لا أحد ينكر الدور الحيوى الذى لعبته جماعة الإخوان فى إتمام اتفاق المصالحة التاريخية بين حركتى فتح وحماس برعاية مصر.. هذا الدور شجع الحركة على استئناف مشاوراتها مع قادة حماس لإنجاز مهمة تشكيل الحكومة الفلسطينية المؤقتة، استعدادا لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة فى الأراضى المحتلة. رغم وجود عوامل ومتغيرات إقليمية ودولية عديدة دفعت كلا من حماس وفتح لإنهاء حالة الانقسام بينهما فإن هناك من يرى أنه لولا الدور الذى لعبه مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين لما تمت المصالحة بهذه المرونة والسرعة التى فاجأت الجميع. دور الجماعة الذى جاء علينا لأول مرة منذ عقود طويلة يطرح تساؤلات حول طبيعة العلاقة التى تربط بين حركة حماس فى قطاع غزة وجماعة الإخوان المسلمين فى مصر ؟ وتنامى الدور الإقليمى الذى تلعبه الجماعة فى المرحلة القادمة بعد سقوط نظام مبارك السابق ؟ قبل أيام من بدء المفاوضات المباشرة بين وفود حماس وفتح بالقاهرة الأسبوع الماضى، استقبل مكتب الإرشاد اثنين من قادة حماس الأول من غزة محمود الزهار والثانى من دمشق موسى أبو مرزوق.. الاثنان عقدا سلسلة اجتماعات منفصلة مع الدكتور محمد بديع وعدد من قادة الجماعة المتخصصين فى الملف الفلسطينى. من جانبه قدم الزهار لقادة الجماعة تقييما شاملا لتجربة حماس فى السلطة خلال السنوات الخمس الماضية، واختتم العرض برؤيتها لمستقبل التعاون مع فتح فى حال تم الاتفاق، فى حين ركز أبومرزوق على مستقبل قادة حماس فى سوريا فى ظل الانتفاضة الشعبية التى تهدد نظام حكم الرئيس بشار الأسد، واختتم عرضه باقتراح يقضى أن تخفف جماعة الإخوان فى مصر من ضغوطها على النظام السورى، وتقلص دعمها للانتفاضة الشعبية ضده لضمان استمرار دعم ومساعدة سوريا للمقاومة الفلسطينية، على أساس أن نظام بشار الأسد أفضل لحماس من أى نظام سورى بديل. على طريقة الطبيب الذى يستمع إلى مرضاه، قبل أن يقرر الدواء طلب مكتب الإرشاد وقتا لبلورة الموقف النهائى للجماعة الذى جاء حاسما بالنسبة للزهار بضرورة التفاهم الفورى مع فتح وإغلاق ملف المصالحة بأسرع وقت ممكن، أما بالنسبة لاقتراح أبو مرزوق الخاص بسوريا فتم تأجيله لمزيد من الدراسة من جانب خبراء وقادة الجماعة. المصالحة التى اغضبت اسرائيل وبناء على التنسيق المسبق والمشاورات العلنية والسرية بين قادة حماس فى كل من غزةودمشق تمت المصالحة فى القاهرة بلمسات إخوانية، تجلت بوضوح فى حفل الغداء الذى أقامه مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع للوفود المشاركة عقب توقيع الاتفاق فى مقر الجماعة بالمقطم.. ومع أن الدعوة وجهها مكتب الإرشاد لجميع الوفود إلا أن الاستجابة الكبيرة جاءت من وفد حماس الذين حرص أغلبهم على تلبية الدعوة بينما غاب السفير الفلسطينى بالقاهرة وأغلب قادة فتح وباقى الفصائل التى تتحفظ على توجهات الإخوان الأيدلوجية وكان إجمالى الذين حضروا الغداء نحو 50 شخصا بينما بلغ عدد أعضاء الوفود الفلسطينية المشاركة فى الاتفاق 350 مشاركا يمثلون 13 فصيلا فلسطينيا. الأزمة التى تواجه مكتب الإرشاد حاليا تتعلق بالخلاف مع قادة حماس فى غزة، فالجماعة ترى ضرورة التراجع خطوات للخلف بعيدا عن الحكم والسلطة فى الوقت الراهن، الاستعداد للانتخابات المقبلة، فى حين يرفض بعض قادة الحركة التخلى عن مكاسبهم السياسية والمميزات التى حققوها من سيطرتهم على مقاليد السلطة طوال السنوات الخمس الماضية. رغم التقاء حماس والإخوان فى نقطة التمسك بالمكاسب السياسية التى تحققت فإن الجماعة لديها معلومات حول تراجع شعبية حماس بقطاع غزة فى ضوء الأخطاء والممارسات السلبية التى وقعت فيها خلال تلك الفترة مما جعل شعب غزة ينتظر لحظة الخلاص منها فى أول انتخابات قادمة، فهل دعم ونصائح الإخوان لقادة حماس يتوج بحكومة فلسطينية ب «نكهة» إخوانية ؟ الإجابة تتوقف على مدى قدرة الإخوان على فرض رؤيتهم على حماس ونوع العلاقة التى تربطهما هل هى علاقة تبعية أم علاقة الأصل بالفرع ؟ المصضالحة تمت برعاية اخوانية السفير محمود كريم رئيس أول بعثة دبلوماسية مصرية لدى السلطة الفلسطينية يرى أن دور ورأى جماعة الإخوان المسلمين فى مصر أساسى بالنسبة لقادة حماس فى غزة، هم فى ذلك مثل باقى التنظيمات الإخوانية فى الدول العربية والعالم، فقد اعتادت الجماعة التنسيق مع الإخوان بالدول العربية فى القضايا العامة والرئيسية، لكن هناك أمورا داخلية تركت للقادة المحليين اتخاذ القرار المناسب بشأنها، وهذا الأمر كان واضحا بالنسبة للإخوان فى الأردن على سبيل المثال قرار مشاركتهم فى جميع الانتخابات المحلية، على عكس الإخوان فى دول عديدة رأوا أن عدم مشاركتهم فى اللعبة السياسية أفضل من المشاركة. يضيف السفير كريم: إن علاقة جماعة الإخوان بقادة حماس تستمد أهميتها من أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب والمسلمين، لذا كانوا طوال العقود الماضية حريصين على التنسيق والتشاور معهم حتى فى أحلك الظروف ورغم التضييق الذى كان يفرضه النظام السابق، ولذلك فإن قرار مشاركتهم فى الانتخابات لأول مرة جاء بناء على نصيحة من قادة الجماعة فى مصر، وحسب معلوماتى أن قادة حماس اختلفوا فيما بينهم بعد الانشقاق على فتح الذى جرى فى أعقاب فوزهم الكاسح بانتخابات ,2006 وكان هناك تيار يرى أن محمود الزهار أحق بقيادة حماس من إسماعيل هنية، لكن المفاجأة أن مهدى عاكف مرشد الجماعة فى مصر هو الذى حسم الصراع لصالح هنية. ويكشف السفير محمود كريم عن أن الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات كان حريصا على زيارة مرشد الجماعة فى كل مرة يزور فيها القاهرة، كما كان يلجأ إلى مكتب الإرشاد عندما تغلق أمامه أبواب التفاهم معهم فى بعض القضايا الداخلية، خاصة بعد انتقال السلطة إلى داخل الأراضى الفلسطينية، حيث اشتدت الصراعات ووصلت إلى حد الاقتتال والاغتيال، ففى بعض الأحيان كان لا يجد الرجل أى مخرج سوى اللجوء إلى مكتب الإرشاد الذى يتمتع بكلمة مسموعة لدى جميع أجنحة حركة حماس. الخبير الاستراتيجى الفلسطينى الدكتور محمد أبوسمرة يتفق مع السفير محمود كريم فى أن جماعة الإخوان لها تأثير واسع على كل أجنحة حماس، وأن نصائحها لهم كانت دائما المخرج الوحيد للعديد من الأزمات التى كانت تعصف بهم فى الداخل الفلسطينى، ويتوقع أن يتضاعف دور الإخوان فى التأثير على قرار حماس فى المرحلة القادمة بعد أن أصبحت الطرق كلها مغلقة فى وجوههم بسبب الأحداث التى تعصف بنظام الحكم فى سوريا آخر نظام عربى يأوى قادة الحركة فى الخارج، وتراجع دور كل من إيران وحزب الله اللبنانى، فلم يبق أمامهم سوى التفاهم مع فتح والعمل بنصائح إخوان مصر بعد سقوط النظام السابق وتنامى دورهم فى الحياة السياسية المصرية. ويعترف أبو سمرة بأن نصائح جماعة الإخوان لقادة حماس لعبت دورا إيجابيا فى تشجيعهم على إتمام المصالحة وإبداء المرونة فى مفاوضات تشكيل الحكومة التوافقية التى تشهدها القاهرة حاليا، حيث يجرى الحديث عن حكومة «تكنوقراط» برئاسة أبومازن أو سلام فياض ويكون إسماعيل هنية نائبا لرئيس الوزراء بجانب منح حماس بعض الحقائب مقابل تسليمها للمقار الأمنية وتنازلها الكامل عن السلطة فى غزة، وهو أمر ليس بالهين لأنه يفقد عناصرها قوة ويسحب من أتباعها مكاسب ضخمة كانوا يحققونها من وجودهم فى السلطة. أما زياد عبد الفتاح أحد قادة حركة فتح فيرى أن أهمية دور الإخوان المسلمين يأتى فى الحصول على ضمانات كافية من قادة حماس بالتصدى لأى محاولة لتخريب المصالحة من جانب بعض أجنحة حماس العسكرية التى لا ترغب فى المصالحة مع فتح، وأن يكون مكتب الإرشاد فى القاهرة ضامنا لعدم تخلى حماس عن الاتفاق والعودة للانقسام من جديد، خاصة أن أغلب الرأى العام الفلسطينى يميل إلى الانفتاح والليبرالية وليس إلى التشدد وهذا ما ستكشف عنه الانتخابات المقبلة. ويعترف القيادى البارز بجماعة الإخوان الدكتور محمد البلتاجى، بدور الجماعة فى الوساطة وإقناع حماس بضرورة الدخول الفورى فى المصالحة الوطنية لخدمة القضية الفلسطينية، بعد الخلاص من «فيتو» النظام السابق الذى كان يمارس ضغوطا واسعة على قادة حماس لقبول شروط لا تتفق مع المصلحة الوطنية وتصب فى مصلحة المحتل الصهيونى. وحول دور مكتب الإرشاد فى إتمام المصالحة قال البلتاجى: إن دورنا توقف عند تهيئة الظروف والأجواء المناسبة لإتمام المصالحة اعتقادا من الإخوان بأن أسباب عدم تحقيقها لم تعد قائمة وأن الظروف والتحولات التى تشهدها المنطقة العربية تتطلب توافر جبهة فلسطينية موحدة وقوية، لذلك كنا ومازلنا متحمسين لدعم أى جهود تحقق طموحات وأمانى الشعب الفلسطينى فى بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.