من أبرز سمات الدولة المصرية تاريخيا أنها دولة مركزية تبسط سيطرتها على أراضيها، ولم تنجح محاولات الخروج على سيطرة الدولة المركزية المصرية فى أى مرحلة تاريخية، نعم تعرضت مصر الدولة لفترات ضعف ووهن، فكان المآل بروز محاولات للخروج على سلطة الدولة المركزية، وفى فترات أخرى تم احتلال أجزاء من أرض البلاد أو وقعت البلاد بأسرها تحت الاحتلال الأجنبى، وهو ما حدث لمصر على مر التاريخ، فى العهد الفرعونى، الحقبة القبطية، وصولا إلى الاحتلال الإنجليزى لكامل البلاد والإسرائيلى لشبه جزيرة سيناء. كانت القاعدة العامة على مدار تاريخ مصر هى وجود دولة مركزية قوية تبسط سيطرتها على أراضيها، على كامل التراب الوطنى، أما الوهن والضعف فقد كان الاستثناء على مر التاريخ. ولعل أحدث فترات ضعف أو إضعاف الدولة المصرية تلك التى بدأت فى أواخر عهد مبارك نتيجة استشراء الفساد والظلم ومشروع التوريث، تردى العلاقة بين مؤسسات الدولة لا سيما بين الجيش والشرطة، وهو ما أدى إلى سقوط النظام وترنح مؤسسات الدولة. وجاءت طريقة أداء المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوى لتضيف المزيد من الوهن للدولة المصرية على النحو الذى تبدى بوضوح فى رضوخ المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة لتهديدات الجماعة بحرق البلد، ومن ثم تم تسليم السلطة للمرشد والجماعة عبر إعلان فوز مرشح الجماعة محمد مرسى بمنصب الرئيس. تعتبر فترة حكم محمد مرسى التى استمرت لمدة عام فترة تمزيق أوصال الدولة المصرية وضرب مؤسساتها، فقد عمل مرسى لخدمة مشروع الجماعة والتنظيم الدولى وسعى بكل قوة لضرب الوطنية المصرية، ضرب مؤسسات الدولة، إضعافها، بل إرهاقها، تعمد محمد مرسى إضعاف القوات المسلحة وشل سيادة الدولة المصرية على شمال سيناء، فتح حدود مصر أمام دخول آلاف الإرهابيين من شتى أنحاء العالم، إدخال كميات هائلة. السلاح الخفيف والثقيل وتخزينه لدى جماعات مسلحة ومجموعات وفدت من الخارج. وواصل مرسى والجماعة مخطط هدم مؤسسات الدولة فحاول تمزيق جهاز الشرطة واختراقه عبر شراء بعض القيادات، التفاهم مع عدد آخر والتحضير لإلحاق عدد كبير من عناصر الجماعة بكلية الشرطة لضمان السيطرة المباشرة على الجهاز مستقبلا. والتفتوا إلى مؤسسة القضاء محاولين ضربها وإزاحة شيوخ القضاء لحساب مجموعة موالية للجماعة (قضاة من أجل مصر) وخلايا الجماعة التى كانت نائمة داخل مؤسسة القضاء، وهو ما تمكنوا من تحقيقه عبر دستور 2012. طبعا كانت الجماعة تتحين الفرصة للسيطرة على مؤسسة الجيش، استعانوا بالخبرة التركية فى كيفية تقزيم دور الجيش والسيطرة عليه وإخضاعه، جاء رجال أردوغان إلى مصر لنقل التجربة التركية وهو ما كانوا يرتبوا لتنفيذه بعد مرور 30 يونيو الذى تعاملت معه الجماعة بأنه سيكون يوما عاديا. خرج ملايين المصريين فى 30 يونيو و3 يوليو ضد حكم المرشد والجماعة، وتحاوب معهم الجيش المصرى فبدأت عملية استعادة الدولة المصرية، وكان تجاوب المصريين مع دعوة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسى للخروج إلى الشوارع والميادين فى 26 يوليو مؤشرا واضحا على رغبة الشعب فى عودة الدولة المصرية، وهو ما بدأ يتحقق بالفعل، حيث تعاون الجيش مع الشرطة فى فرض السيطرة على البلاد وإزالة آثار عدوان الجماعة على الدولة المصرية. نجحت السلطات المصرية فى فرض سيطرة الدولة سريعا، وبقيت بؤر ملتهبة تمثلت فى شمال سيناء، حيث توطنت جماعات إرهابية من شتى أنحاء العالم، ويخوض الجيش قتالا شرسا ضدهم وأوشك على إيقاع الهزيمة الكاملة بالعناصر الإرهابية، ومن ثم استعادة السيطرة على شمال سيناء وإعادتها إلى حضن الوطن. وتمثلت البؤر الإرهابية أيضا فى قرية دلجا، حيث فرض أنصار الجماعة سيطرتهم على القرية، أقاموا المتاريس على مداخلها ونكلوا بسكانها من الأقباط، وقد تمكنت قوات مشتركة من الجيش والشرطة من دخول القرية وفرض السيطرة عليها بنجاح وإنهاء ظاهرة خروج القرية عن سيطرة الدولة المصرية. تمثلت البؤرة الأخيرة فى قرية كرداسة التى لجأ إليها المئات من أنصار الجماعة بعضد فض اعتصامى رابعة والنهضة وفرضوا السيطرة على تلك القرية السياحية المتاخمة للعاصمة وعزلوها عن باقى محافظة الجيزة وعاثوا فيها فسادا بعد أن ارتكبوا جريمة قتل وسحل والتمثيل بجثث ضباط وجنود قسم الشرطة هناك، صباح أمس بدأت عملية فرض سيطرة الدولة المصرية على تلك القرية لتنتهى بذلك مغامرات الجماعة داخل حدود الوادى والدلتا، وتتبقى شمال سيناء، وبذلك تعود الدولة المصرية مجددا دولة مركزية تبسط سيطرتها على كامل ترابها الوطنى.