رئيس «هيئة ضمان جودة التعليم»: ثقافة الجودة ليست موجودة ونحتاج آلية لتحديث المناهج    مجلس الدولة يلزم «التجارة الداخلية» بسداد قيمة أرض مخصصة للإصلاح الزراعي    «معيط»: القطاع الخاص يسهم في تنمية الاقتصادات الناشئة وزيادة الناتج المحلي    خلال زيارته فرنسا.. وزير النقل يبحث إنشاء مصنعين لإنتاج الأنظمة المختلفة للسكك الحديدية والانفاق    رئيس الرقابة المالية: البورصات تعزز قدرات الدول في خلق طبقات متوسطة أيسر حالاً    رئيس الوزراء يعود للقاهرة بعد مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    بعد أسبوعين على الفيضانات.. تحذيرات لدول الخليج من أمطار غزيرة الأيام المقبلة    إخلاء سبيل المتهمين فى قضية تسرب مادة الكلور بنادى الترسانة    وكيل تعليم دمياط يتفقد سير امتحانات المستوى الرفيع بمدرسة اللغات الرسمية    السكة الحديد تعلن جدول تشغيل قطارات مطروح الصيفية بدءا من أول يونيو    «السفيرة عزيزة» عن زفاف ملياردير أمريكي بالأهرامات: مصر جاذبة للاحتفالات    ردود أفعال واسعة بعد فوزه بالبوكر العربية.. باسم خندقجي: حين تكسر الكتابة قيود الأسر    خالد جلال يشهد عرض «السمسمية» على المسرح العائم    بدون بيض أو زبدة.. طريقة عمل بسكويت العجوة في الخلاط    الكشف على 1270 حالة في قافلة طبية لجامعة الزقازيق بمركز مشتول السوق    تردد قنوات الاطفال 2024.. "توم وجيري وكراميش وطيور الجنة وميكي"    كرة اليد، جدول مباريات منتخب مصر في أولمبياد باريس    سيناء السلام عبقرية الدبلوماسية المصرية.. ندوة تثقيفية بجامعة المنوفية    محلية النواب تواصل مناقشة تعديل قانون الجبانات، وانتقادات لوزارة العدل لهذا السبب    مايا مرسي: برنامج نورة قطع خطوات كبيرة في تغيير حياة الفتيات    برلماني: افتتاح السيسي مركز البيانات والحوسبة السحابية انطلاقة في التحول الرقمي    تحذير قبل قبض المرتب.. عمليات احتيال شائعة في أجهزة الصراف الآلي    تأجيل محاكمة مضيفة طيران تونسية قتلت ابنتها بالتجمع    رئيس جامعة أسيوط: استراتيجية 2024-2029 تركز على الابتكار وريادة الأعمال    برلماني: زيارة أمير الكويت للقاهرة غدا يعزز التعاون بين البلدين و يدعم أمن واستقرار المنطقة    مصرع 42 شخصا إثر انهيار سد في كينيا    الصين تشارك بتسعِة أجنحة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب ال33    هنا الزاهد بصحبة هشام ماجد داخل الجيم.. وتعلق: "فاصل من التمارين العنيفة"    مكتبات الأدباء.. للإهداء أم للبيع ؟!    هل حبوب القمح يجب فيها الزكاة ومتى بلغ النصاب؟ الأزهر للفتوى يجيب    بيت الزكاة والصدقات يطلق 115 شاحنة ضمن القافلة السابعة لحملة أغيثوا غزة    مشجع محلاوي يدعم الفريق بالجيتار قبل مباراة لافيينا    رئيس الجودو: نظمنا بطولة أبهرت العالم وهؤلاء هم شركاء النجاح    خالد عبد الغفار يناقش مع نظيرته القطرية فرص الاستثمار في المجال الصحي والسياحة العلاجية    أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة.. سهلة وبسيطة    تنظيم ندوة عن أحكام قانون العمل ب مطاحن الأصدقاء في أبنوب    صحتك تهمنا .. حملة توعية ب جامعة عين شمس    النشرة الدينية .. أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة .. "خريجي الأزهر" و"مؤسسة أبو العينين" تكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    الصين فى طريقها لاستضافة السوبر السعودى    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    عامر حسين: الكأس سيقام بنظامه المعتاد.. ولم يتم قبول فكرة "القرعة الموجهة"    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    وزير الإسكان يتابع مشروعات الخدمات ورفع الكفاءة والتطوير بالمدن الجديدة    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 29-4-2024 بالصاغة بعد الانخفاض    حالة وفاة و16 مصاباً. أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين بصحراوي المنيا    أول رد رسمي من الزمالك على احتفال مصطفى شلبي المثير للجدل (فيديو)    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد طه النقر يكتب: لماذا أصبح نهر النيل مهدداً بالضياع؟ج: لأننا تركناه في يد"نظام ضائع"!
نشر في الدستور الأصلي يوم 02 - 07 - 2010

لم يحدث في تاريخ مصر المكتوب أن تعرض النيل للخطر الذي يتعرض له الآن.. والسلطة التي تعجز عن حماية النيل تفقد شرعيتها
الحل في تشكيل مجلس أعلي لحماية وإدارة وترشيد استخدام مياه النيل يتبع رئيس الجمهورية.. وتوقيع عقوبات قاسية علي المتورطين في تلويث النهر
لماذا أصبح نهر النيل مهدداً بالضياع؟
عندما نتحدث عن نهر النيل وأهميته الحيوية بالنسبة لمصر والمصريين تعجز اللغة عن التعبير وتتواري المصطلحات خجلا أمام استحالة بلوغ المراد.. لا يكفي أن نقول إن النيل هو شريان الحياة الوحيد.. وإنه لولا النيل لكانت مصر جزءا من الصحراء الافريقية الكُبري بما كان سيعنيه ذلك من حرمان البشرية بأسرها من وجود بلد بحجم مصر ومن عطاء حضارة عظيمة قامت علي ضفاف هذا النهر وكانت للعالم طاقة للنور والعلم و"فجرا للضمير» علي حد تعبير أستاذ المصريات الأمريكي هنري بريستيد.. ولأن الجغرافيا أقدم من التاريخ فإن النيل أقدم من مصر وهو أبوها الذي أنجبها لتنشأ في كنفه وتترعرع علي ضفافه وتنشر نورها في العالمين.. فهي بحق هِبة النيل كما وصفها المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت..
ولم يسبق علي مدي تاريخ مصر المكتوب أن تعرض نهر النيل للخطر كما يحدث الآن.. وذلك فشل سياسي مريع يتحمل مسئوليته ووزره الحزب الوطني وحكوماته المتتالية.. ومن نافلة القول إن السلطة التي تعجز عن حماية النيل تفقد شرعيتها وليس أمامها إلا أن ترحل غير مأسوف عليها مع وجوب محاسبة ومحاكمة جميع المعنيين بإدارة ملف النيل لمسئوليتهم المباشرة عن الانحدار بنا إلي شفا الكارثة التي نحن بصددها نتيجة تعكير علاقاتنا بأشقائنا في حوض النيل والاكتفاء بالإهمال والغفلة في مواجهة القوي الشريرة التي «تلعب في المياه العكرة» من وراء ظهورنا..
ولكن قبل أن نتحدث عن الفشل الخارجي الفادح في إدارة ملف علاقاتنا مع دول المنطقة والعالم وخاصة دول حوض النيل ،وذلك سيكون موضوع مقال قادم إن شاء الله، دعونا أولاً نتعرض بصراحة وجرأة لفشلنا الداخلي في التعامل مع النهر وهو فشل يتمثل في سلسلة خطيرة ولا متناهية من الجرائم البشعة التي نُصِرُ علي ارتكابها ليل نهار منذ عشرات السنين في حق النيل الذي قدسه أجدادنا الفراعين العظام إلي حد العبادة وكانوا يعتبرون تلويثه إحدي الكبائر التي يحاسبون عليها في العالم الآخر.. أما نحن فإننا نثبت كل يوم أننا لا نستحق هذا النهر العظيم وأن ما نقترفه في حقه من عقوق وجرائم يجعل من حق دول العالم كافة وبلدان حوض النيل علي وجه الخصوص أن تعاقبنا علي نعمة لم نكتف بإهمالها وعدم المحافظة عليها فحسب بل بالغنا في تدنيسها وتبديدها دون أدني إحساس بتأنيب الضمير..
مَن حول النهر إلي بحيرة من السموم!!
وإلا فليقل لنا السادة المسئولون ماذا يعني سكوتنا علي جرائم يومية رهيبة تُقتَرَف في حق هذا النهر وأوشكت أن تحوله إلي بحيرة من السموم؟!!.. وهل يٌعقل أن تكون هناك 1200 منشأة صناعية تابعة للقطاع الخاص و1182 مصنعا كانت تابعة للقطاع العام قبل نهبه وتبديده باسم الخصخصة و1100 مصنع تابعة للحكم المحلي و212 مصنعا تابعا للوزارات المختلفة و700 مصنع أخري في 17 محافظة تلقي كل مخلفاتها وفضلاتها في مياه النيل مباشرة؟!!.. ناهيك عن صرف مخلفات النوادي النهرية والعوامات والفنادق العائمة والبواخر السياحية التي يملكها كبار القوم وبارونات الفساد الجدد، وبعضهم وزراء في حكومة الحزب الوطني، في مياه النهر.. إضافة إلي مخلفات الصرف الزراعي وهو ما أدي إلي تلويث النيل بالمبيدات والأسمدة الكيماوية وغيرها من المواد السامة.. أما ردم النهر في منطقة منيل شيحة بالجيزة، وفي المعادي (قبالة مقر المحكمة الدستورية؟!!) من أجل إقامة قصور ومنتجعات للوزراء وعِلية القوم ،فإنها جريمة في حق النهر المقدس ترقي إلي الخيانة العظمي.. ولو كان هناك قانون محترم ونافذ وناجز في هذا البلد لتم إعدام هؤلاء المجرمين في ميدان عام ليكونوا مثلا وعبرة..
لم يكن غريبا والحال كذلك أن يؤدي كل هذا التلوث إلي تفاقم وفيات الأطفال نتيجة الإصابة بالنزلات المعوية الحادة.. وتضاعف حالات الإصابة بالفشل الكلوي والكبدي ومختلف أنواع السرطانات القاتلة.. أما عن السفه في إهدار مياه النهر سواء في الاستخدام اليومي أو في طرق الري التقليدية غير الرشيدة فحدث ولا حرج!!..
ولو كنا جادين في حماية مياه النيل وإقناع الآخرين وخاصة أشقاءنا في حوض النيل بأهمية وحيوية النهر بالنسبة لنا فلا أقل من الإعلان فورا عن تشكيل مجلس أعلي لحماية وإدارة وترشيد استخدام النيل يتبع رئيس الجمهورية مباشرة وتكون له صلاحيات تعلو علي كل صلاحيات الوزارات العادية والسيادية، وسن تشريعات تغلظ عقوبة تلويث النيل بحيث تصل إلي الإعدام لأن من يسمم مياه النهر أو يعتدي علي حرمته بأي صورة من الصور فإنما يقترف جريمة الإبادة الجماعية وعليه فإنه يجب أن يخضع لقانون الطوارئ كتجار المخدرات والإرهابيين..
استراتيجية لترشيد مياه الري..
وأتصور أن يحدد المجلس الأعلي الجديد مهلة مدتها ستة أشهر علي أقصي تقدير لجميع المنشآت الصناعية والنوادي النهرية والعوامات والفنادق العائمة والبواخر السياحية للتوقف فورا عن صرف مخلفاتها في مياه النهر وإلا تعرضت للإغلاق الفوري والعقوبات القاسية والغرامات الباهظة.. فضلا عن البدء فورا في تبني إستراتيجية متكاملة لترشيد الري في مجال الزراعة.. وأقترح أن يكون لهذه الإستراتيجية شق قريب المدي وآخر بعيد المدي.. ويتمثل الشق الأول في ترشيد الري بالغمر لتقليل الفاقد في المياه إلي أقصي درجة ممكنة، وذلك عبر تحسين وتبطين الترع والقنوات بالأسمنت المسلح وتغطيتها كلما أمكن ذلك لتقليل معدل البخر..
أما الشق الآخر فيتمثل في التحول إلي نظام الري بالرش والتنقيط مما سيوفر ما لا يقل عن عشرة مليارات متر مكعب من المياه سنويا.. ويمكن أن يتولي تنفيذ هذه الاستراتيجية بنك التنمية والتعاون الزراعي بدعم من الدولة والمنح والمعونات الدولية التي تمول مشروعات الحفاظ علي مصادر المياه في إطار برامج حماية البيئة.. ولكني أُحذر من مجرد التفكير في تحميل المزارعين أي تكاليف تذكر في هذا الشأن ،وذلك لأن المزارعين طفح بهم الكيل ويوشكون علي التوقف عن الزراعة وترك أراضيهم جرداء وربما يهجرون المهنة إلي الأبد، نتيجة السياسات الزراعية الفاشلة لحكومات الحزب الوطني التي رفعت تكاليف الزراعة إلي مستويات غير محتملة ودمرت محاصيل رئيسية مثل القمح والقطن.. وحذار أيضا من مجرد التفكير في خصخصة أو بيع مياه الري، إذ إن ذلك سيكون جريمة لا تُغتفر في حق الزراعة والمزارعين في مصر، وخطرا عظيما علي الأمن الغذائي والأمن القومي لهذا الوطن.. ويرجع ذلك في جزء منه إلي أن المجتمع المصري - كما يقول الجيولوجي العالمي الدكتور رشدي سعيد - لن يقبل بمبدأ بيع المياه، إذ أن ذلك ضد الموروث الثقافي للمصريين، القائم علي أن المياه نعمة من الله وليس من حق البشر الإتجار فيها.. كما يحذر الدكتور سعيد من التضييق علي الفلاحين، في الوقت الذي نهدر فيه مواردنا من المياه النظيفة في إقامة منتجعات الجولف وحمامات السباحة للأثرياء، مشيرا إلي أن عُشر مياه مصر يذهب إلي 4 أو 5 مستثمرين من أصحاب منتجعات الجولف!!.. ومن أبشع وأفظع صور هذا الهدر، في رأي العالم الجيولوجي الكبير صاحب أهم كتاب عن نهر النيل، بيع المتر المكعب من المياه لأحد المستثمرين العرب في توشكي مقابل أربعة قروش فقط (بأسعار ما قبل عشر سنوات) بينما لا تقل تكلفته عن 80 قرشا.. !!
ولا يفوتني في هذا السياق أن أشير إلي مشروع رائد ورائع لترشيد الري بالغمر في أراضي الوادي القديم والذي يستهلك نحو 80% من حصة مصر من مياه النيل البالغة 5ر55 مليار متر مكعب سنويا.. ويهدف هذا المشروع، الذي تم تنفيذه بالفعل في بعض حقول قري أولاد يحيي بمركز دار السلام بمحافظة سوهاج بدعم من هيئة كير الدولية وتمويل شركة اتصالات مصر ،إلي تحسين كفاءة مساقي الري المكشوفة داخل الحقول، مما سيحقق فوائد بلا حصر للفلاحين وللاقتصاد المصري بوجه عام..
وحتي لا نتوه في تفاصيل فنية معقدة بالنسبة لغير العارفين بأحوال الزراعة والري، فإن نظام الري بالغمر يعتمد علي مساقي (قنوات صغيرة) يتم حفرها وسط الحقول لنقل المياه من الترع الفرعية أو الرئيسية إلي الزراعات المختلفة.. وهذه المساقي الطينية تحتل مساحة كبيرة من الأرض الزراعية، كما تُهدر مساحات أُخري حولها نتيجة الرشح ،إضافة إلي كونها بيئة حاضنة لمختلف الحشائش الطفيلية الضارة.. وتقوم فكرة مشروع قري أولاد يحيي علي استبدال هذه المساقي الطينية بمساقي من الأسمنت المسلح تشغل مساحة أصغر كثيراً من الأرض وتُسرِع عملية الري فتختصر الوقت والجهد وتروي أكبر مساحة في أقل وقت ممكن.. كما تقضي علي الحشائش الضارة.. كذلك يوفر المشروع كميات كبيرة من المياه التي يهدرها البخر وطول مدة الري.. وستؤدي سرعة الري إلي تقليل تزاحم المزارعين وتكالبهم علي سقيا أراضيهم قبل انتهاء الوقت المحدد وهو التزاحم الذي يثير الكثير من المشاحنات التي قد تصل حد التقاتل بالسلاح أحيانا!!..
ويؤكد المشرفون علي المشروع أنه في بعض حقول قرية يحيي قبلي تم توفير نحو 16 قيراطا من الأرض الزراعية الجيدة التي يصل ثمن القيراط فيها إلي 11 ألف جنيه ( أي أنه وفر نحو 176 ألف جنيه مصري)، ناهيك عن القضاء علي الحشائش الضارة وتوفير وقت قدره ساعة و50 دقيقة في ري الفدان الواحد ،إضافة إلي تقليل كمية الوقود المستهلك في الري بمتوسط نحو 85 جنيها للفدان الواحد طوال الموسم!!..
والسؤال الكبير المُلِح الذي يطل من كل الرءوس الآن ويحاصرنا جميعا بحثا عن إجابة هو «إذا كانت كل هذه الفوائد الجمة والمركبة قد تحققت من تنفيذ المشروع في جزء من حقول قرية واحدة، فكم سنوفر من الأرض والمال والوقت والجهد والمياه لو طبقنا علي الفور هذا النظام البسيط وغير المكلف في نحو 4000 قرية مصرية تستخدم نظام الري بالغمر"؟!!.. وأنا أُقدم هذا المشروع إلي وزراء الري والزراعة والبيئة وكل من يعنيهم الأمر لكي نبدأ فورا في تطبيقه في عموم الأراضي الزراعية الخاضعة لنظام الري بالغمر حتي نتخلص تماما من هذا النظام العتيق علي المدي الطويل.. والتحرك الفوري لتقليل الفاقد في مياه الري قضية بالغة الحيوية، لأنه حتي لو ظل النيل يجري بحصتنا من مياهه غير منقوصة فإننا سنحتاج إلي كل قطرة ماء نوفرها لتعويض الزيادة السكانية وتغطية احتياجاتنا المتزايدة من المياه للتوسع الأفقي واستصلاح المزيد من الأراضي الصحراوية..
وهناك قضية أُخري لا تقل أهمية تتمثل في ضرورة ترشيد استهلاكنا من المياه في الحياة اليومية والتخلص من عادات سيئة نُهدِر فيها الماء بلا مبرر ،وذلك يتم عبر حملة قومية منسقة تشارك فيها جميع وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات وتمولها الدولة لتوعية الناس بضرورة الحفاظ علي المياه أصل الحياة «وجعلنا من الماء كل شيء حي".. وهنا يبرز أيضا دور رجال الدين في هذا الشأن.. فلا يعقل مثلا أن نترك صنابير المدارس والمساجد والمصالح الحكومية مفتوحة بلا رقيب طوال 24 ساعة.. أو نسمح برش الشوارع وغسل السيارات بالمياه العذبة ونحن نعاني الفقر المائي بشهادة كل المراكز المختصة!!.. وكثير منا يهدرون كميات هائلة من المياه في الاستحمام والوضوء والحلاقة.. (يبدأ البعض يومه فور الاستيقاظ من النوم بفتح الحنفية عن آخرها ثم يبدأ البحث عن أدوات الحلاقة فيكون قد استهلك نحو دلوين كبيرين من الماء قبل الشروع في الحلاقة!!).. هذه التصرفات وغيرها يجب أن تتوقف فورا.. أولا لأنها حرام وتبديد للنعمة علي سبيل القطع، وهذا ما يجب أن يؤكد عليه رجال الدين، وثانيا لأننا لم نعد نملك ترف هذا السفه بعد الأزمة التي نحن بصددها.. مما سبق يتضح أننا في حاجة ماسة لمدخل جديد وفوري في التعامل مع النهر تتحمل مسئوليته الدولة وتشارك فيه النخبة والجامعات ومراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني ، علي أن يبدأ هذا المدخل الجديد والمغاير لكل ما سبق من «التعليم".. ويبدو أن كل أزماتنا تبدأ وتنتهي عند التعليم.. وأتصور أن الحصة الأولي في جميع مراحل التعليم ،بدءا من الحضانة، ينبغي أن تبدأ بحكاية قصة النهر بطريقة مبتكرة وغير تقليدية كأن يقول المدرس مثلا إن السبورة تمثل الصحراء الأفريقية الكبري حيث لا ماء ولا حياة ولا زرع ولا ضرع.. فقط الأرض الجرداء والموت.. ثم يبدأ برسم خط صاعد ينبثق من الجنوب إلي الشمال ليقطع الصحراء من المنابع في قلب قارتنا السمراء إلي المصب في البحر المتوسط.. إنه شريان الماء الواهب للحياة.. مُنبِت الزرع وصانع الحضارة.. ذلك النهر المقدس الذي استحق كل ما أحاطه به أجدادنا الفراعنة من تبجيل وعبادة، وما نسبوه إليه من معجزات.. فهل يصح أن ندنس هذا المجري الطاهر ونلوثه؟!!.. إذن فلتقطع كل الأيدي التي تريده بسوء وليخسأ كل الذين يتقاعسون عن الدفاع عنه والحفاظ عليه!!.. وهكذا نواصل تأكيد هذه المعاني والقيم حتي يرسخ في أذهان كل الأجيال أن العدوان علي النيل خطيئة كبري ،وأن الدفاع عنه واجب مقدس.. وعندما يحدث ذلك ستتأكد كل الدنيا لا سيما أشقاؤنا في دول حوض النيل أن النهر بالنسبة للمصريين نبع الحياة ومصدرها المقدس ولا يمكن التفكير في العبث بأسباب الحياة لشعب مبدع استثمر مياه الحوض في بناء أعظم حضارة شهدها التاريخ.. ولا يزال قادرا علي صنع الكثير لو تحققت كل تطلعاته وآماله في الحرية والديمقراطية.. فمبادرة الدفاع عن النيل تبدأ من الداخل أولا.. أما الخا رج فذلك موضوع آخر..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.