فرضت الأحداث السياسية والأمنية فى المنطقة العربية العديد من التحديات أمام الدولة المصرية خلال السنوات الخمس الماضية فى وقت تراجع الدور المصرى فى المنطقة أو بمعنى أدق تلاشى الدور السياسى لمصر على المستوى الإقليمى والدولى، ولا نحتاج لشواهد لإثبات ذلك، وبعيدا عن فكرة الثقل التاريخى والبعد الجغرافى وإن كان حقيقى ولكن الواقع يقول شيئا آخر، فقوة الدول لم تعد تقوم على الأبعاد التاريخية والجغرافية والسكانية، بل على قدرتها الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية، وهذا ما جعل من دول ليس لها حضارة "ربع عشر" الحضارة المصرية، ولم تكن موجودة على الخريطة السياسية للدول كاسم منذ قرن، فأصبحت تلك الدول لاعب بل فاعل سياسى إقليمى ودولى مهم، وهو ما يرجعه البعض لامتلاك تلك الدول عنصر المال أو القوة الاقتصادية، وهو ما كان متوفر فى مصر فى زمن ليس ببعيد ولكن بعيدا عن أسباب التراجع الاقتصادى والسياسى والثقافى وخلل منظومة القيم لمصر خلال السنوات الأخيرة والذى يعلم أغلبية الشعب المصرى أسباب حدوث ذلك، يمكنا الحديث عن ملف واحد خاص بالسياسية الخارجية المصرية وهو يعتبر الملف الأهم لارتباطه بالأمن القومى المصرى المباشر وهو الملف الليبى والأزمة الليبية. (1) الحدود الغربية لمصر وأهميتها كلمة تم ذكرها على لسان القيادة السياسية لمصر فى أكثر من مناسبة، وهو ما جعل من الملف الليبى واحد من الملفات الهامة والمؤثرة على الأمن القومى المصري، ماذا حدث فى هذا الملف؟ تقدمت الخارجية المصرية مبادرة للتقارب بين برلمان طبرق والمجلس الرئاسى والفريق حفتر، فقد حضر الأطراف الثلاثة للازمة للقاهرة بحضور عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي، و فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية، والفريق خليفة حفتر، واستمر الاجتماع لمدة ثلاث أيام والذى لم يسفر عن نتائج سواء مزيد من التأزم ليس بين الأطراف الثلاثة بل بين مصر والأطراف المسيطرة على المنطقة الشرقية بليبيا (عقيلة وحفتر)، نتيجة سوء تقدير وإدارة من قبل القائمين على الملف، كيف حدث ذلك؟ وما هو تأثير هذا الخلاف على الأمن القومى المصري؟ (2) كيف حدث ذلك؟ فى البداية دعونا نتعامل مع الموقف بشكل برجماتى فمن مصلحة مصر أن يحدث استقرار سياسى فى كافة أرجاء ليبيا ولحين تحقيق ذلك فعلى مصر أن تعمل على حماية حدودها الغربية لمنع انتقال المتطرفين وعناصر الميليشيات المسلحة إلى الأراضى المصرى وحماية العاملين من المصريين فى ليبيا وهو ما يفرض على مصر زيادة معدلات التنسيق مع برلمان طبرق والأجهزة الأمنية فى المنطقة الشرقية لأنها هى القادرة على التعاون مع الجانب المصرى لحماية الحدود وخصوصا مع سيطرة (جماعة هشام عشماوي) على منطقة "درنة" والتى لا تبعد إلا كيلومترات قليلة عن الحدود المصرية الغربية، تلك الجماعة التى مازالت تبايع تنظيم القاعدة وهى المسئولة عن أحداث (الفرافرة 1-2) وتعتبر تلك الجماعة مع صغر حجمها وقلة أعداها إلا أنها اخطر من تنظيم بيت المقدس فى سيناء من وجهة نظر الكاتب (هشام عشماوي) ضابط الصاعقة السابق بالجيش المصرى يمتلك من المعلومات والقدرات التدريبية الكثير وهو ما جعل من عملياته الإرهابية ذات تأثير كبير من حيث عدد الضحايا وأماكن الاستهداف، بجانب ذلك فإن أغلب المصريين العاملين فى ليبيا يتواجدون فى المنطقة الشرقية، ونتيجة التنسيق بين مصر وبرلمان طبرق خلال المرحلة الماضية جعل الأمر أسهل على الحكومة المصرية سواء فى حماية الحدود أو فى استرجاع المصريين الذين يتم اختطافهم من قبل تنظيمات مسلحة فى المنطقة الشرقية الليبية، وبالرغم من كل ذلك وأكثر تمكن الوزير سامح شكرى وزير الخارجية المصرى أن "يبدع" فى الملف عن طريق الضغط على (عقيلة وحفتر) بنقل سلطة القيادة العسكرية لفايز السراج وهو ما رفضه رئيس البرلمان الليبى والذى استشعر تخلى مصر عنه لصالح حكومة طرابلس. (3) ما هو تأثير هذا الخلاف بين مصر و (عقيلة – حفتر) على الأمن القومى المصري؟ كانت نتيجة فشل المفاوضات الثلاثية تأثيرها المباشر على الأمن القومى المصرى، أولا: فقدان الثقة من جانب (عقيلة وحفتر) تجاه الدولة المصرية، ثانيا: فشل المفاوضات وهو ما جعل من صورة مصر الخارجية أمام المجتمع الدولى بأن الدولة المصرية غير مؤثرة فى الملف الليبى على الإطلاق ولا تمتلك أوراق للضغط، ما دفع حكومة الوفاق بل وبرلمان طبرق الترحيب أو غض البصر عن تواجد قوات بريطانية وفرنسية على الأراضى الليبية وقيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بعمل ضربات جوية فى ليبيا، ثالثا: وهو الأهم انتشر خلال الأيام الماضية أخبار عن اختطاف مصريين فى ليبيا وهى نتيجة متوقعة فمن كان يحمى ويتدخل للإفراج عن المصرين أصبح يشعر بتخلى من الجانب المصري، واتمنى أن يقف الأمر عند هذا الحد ولا نسمع عن عمليات إرهابية فى المنطقة الغربية لمصر نتيجة مرور عناصر إرهابية ومتطرفة من الأراضى الليبية تجاه مصر. المبدأ الحاكم فى السياسية بين الدول هى المصلحة وعندما يستشعر طرف تخلى الطرف الآخر عنه يعنى فقدان عنصر المصلحة وهو ما يدفع للبحث عن بديل وهذا ما حدث من جانب (حفتر) الذى ذهب إلى روسيا للبحث عن بدائل أخرى يمكن أن تصل تلك البدائل لأطراف إقليمية تضر بالمصلحة الوطنية لمصر، فهل ما فعله الوزير سامح شكرى والجهات المعنية الأخرى بالملف الليبى حققت الهدف؟ بالطبع لا بل بدأت مصر تفقد العنصر الوحيد لديها فى التأثير على الأحداث الداخلية الليبية. على الهامش: ما يحدث من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين يا سيادة الوزير سامح شكرى اسمة إرهاب ولا يحتاج لتعريف دولى لمعنى الإرهاب.