فى يونيو 2011 صدر مرسوم بقانون من المجلس العسكرى الحاكم للبلاد، ينص على تعديل أحكام قانون الغدر، ولكن هذا القانون بتعديلاته لم يطبَّق على أحد، ولم يُستخدم منذ صدوره حتى الآن، كانت ثورة يناير ما زالت فى حدّتها وعنفوانها، وأمام مطالب الثوار بضرورة محاكمة الذين أفسدوا الحياة السياسية فى عهد مبارك، اضطر المجلس العسكرى لإصدار هذا المرسوم والذى عُدِّل من خلاله أحكام قانون الغدر الصادر عام 1952 بعد شهور من ثورة يوليو، وكانت أهم التعديلات التى أجراها المستشار محمد عبد العزيز الجندى وزير العدل وقتها أنه اختصّ محكمة الجنايات دون غيرها بالنظر فى دعاوى الغدر، على أن تحدد محكمة الاستئناف دائرة أو أكثر لنظر القضايا، كما منع المرسوم إقامة الدعاوى إلا بناءً على طلب من النيابة العامة، أما العقوبات فقد ظلت كما هى فى القانون الأول والتى تصل إلى السجن والحرمان من الوظائف العامة والمنع من العمل السياسى أو الانتماء إلى أحزاب سياسية، ولكن على العكس من ثورة يوليو التى أسرفت فى تطبيق القانون، فإن القائمين على حكم البلد بعد ثورة يناير تجاهلوه تماما، وساعد على ذلك أنه بعد صدور المرسوم استقالت الوزارة التى ساهمت فى إعداده، ثم وقعت وتوالت عدة صدامات مثل أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية وغيرها من الصدامات بين الثوار من جانب والحكومة والمجلس العسكرى من جانب آخر، ولم يفكر أحد فى استخدام هذا القانون لمعاقبة من أفسدوا الحياة السياسية فى ظل النظام الأسبق، ويبدو أن الجميع نسوه تماما، لا الثوار تذكَّروه ولا الحكومة وضعته موضع التنفيذ، وحتى الإخوان المسلمون لم يستفيدوا منه، بل إنهم وبعد حصولهم على أغلبية البرلمان، لجؤوا إلى إصدار قانون للعزل السياسى قبل انتخابات الرئاسة فى محاولة للتخلص من بعض منافسيهم على مقعد الرئاسة، وهو القانون الذى قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته، مما دفع الإخوان إلى وضع مادة تفصيل فى دستور 2012 المجمَّد لإبعاد بعض قادة الحزب الوطنى المنحلّ عن المشاركة السياسية، ولو كانوا يدركون وجود مثل هذا القانون لاستخدموه ضد معارضيهم برعاية النائب العام الذى اختاره د.محمد مرسى بالمخالفة للقانون، ولكن هذا القانون المنسى من الجميع ما زال قائما حتى الآن، ومن الممكن تطبيق أحكامه على من أفسدوا الحياة السياسية فى مصر، سواء كانوا المنتمين إلى الإخوان المسلمين، أو على رموز نظام مبارك، فهو على سبيل المثال يتيح الفرصة لمحاكمة كل من أسهم فى تمكين الإخوان من مفاصل الدولة باعتباره نوعا من الإفساد، كما يضع تحت طائلته، مَن زوَّروا الانتخابات فى ظل النظامين: السابق، المهيمنة عليه الجماعة ومكتب الإرشاد، والأسبق الذى كان يسيطر عليه الحزب الوطنى ولجنة السياسات، كما يمكن تشكيل لجنة قانونية لمراجعة القوانين المهمة التى صدرت فى العهدين، لمعرفة هل تم توجيهها إلى صالح أشخاص بعينهم بحيث تتيح لهم التربح والحصول على مكاسب دون مؤاخذة قانونية، أو أنها تمنح فرصة لجماعة بعينها لاستغلال موارد الدولة لصالحها تحت حماية القانون، بل إن تعيين مسؤولين غير أكْفاء فى مناصب مهمة هو الإفساد بعينه لأنه يؤدى إلى الانحدار بالبلد، الأهم أن نصوص هذا القانون تنطبق على من أصدروا الدستور الليلى، فلا توجد جريمة أكبر من إصدار دستور ملاكى وعلى مقاس الجماعة ومَن والاها، وهو نفس ما ينطبق على التعديلات الدستورية التى أجراها مبارك قبل تنحيه وجاءت على مقاسه هو وابنه، وكانت تمهِّد الطريق للوريث لاعتلاء مُلك مصر، أيضا الاعتداء على السلطة القضائية ومحاصرة المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى، وإن كانت تدخل تحت طائلة قانون الجنايات، إلا إنها تمثل جريمة فساد خصوصا أن كثيرا من الجرائم، رغم يقيننا بارتكاب الجانى لها ومعرفتنا به، فإن المحكمة تقضى ببراءته لعدم كفاية الأدلة، بل إن بعضا من قيادات النظام المباركى حوكموا بقوانين أصدروها هم وكان من الطبيعى حصولهم على البراءة، أما الإخوان فإن نجاة بعضهم من القضايا الجنائية وارد ولكن إفسادهم للحياة السياسية فمؤكد. قانون الغدر موجود ونصوصه تنطبق على الكثيرين، فتذكَّروه وأخرِجوه من الثلاجة.