صدر مؤخراً عن دار الشروق بالقاهرة، رواية "الأسرى يقيمون المتاريس" للكاتب الروائى فؤاد حجازى، التى يتناول فيها تجربته داخل سجن عتليت الإسرائيلى بعد أسره فى نكسة 1967. صدرت الرواية للمرة الأولى عام 1976 وتوالت طبعاتها، بل وترجمت إلى الإنجليزية والروسية، كما تناولتها رسالتان للدكتوراه إحداهما فى جامعة استكهولم. تناولت الرواية قصة الأسرى المصريين عقب هزيمة 1967، فقد ظلت المتاريس الحقيقية التي أقامها الأسرى هي الصمود، المقاومة، والبطولة، وقد عبرت هذه الصورة النضالية في مواقف يذكر الكاتب أنها حدثت بالفعل دون أي مبالغة. فالحرب بالنسبة لفؤاد حجازي وكما يقول هي "التفاصيل الدقيقة" ترصد فيها واقعيًّا حصولك على شبر شبر بالدم والروح، بدون أي فجاجة. في "الحرب"، لا توجد بطولة مطلقة!! فأنت تخاف وترتجف من فكرة الموت وهم كذلك، أنت "تمكر" وهم "يمكرون"، أنت تناور وتلتف وتخلي جرحاك وهم يفعلون، هذا الشيء الإنساني هو ما رصدته في تلك التجارب!!. ومن خلال أحداث الرواية نرى وفق ما كتب الدكتور حسين علي محمد، بكتابه "في الأدب المصري المعاصر" أن مصر قد هزمت قبل أن تُحارب؛ هاجمتها الطائرات الإسرائيلية في الساعة التاسعة من صباح الخامس من يونيو 1967م، وقضت على سلاح الطيران المصري في الهجمة الأولى، ومن ثم فقد أصبحت سماء المعركة مكشوفة أمام العدو. ولم يكن سلاح المشاة مستعدا أيضاً، فقد تكوّن على عجل قبل أسبوعين من بدء المعركة. يقول المؤلف عن نفسه: "استدعيت مع زملائي لخدمة الاحتياط في التاسع عشر من مايو". ويقول عن جندي آخر هو أحمد الزرقا تاجر الخضر، والذي قتله الإسرائيليون في أول يوم من أيام الحرب: "أخذوه فجأة من السوق دون أن يتمكّن من الاتصال بأهله". ولقد كان الجنود يستبعدون وقوع الحرب مع إسرائيل، يقول السارد: "كنا ننتهي في كل مرة إلى أن الحرب مستحيلة الوقوع، نظراً لقدراتنا واستعداداتنا التي نسمع عنها في الإذاعة ونقرأها في الصحف". نقرأ في أولى فقرات الرواية: "في صبيحة الخامس من يونيو الحزين عام 1967م، وبالتحديد في الساعة التاسعة كان جندي الشرطة العسكرية الذي يُنظِّم المرور المتجه من العريش إلى رفح يمدُّ ذراعه الأيمن مشيراً إلى رفح، معترضاً بذراعه الأيسر أي عربة من الجيش مهما كانت رتب الراكبين فيها، أن تتقهقر إلى العريش، وظل هذا الجندي يؤدِّي واجبه هو وزملاؤه في الكشك المجاور على أكمل وجه، حتى جاوزت الساعة الرابعة بقليل، حينئذ أخذت دانة ملتهبة، منطلقة من دبابة، على عاتقها مهمة فتح الطريق، أزاحت الجندي والكشك، وعمت الفوضى". تحكي الرواية تفاصيل صدمة واقع الجيش المصري وصدمة المآسي الإنسانية التي حدثت في 67، فيروي الكاتب كيف وقع في أسر الإسرائيليين هو وأفراد فرقته وكيف أنقذه القدر أكثر من مرة من الموت وكيف رحل إلى فلسطينالمحتلة، وكيف عاملوه هو ورفاقه، وكيف قضى مدة الأسر في سجن "عتليت"، وكيف كانت المقاومة الجماعية في الأسر، وانتفاضتهم، ثم تهديدهم للجنود الإسرائيليين في السجن، كل ذلك عبر وصف حي لدرجة البث الحي!!. ويقول أيضا: "كانت أول مرة نرى فيها الإسرائيليين عن قرب، أشار لهم أحدنا أننا جرحى، هم صديقُنا الواقف بجوار الباب بإطلاق الرصاص عليهم تمنيت في قرارة نفسي ألا يفعل، ألقى صاحبنا بندقيته من فرجة الباب أطلقوا علينا النار فورًا أصاب الرصاص صاحب البندقية فخر جسده فوقي وتلقى عني رصاصهم المنهمر وكان أسفي عظيمًا على صاحبي الذي لم يطلق النار في محاولة لإنقاذنا نحن الجرحى وأحسست بوخز لما تمنيته قبلاً". ويقول في مقطع آخر من الرواية: "مأسورون من أماكن شتى، وجوه وأيد ملطخة بسواد، ودماء متخثرة، ضلوع محطمة، نفوس ذاهلة، أجساد متناثرة على الرمال، تعب سنوات طوال في تثقيف عقول وتربية أجساد ينتهي في لحظة واحدة بعد قصف مدفع، عيون مكدودة غير مصدقة أن ما حدث قد حدث.. نحن ذاهبون إلى معسكر لتجميع الأسرى في رفح.. ترى أي أوامر لدى حراسه؟! قتل الجرحى أم قتل الضباط؟ أم الإجهاز عليهما معًا". أبطال الرواية هم البسطاء: أحمد الزرقا، وإبراهيم البورسعيدي، وبدر سليمان، ومحمود أبو شنب، ومحمود تعلب، وزكريا حسين، والأستاذ إمام كوان، وبهجت حافظ، وعلي علوان، وزقوت، وحامد عبد الرحمن، وغراب، وغيرهم من الأبطال. يقول المؤلف في الرواية عن الضباط المصريين: "صبروا على جراحهم وعدم توفر طعام يقويهم على التئام الجراح، ثم تهريب ضابطين مصريين، وحرق العلم الإسرائيلي، وعمل انتفاضة داخل المعتقل، ورمي الضباط الإسرائيليين بالحجارة وإصابة الإسرائيليين بهلع، ثم كيف بالأدوات البسيطة استطاعوا عبر قطعة قماش ومكركروم تكوين العلم المصري ورفعه.. رفضوا حلق شعورهم، وكل هذا ببطولة جماعية في نفس اللحظة". يذكر أن الرواية كتبت في نفس شهر عودة الأسير فؤاد حجازي إلى مصر "يناير 68". ولد الروائى فؤاد حجازى فى مدينة المنصورة عام 1938 وما زال مقيماً فيها حتى الآن، ويعتبر واحداً من أنشط الأدباء المقيمين خارج العاصمة، والبعض يلقبونه بعميد أدباء الأقاليم فى مصر. لفؤاد حجازى أكثر من 30 كتاباً ما بين الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية وقصص الأطفال والنقد الأدبى والمسرح، وحصل على جائزة اتحاد كتاب مصر للإبداع المتميز لعام2005.