تشهد السياسية الخارجية المصرية مرحلة مختلفة من التعامل في العديد من الملفات الإقليمية من حيث الانتقال من التعامل الغامض أو الغير معلن إلي التعامل المعلن، فبعد ثلاث سنوات من الغموض في العديد من المواقف نتيجة تشابك المصالح بين مصر وبعض دول الإقليم أو بمعني أدق محاولة الدولة المصرية الملائمة بين المصالح الداخلية نتيجة الاحتياجات الاقتصادية وبين مواقفها الأمنية استخدمت الدولة المصرية مسار خاطئ تحت مسمي (الغرف المغلقة) للتعامل مع بعض الأطراف الإقليمية، وعلي الرغم من حتمية فشل هذا المسار في العلاقات الخارجية وخصوصا في التعامل مع بعض الملفات الغير تقليدية في المنطقة وهو ما ثبت فشله بعد مرور ثلاث سنوات، لأن التعامل بشكل واضح في تلك الملفات يعطي نفس النتيجة الإيجابية والأهم هو رسمه لمسار ونمط علاقات قائم علي المصلحة الوطنية بين الأطراف المختلفة وفي نفس الوقت يحقق نتائج كبري، وبشكل أكثر وضوحا، السلطة السياسية المصرية علي مدار ثلاث سنوات ترفض تكرار النموذج العراقي بعد صدام حسين من حيث القضاء علي الجيوش الوطنية بجانب رفضها لسيناريو تقسيم الدول، باعتبار أن البديل الجاهز لملئ الفراغ في هذه الحالة هي المليشيات المسلحة التابعة لأطراف إقليمية ودولية، بجانب التنظيمات الجهادية المتطرفة، هذا الأمر كان حاسم بالنسبة للدولة المصرية علي مدار السنوات الأخيرة ( وفي اعتقاد كاتب المقال أن هذا الأمر كان جزء من الخلاف بين سلطة الرئيس الأسبق محمد مرسي والمؤسسة العسكرية، بعد خطاب مرسي الشهير بإستاد القاهرة في 15 يونيو 2013، والذي أعلنه فيه قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وإعلان دعمه للقوي المعارضة ومطالبة للجيش المصري بتدريب عناصر المعارضة وأطراف من المليشيات المسلحة التي تخوض المواجهة ضد نظام بشار، يضاف إلى ذلك موقف الرئيس الأسبق محمد مرسي من الأزمة الليبية وقربة من "فجر ليبي – والقوي السياسية في مصراتة). هذا الأمر في اعتقادي كان نقطة فاصلة في العلاقة بين الطرفين ويمكن اعتبار ذلك محرك أساسي للقوات المسلحة لحسم موقفها تجاه أطراف الصراع في مصر بين قوي المعارضة والسلطة الحاكمة، ومنذ تلك اللحظة وبدأت الدولة المصرية في حسم موقفها تجاه بعض القضايا الإقليمية ولكن كان الحسم في الغرف المغلقة وخصوصا بعد 30 يونيو، والبعض يفسر ذلك باحتياج مصر للمساندة الخليجية وخصوصا المملكة العربية السعودية علي المستوي الدولي والاهم المساندة الاقتصادية والمالية لمصر، وعلى الرغم من صحة هذا التفسير إلا انه مسار خاطئ لأي سلطة حاكمة، لأن نهاية هذا المسار سيكون أشبه بما هو حادث الآن من تصاعد حدة التباينات بين الأطراف المتحالفة، وليس معني ذلك أن يكون المسار السياسي منذ اللحظة الأولي للدولة المصرية هو العداء مع المملكة العربية السعودية ولكن التعامل علي قاعدة المصالح المشتركة والوضوح (ليس في الغرف المغلقة) ولكن في العلن وهو ما يمكن ان يحقق للدولة المصرية نفس المكاسب التي حصلت عليها من دول الخليج، ويساعد في تحديد نمط وسقف العلاقة بين الطرفين بين ما هو ممكن وما هو غير ممكن، (وهو ما تم التعرض اليه في المقالة السابقة بإجابتنا علي تساؤل هل المملكة العربية السعودية تحتاج لمصر؟) وكانت الإجابة والتحليل حاسم (بنعم)، وهو ما يؤكد علي خطأ السلطة في اتخاذ مسار الغرف المغلقة في إدارة العلاقة مع دول الخليج أو غيرها. وبعيدا عن تفاصيل المرحلة السابقة نشهد خلال الشهر الماضي تحول جوهري في السياسية الخارجية المصرية ليس من حيث المضمون ولكن نمط إدارة العلاقة مع الحلفاء والشركاء، وهو ما تم ملاحظة في الأزمة الليبية خلال الثلاث أشهر الماضية ، فبعد ضغط خليجي علي الدولة المصرية لقبول طرح بنقل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية من عقيل صالح رئيس مجلس النواب الليبي إلى فائز السراج رئيس حكومة الوفاق، على الرغم من عدم اقتناع الدولة المصرية بهذا الأمر بل رفضها لهذا التصور بما له من انعكاسات خطيرة علي موازين القوي الداخلية في ليبيا والأضرار التي يمكن أن تقع علي الأمن القومي المصري في تلك الحالة، إلا أن الخارجية المصرية عقد اجتماع ثلاثي لأطراف الأزمة الليبية ( حفتر – عقيل – السراج ) بالقاهرة مع نهاية الشهر قبل الماضي لطرح هذا التصور الخليجي، واستمر الاجتماع لمدة ثلاث أيام والذي لم يسفر عن نتائج سواء مزيد من التأزم ليس بين الأطراف الثلاثة بل بين مصر والأطراف المسيطرة علي المنطقة الشرقية بليبيا (عقيل وحفتر)، حيث قوبل الطرح برفض شديد من قبل الفريق حفتر ورئيس البرلمان الليبي والذي استشعر الاخير تخلي مصر عنه لصالح حكومة طرابلس، ومع استشعار مصر خطر هذا التصرف عقدت الدولة المصرية اجتماع خلال شهر سبتمبر الماضي للأطراف الثلاثة لإعادة التأكيد علي التصور المصري والذي يتمثل في استمرار الدعم والمساندة للجيش الوطني الليبي ورفضها دمج المليشيات المتطرفة داخل الجيش الوطني، مع طرح تصور مصري لحل أزمة القيادة العليا للقوات المسلحة بتشكيل مجلس للقيادة العسكرية يضم (حفتر والسراج وعقيل وطرفين مستقلين) أشبة بمجلس اعلي للقوات المسلحة ويأخذ صلاحية القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، وهو ما أزعج بعض الأطراف الإقليمية. هذا التحرك المعلن بشكل واضح من قبل الدولة المصرية يرتبط بمسار أكثر وضوحا في الملف السوري فإعلان الدولة المصرية بشكل غير رسمي لأول مرة عن زيارة مسئول امني سوري لمصر أمس (علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني – الاستخبارات السورية) للقاهرة كان تحرك مختلف عن مسار التحرك المصري خلال السنوات الماضية، وان كان التحرك المصري في الملف السوري يقف عند نقطة إعلان الموقف وليس الفعل وان كان الأخير (الفعل) يتشكل ملامحه بناء علي شكل ومسار العلاقة مع بعض الأطراف الإقليمية وهو ما يمكن أن ينتقل المسار المصري سواء كان علي مسار الموقف أو الفعل من الملف الليبي لباقي الملفات الإقليمية الاخري (سوريا – اليمن - ........). علي الهامش: بمتابعة انتشار القوات الروسية والأمريكية والبريطانية والفرنسية في منطقة الشرق الأوسط سواء كان الانتشار متمثل في مقاتلات بحرية أو حاملات بحرية عسكرية نجد تقارب هذا الانتشار في البحر الأحمر والبحر المتوسط وفي بعض دول الإقليم ليصل لمشهد قريب من نمط انتشار القوات الأمريكية والبريطانية أثناء غزو العراق وهو ما دفع البعض لطرح تحليل نهايته دخول المنطقة علي حرب جديدة خلال الأشهر القادمة، وخصوصا بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو ما يطرح تساؤل عن أطراف الحرب المحتملة وأماكن خوض المعركة وتكتيكات وأدوات تلك الحرب المحتملة؟.