طبعًا لا يبدو الإعلان عن القبض على خلية (إثارة الجو التشاؤمى) التى أعلنت عنها وزارة الداخلية مؤخرًا، هو السبب فى أن يكتب السيد أحمد عز رسالته التى نشرتها جريدة "المصرى اليوم" تحت عنوان (دعوة للتفاؤل).. فالرجل رغم كل القضايا التى تورط فيها والاتهامات التى وجهت إليه والجرائم التى شارك فى ارتكابها سواء على المستوى السياسى بدءا من الترويج والإعداد لسيناريو التوريث ومرورًا بالإشراف على التزوير الفج فى الانتخابات البرلمانية فى 2010 وليس انتهاء بالفساد الاقتصادى، ها هو حر طليق، يمارس أعماله الاقتصادية، ويبحث عن فرص العودة للمشاركة العامة، وكتابة آرائه ووجهات نظره فى مقالات ورسائل تذكرنا بالمقال الطويل الذى نشر بجريدة "الأهرام" عقب تزوير انتخابات 2010 ليقدم فيه وقتها السيد عز تفنيده وردوده على ما أثير حول الانتخابات ونتائجها، ويؤكد لنا أن مصر وقتها تسير فى الطريق الصحيح نحو الديمقراطية، قبل شهور قليلة من اندلاع ثورة يناير، التى كانت، وربما لا تزال، الأمل الوحيد الحقيقى فى التحول الديمقراطى فى هذا البلد، وهو الأساس الأول لأى رهان حقيقى على تحولات أخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية ومجتمعية. (1) لا يمكن أن تلوم السيد أحمد عز على سعيه للتعبير عن رأيه وموقفه مما يجرى فى البلاد، والذى يمثل بوضوح بحثًا عن مساحة جديدة له ولمن يعبر عنهم من شبكات مصالح ونفوذ، حتى وإن قال فى مطلع مقالته المنشورة إنه لا يهدف للسعى وراء الظهور فى الساحة العامة، رغم أن أنباء هذا السعى تتكرر وتتردد بين الحين والآخر، منذ خروجه من الحبس الذى لم يستمر، تارة عبر الانتخابات البرلمانية السابقة، وتارة عبر التفكير فى إنشاء حزب أو الاستحواذ على أحد الأحزاب القائمة أو الجديدة، وتارة عبر الإعداد لخوض الانتخابات المحلية المقبلة. كما لا يمكن أن تلقى باللوم على الجريدة التى سمحت بنشر هذه الرسالة فى شكل مقال يجرى الاحتفاء به والتنويه عنه على صدر صفحتها الأولى، مع تقديم من رئيس تحريرها يبرر ويفسر أسباب نشرها. إذا كنا جادين حقا، فمن يتحمل مسئولية عودة عز ومن هم مثله وعلى شاكلته مرة أخرى إلى الساحة السياسية والإعلامية والمجتمعية، فهم أولا المسئولون عن صنع هذه الحالة فى البلد على مدار السنوات السابقة التى أدت لفراغ سياسى هائل، يمكن لأى من كان أن يحاول ويسعى لملئه، ومن تعاملوا مع قضايا وجرائم نظام مبارك بهذا الشكل الذى أدى فى النهاية لتبرئة أغلب رموز هذا النظام، ومن أعادوا إنتاج السياسات القديمة ذاتها للدرجة التى تجعل أحمد عز بنفسه يعلن فى مقاله الدعوة للتفاؤل بأوضاعنا الاقتصادية الراهنة، وأن هذه ليست أول ولا أكبر الأزمات وأنها فى طريقها إلى الحل. (2) رسالة أحمد عز المنشورة فى شكل مقال تتحدث عن ست ملاحظات رئيسية على هامش الأزمة الاقتصادية الحالية، ملخصها المفيد سياسيا بغض النظر عن تفاصيلها الاقتصادية المردود عليها، هو أن عز ومن يمثلهم، يؤيد السياسات الراهنة.. وبينما قد ينظر إلى ذلك باعتباره بحثا عن مساحة مع السلطة الحالية فى ظل خصومات وتباينات مؤكدة، إلا أنه من حيث الجوهر يعد تأكيدا على أن هذه السياسات هى ذاتها ما كان عز وفريقه فى قيادة مشروع التوريث يروجون له وساعين لتطبيقه.. وهنا بيت القصيد الذى يدعو للعجب، فنحن أمام سلطة تحدثت طويلا ولو بالتلميح غالبا وبالتصريح قليلا عن أن أسباب وجذور الأزمات الراهنة المسئول عنها هو الأنظمة السابقة وتحديدا فترة حكم مبارك، بينما تعيد إنتاج ذات السياسات والانحيازات متصورة أنها بذلك تقدم حلولا لها.. وفى المقابل، فنحن أمام أحد المعبرين الأساسيين عن شبكات المصالح والنفوذ القديمة، التى يبدو الخلاف بينها وبين السلطة الحاكمة على نصيبها من الكعكة لا على جوهر السياسات، يعلن تفاؤله أن الأزمة فى طريقها للحل، ويحاول تفنيد الانتقادات ومكامن القلق من السياسات والتوجهات الاقتصادية الحالية، بل ويبشرنا بأن تعويم الجنيه الذى يسميه (تصحيح سعر الصرف) هو الطريق الصحيح لبداية مشروع لنمو الاقتصاد المصرى ومعالجة أزماته، وهى الخطوة التى يبدو أنها صارت قريبة للغاية من توجه السلطة إليها. (3) دعوة أحمد عز للتفاؤل ربما هى فى ذاتها مصدر للتشاؤم، فأن يكون من يبشرنا بما هو قادم واحدًا من الرموز الأساسية لنظام الفساد والنهب والإفقار الذى ما زلنا نعانى منه، يعنى دون شك وبيقين كامل أننا فى الطريق لما هو أسوأ. وربما الأمر الإيجابى الوحيد فى هذه الدعوة، هو أنها تكشف بوضوح عن طبيعة السياسات القائمة، وتبين بجلاء طبيعة المؤيدين لها، ثم أنها تؤكد أنه لا تغير حقيقى فى طرق التفكير ومناهجه ولا سبل الحل وأساليبه ولا جوهر الانحيازات وطبيعتها.. وهذا فى ذاته، رغم كل ما يحيط به من علامات استفهام وتعجب، يبدو أمرا داعيا للتفاؤل، لكن بطريقة مختلفة عما يطرحه السيد عز. (4) مثلما بشرنا عز منذ سنوات قليلة بأن مصر مستقرة وفى طريقها الصحيح إلى الديمقراطية والتى هون فيها من التزوير الذى جرى لانتخابات 2010 واعتبرها مجرد تجاوزات، فكان الرد بعد شهور قليلة بخروج الملايين لإسقاط نظام مبارك فى ثورة يناير.. ها هو الآن يبشرنا بأن أوضاعنا الاقتصادية ليست بهذا السوء وأنه سبق لنا أن تجاوزنا ما هو أصعب وأن الحل هو انتهاج السياسات التى كان هو وداعمو توريث جمال مبارك يروجون لها والتى يرى إشاراتها وبشاراتها الآن بما يجعله متفائلا.. لكننا نخشى هذه المرة أنها لن تكون بشرة خير إذا جاء الرد من الشعب المصرى على حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، خاصة فى ظل حالة الفراغ والسيولة السياسية القائمة، وفى ظل ما يعانيه المجتمع من انقسام وتشتت، وفى ظل ما ترسخه السلطة الحالية من استبداد وقمع. لكن المؤكد أن الكلمة الأخيرة ستظل ملكًا للشعب وحده، واليقين الآن أننا أمام نظام مبارك بوجوه أخرى حتى وإن تبدلت الأسماء والأدوار.