار إسرائيل    ما حكم وضع المال فى البريد؟.. دار الإفتاء تجيب    دار الإفتاء: الاحتفال بنصر أكتوبر وفاء وعرفان لمن بذلوا أرواحهم فداء الوطن    السعودية تتيح أداء العمرة لجميع حاملى التأشيرات.. انفوجراف    الرئيس السيسي يوجه التحية لترامب لمبادرته لوقف إطلاق النار في غزة    جمهور آمال ماهر يتفاعل مع سكة السلامة واتقى ربنا فيا بقصر عابدين    زلزال بقوة 5.9 درجة يضرب جنوب كازاخستان    لهذا السبب.. ضياء الميرغني يتصدر تريند "جوجل"    اليوم أم يوم الخميس؟ تعرف على الموعد الرسمي لإجازة 6 أكتوبر 2025    " التعليم " تكشف أهمية التقييمات الأسبوعية والاختبار الشهري لصفوف النقل.. تعرف عليها    هيكون أسهل بكتير.. 5 نصائح من خبراء التنظيف تجعل بيتك نظيف ب أقل مجهود    ماذا قال رئيس الاتحاد السكندري عن الدوري الاستثنائي وأحمد دياب ؟    «العناني» يقترب من منصب المدير العام الجديد لليونسكو    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    سكته قلبية.. وفاة شخص قبل نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه بمحكمة الإسكندرية    يلا كورة بث مباشر.. مشاهدة السعودية × النرويج YouTube بث مباشر دون "تشفير أو فلوس" | مباراة ودية دولية 2025    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأسرى يقيمون المتاريس».. حكاية جنود فى سجن إسرائيلى
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 06 - 2009

عندما صرح الرئيس السادات أنه يريد توصيل ماء النيل لإسرائيل، وجد الكاتب الروائى فؤاد حجازى ضرورة ملحة فى أن يحكى للصغار قصة النهر التى لا يعرفون عنها الكثير، فكتب رواية «حلوان شامة» للأطفال، معتبرا أن النيل هو أصل الحياة فى مصر وأن حب النهر هو جزء من عشق الوطن. تماما مثلما تتناول الآداب العالمية أنهارها الكبرى مثل السين والراين والمسيسيبى وتحرص على تخليدها فى أدبياتها.
وبالمثل كانت تجربة هزيمة 5 يونيو التى مرت ذكراها الثانية والأربعين منذ أيام والتى كان حجازى أحد أبطالها وضحاياها فى الوقت ذاته، حيث تدور روايته «الأسرى يقيمون المتاريس» عن تجربته فى سجن «عتليت» الإسرائيلى بعد أن تم أسره فى نكسة 1967، والتى تتميز بكونها شهادة تاريخية حية كتبها صاحبها من قلب المقاومة، وانتهى من كتابتها فور خروجه فى يناير 1968 ونشرت أول مرة فى 1976 وأعادت دار الشروق أخيرا طبعها ضمن سلسلة «نصوص متميزة» التى «تعنى بنشر النادر والمنسى من الأدب المتميز والممتع والذى شكل علامات مهمة فى مسيرة الأدب العربى الحديث»، كما يرد على أغلفة السلسلة.
وهى بالفعل نص متميز من الضرورى أن تقرأه الأجيال الجديدة التى لا تعرف من الهزيمة سوى شذرات من نوعية «انكسار جيل 67»، أو «الكتاب الذين تأثروا بالنكسة»، أو من خلال ما يعيد بثه جهاز التلفزيون من أفلام فى ذكرى الهزيمة تماما مثلما يحدث فى ذكرى نصر أكتوبر أو فى المناسبات الدينية.
وأهمية قراءة مثل هذه النصوص التى تعد من «أدب المقاومة» أو «أدب الحرب» أو «أدب الشهادة» مع احترام الاختلافات بينها ضرورية على عدة مستويات، منها أن يعرف المصرى تاريخ بلده وتكوين مجتمعه تماما مثلما يحدث فى العالم أجمع حين تتناول الأدبيات الغربية الحرب العالمية الأولى والثانية أو يتناول اليابانيون آثار قنبلة هيروشيما أو يقرأ الأمريكان حرب بيرل هاربر ويعاد إنتاجها بصريا. وهى معرفة تحصن القارئ ضد كل الادعاءات التى تحيط به، فالقارئ لرواية فؤاد حجازى العلامة يتعرف على الوجه الحقيقى والقبيح للعدو الإسرائيلى التاريخى وكيف كان ومازال يتعامل مع الأسرى بصورة لا إنسانية متحديا ومتجاوزا القوانين الدولية، فيعلق الراوى على وحشية المعاملة قائلا: «طلبنا تطبيق معاهدة جنيف الخاصة بالأسرى علينا. نحن واثقون بأن أسراهم يعاملون فى بلدنا على أنهم «خواجات» وهنا يعاملوننا وكأننا «فلاحون أجلاف».
معرفة هذا التاريخ إذن هى الحصن والكاشف لخطاب مثل خطاب أوباما فى جامعة القاهرة الذى أظهر فيه بوضوح تحيز أمريكا الثابت وتشجيعها الأبدى لسياسات إسرائيل حتى وإن قرأ علينا أوباما بما يملكه من جاذبية القرآن كاملا، وليس مجرد استشهادات مختارة من آيات الذكر الحكيم.
ينجح الكاتب بسرده الشيّق وحرفيته الأدبية العالية أن يجسد لك المعاناة اليومية التى عاشها مع زملائه فى سجن العدو، ينجح فى أن يجعل الدم يغلى فى عروقك حين تقرأ كيف تم تقييد الجرحى عنوة وشحنهم فى عربات خالية من الأوكسجين هى فى الأغلب عربات نقل القمامة، ثم تكديسهم فى قطار هو أشبه بقطار الموت، حيث تحمل العربة الواحدة 180 رجلا بدلا من 20، تفرى فيها أجساد الجرحى بعضها بعضا، ويصور لنا بالوصف الحى المتدفق أيامهم فى السجن وحرمانهم من كل شىء بدءا من ماء الشرب الذى يتاح فتح محابسه فى زمن قياسى لا يكفى كل المساجين، مرورا بحرمانهم من تضميد جراحهم ومن الحد الأدنى من الطعام الذى يساعد على التئام الجروح ومن الملابس النظيفة ومن الاستحمام، حيث يصور حجازى مشهدا باكيا ضاحكا يصف فيه كيف اعتادوا على قذارة الملابس مع غياب المياه وانتشار القمل فيما بينهم، وكيف كانوا يخجلون من مصارحة بعضهم بالأمر حتى أصبحوا جميعا ضحايا الحشرة اللعينة التى كان يلقبها زميله زكريا الذى لا يوفر روحه الساخرة ب«اللوزن» ويصدر نشرة مسائية عن أحوال اللوزن فى عنبرنا وفى العنابر الأخرى».
والمعروف أن أدب الشهادة قد حظى بمكانة عالية فى الدراسات التاريخية والاجتماعية فى الآونة الأخيرة، حيث يثير اهتمام الباحثين فكرة إعادة قراءة التاريخ من خلال الشهادات الأدبية وليس من خلال التاريخ الرسمى الذى تمليه المؤسسات الرسمية، أما فى حالة رواية فؤاد حجازى فهى ليست مجرد قيمة تاريخية تعتمد على تقديم شهادة حية ونص موثق، لكنها فى نفس المقام نص أدبى فريد. لا يتحول النص إلى خطاب حماسى عن المقاومة أو ذكر لمحاسن الجيش المصرى فى مقابل بشاعة الإسرائيلى، لكنه يتوقف عند تفاصيل الحياة اليومية حين يصبح القمع اليومى موضوعا للمقاومة، فينتصر الأسرى فى الحصول على صابونة لكل عشرة أشخاص ثم لكل خمسة، وأخيرا صابونة لكل شخص أسبوعيا، مثلما انتصروا بعد إضرابات واحتجاجات فى فتح محبس الماء طول النهار يستحمون ويشربون وقتما يشاءون.
تقترن الوقائع بأدب السيرة، فلا يقوم الكاتب بالتهويل وادعاء البطولة بل تتداخل الأحداث الجسام مع المآثر والفكاهة والمواقف الطريفة، فى مشهد أثير، يسرد حجازى كيف يتبدى الضوء وسط الظلام الحالك حين كانوا مكومين فى القطار يلوح لهم الحراس بالمياه ويرشونها على وجوههم دونما أن يمكنوهم من قطرة ماء، فإذا بزميله يلكزه فى كتفه ويعطيه قطعة خبز كان قد نجح فى أن ينجو بها من التفتيش، تلك القطعة التى أمدته بقوة غريبة، وكيف نجح آخر فى تسريب سيجارة تقاسمها معظم المدخنين من الأسرى. «رغم البؤس والاحساس الجنائزى الذى يسيطر على الجميع، رنت ضحكاتنا، وشغلنا عما نحن فيه بالزملاء وهم يحكون كيف ضحكوا عليهم وخبأوا بضاعتهم. فمنهم من ألقاها أرضا عند التفتيش، ثم التقطها فى براءة الأطفال، كأنه يلتقط منديلا سقط منه. ومنهم من أمسكها بإحدى يديه ورفعها مع الثانية إلى أعلى. ومنهم من سرق من طعام الحراس فى معسكر التجمع فى رفح». إنها تاريخ الحياة اليومية والشهادة الحية التى لا توازيها مجلدات التاريخ.
لفؤاد حجازى نحو ثلاثين كتابا، فى الرواية، والقصة القصيرة والمسرح، والنقد التطبيقى والسيرة الذاتية، أصدر تسع روايات، هى: «شارع الخلا» (1968م)، و«نافذة على بحر طناح» (1972م)، و«المحاصرون» (1972م)، و«رجال وجبال ورصاص» (1972م) و«الأسرى يُقيمون المتاريس» (1976م)، و«العمرة» (1977م)، و«القرفصاء» (1978م)، و«متهمون تحت الطلب» (1982م)، و«عنقودة وسمرة» (1996).
كما أصدر ست مجموعات قصصية، هى: «سلامات» (1969م)، و«كراكيب» (1970م)، و«سجناء لكل العصور» (1977م)، و«الزمن المستباح» (1978م)، و«النيل ينبع من المقطم» (1985م)، و«كحكة للصبى» (1990 م).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.