فى أعقاب اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر 2001، تغير الموقف الدولى برمته، وباتت فكرة استهداف المدنيين عبر أعمال تفجيرية انتحارية فكرة منبوذة بصرف النظر عن الدوافع، حتى ولو كانت من أجل تحرير الأرض وطرد المحتل. وكان على حركة حماس مراجعة موقفها وتقديم رؤية جديدة فى ضوء هذه التطورات، رؤية تؤكد التمييز بين الأهداف ممثلة فى تحرير الأرض وإقامة الدولة المستقلة، وبين الوسائل أو الأدوات والتى تتنوع من بين النضال السياسى والمقاومة المدنية إلى حصر الأعمال المسلحة فى الأراضى الخاضعة للاحتلال وتوجيهها ضد جنود الاحتلال وجماعات المستوطنين. ولكن مراجعة من هذا النوع لم تحدث، وظل التيار الرئيسى فى حركة حماس يؤيد مواصلة العمليات الانتحارية داخل الخط الأخضر، الأمر الذى ساعد إسرائيل على تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وإظهار ما تقوم به من أعمال هدم وتدمير واغتيال فى الأراضى الفلسطينية باعتباره حلقة من حلقات «الحرب على الإرهاب». وتدريجيا بدأت الولاياتالمتحدة، ثم قوى دولية رئيسية فى اعتبار حماس حركة إرهابية، وهو ما قامت به واشنطن، وتبعتها دول الاتحاد الأوروبى التى أعلنت حركة حماس حركة إرهابية فى السادس من سبتمبر 2003. فى المقابل استغلت إسرائيل «الحرب الأمريكية على الإرهاب»، فوسعت من عدوانها على الشعب الفلسطينى، وركزت على تصفية قادة حركة حماس وكوادرها الرئيسية ووصلت هذه العمليات إلى الذروة باغتيال مؤسس الحركة وزعيمها الشيخ أحمد ياسين فى 22 مارس 2004، ثم اغتيال خلفه الدكتور عبد العزيز الرنتيسى فى 17 أبريل 2004، ومواصلة عمليات الملاحقة على النحو الذى أضعف من الحركة كثيرا. ويبدو واضحا أن عمليات الاغتيال وتصفية الكوادر وملاحقة الناشطين التابعين لحركة حماس من جهة، وتضييق الخناق على الحركة خارجيا من جهة ثانية، قرار الاتحاد الأوروبى، طرد قادة الحركة من الأردن، ثم تضييق الخناق على الحركة فى سوريا، كل ذلك أجبر الحركة على إجراء نوع من المراجعة القسرية تجاوبا مع التطورات الجارية على الأرض، فمن ناحية بدأت قيادة الحركة ممثلة فى القائد الجديد للحركة خالد مشعل، فى التجاوب مع الجهود الدبوماسية المصرية الهادفة إلى إجراء حوار وطنى فلسطينى للوصول إلى رؤية مشتركة بشأن إدارة قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلى بموجب خطة شارون المسماة «فك الارتباط من جانب واحد»، كما بدأت قيادات الحركة فى الداخل تروج لفكرة قبول الحركة خوض الانتخابات المحلية والتشريعية التى ستجرى فى الأراضى الفلسطينية. ففى هذا السياق أكد د.محمود الزهار، عضو القيادة السياسية للحركة فى 15 سبتمبر 2004 أن «الحركة ستشارك فى الانتخابات الفلسطينية القادمة المحلية والتشريعية بشرط أن تكون نزيهة». وتأكيدا لهذا التوجه دعت الحركة المواطنين الفلسطينيين لتسجيل أسمائهم من أجل المشاركة فى الانتخابات. ومن جانبه أشار د.محمود الزهار إلى أن الحركة أعدت وثيقة تتعلق بالانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة، وتبين تعامل الحركة مع هذه المرحلة. وشاركت الحركة بالفعل فى الانتخابات التشريعية الثانية التى جرت فى يناير 2006، وفازت بالأغلبية وشكلت الحكومة، وهى التجربة التى انتهت بالفشل وأسفرت عن اندلاع قتال أهلى بين مسلحى فتح ومسلحى حماس انتهى الأمر بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة فى يونيو 2007، لتمثل فشل أول تجربة حكم لحكومة تابعة لحركة الإخوان المسلمين بكل ما ترتب على ذلك من تداعيات. اليوم لم تكتف حركة حماس بفصل القطاع عن الضفة، بل استغلت فترة مرسى فى استباحة الأمن القومى المصرى وعملت كفرع للجماعة، ومن ثم أخذت صف مرسى والجماعة واتخذت موقفا عدائيا من ثورة الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو، على النحو الذى جعل صورة الحركة فى عيون المصريين، حركة معادية لمصر والمصريين وهو ما تجسد فى تصريحات وزير الخارجية المصرى نبيل فهمى، الذى لوَّح للمرة الأولى فى تاريخ العلاقات المصرية الفلسطينية بإمكانية التفكير فى رد مصرى قاس على تجاوزات الحركة بحق الأمن القومى المصرى. وهنا تتجلى إساءة الحركة إلى القضية الفلسطينية والمشروع الوطنى الفلسطينى، فحتى لو لم يتطور الأمر إلى عمل عسكرى مصرى ضد حركة حماس، فإننا فى حاجة إلى بذل جهود ضخمة من أجل معالجة الأضرار التى سببتها الحركة للقضية الفلسطينية لدى غالبية الرأى العام المصرى.