إدارة أوباما بكامل فريقها دخلوا فى معركة «ترويج الحرب».. ومراقب: نزلوا الملعب ولا ينوون تركه إلا ومعهم النصر قرار التدخل العسكرى فى سوريا لم يحظ بعد بالتأييد المطلوب والمنتظر من الشعب الأمريكى. وفى محاولة شاقة للتقليل من المعارضة الطاغية للحرب، أدلى «صاحب القرار» الرئيس أوباما بستة أحاديث تليفزيونية للشبكات الأمريكية تذاع كلها مساء اليوم (الإثنين). وتأتى هذه الأحاديث قبل 24 ساعة من كلمته المرتقبة والآتية من البيت الأبيض غدا الثلاثاء والموجهة إلى الشعب الأمريكى. ولم يتردد دينيس ماكدانا كبير معاونى الرئيس أوباما فى القول بأن المعركة لم تحسم بعد. وذكر فى تصريحات صحفية «أنه من السابق للأوان القفز إلى أى استنتاج» بخصوص موقف أعضاء مجلسى النواب والشيوخ من قرار الضربة العسكرية. مشيرا إلى أن الجهود ستكثف خلال هذا الأسبوع. أما مورين داوود الكاتبة السياسية المرموقة فقد وصفت حالة أوباما الآن والتى بالطبع لا يمكن أن يحسد عليها وهو الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ويعمل جاهدا ويلتمس خوض الحرب.. وبما أن الإدارة بكامل أفرادها تخوض المعركة فقد ذكر أن سوزان رايس مستشارة الرئيس للأمن القومى ستخاطب اليوم (الإثنين) من خلال مؤسسة «أمريكا الجديدة» الأزمة السورية وضرورة القيام بالتحرك الأمريكى. أما وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون والتى أعلنت منذ أيام عن تأييدها لقرار أوباما بتوجيه الضربة العسكرية فمن المرجح أن تتحدث عن هذا الأمر أيضا عندما توجد فى واشنطن اليوم. ولم يعد سرًّا أن أمام النائبة نانسى بيلوسى زعيمة الأقلية الديمقراطية مهمة شاقة للغاية، وهى تحاول أن تقنع زملاءها الديمقراطيين فى مجلس النواب بضرورة الوقوف مع الرئيس وقرار الحرب. خصوصا أن أغلبهم ما زالوا يقفون فى خانة المعارضة و«لا». أما زعيم الأغلبية الجمهورية فى مجلس النواب إيريك كانتور وهو يشرح موقفه المؤيد من الضربة لزملائه الجمهوريين المشككين فى كل ما يقوله أوباما، ويسعى إليه، ذَكَرَ فى مقال له أن الضربة سوف تواجه نفوذ إيران وحزب الله فى المنطقة. ومن ضمن ما ذكر عن تحركات الإدارة أن روبرت فورد السفير الأمريكى لدى سوريا وفى جلسة مشتركة جمعت بين الجمهوريين والديمقراطيين من أعضاء الكونجرس وكان الحضور كبيرا قدم صورة قاتمة ومفزعة لما قد يحدث فى الشرق الأوسط من جراء انتشار أسلحة الدمار الشامل دون التحكم فيها. فورد الذى تردد أخيرا أنه مرشح لتولى منصب السفير لدى مصر وأثار بذلك ضجة كبرى فى وسائل الإعلام شوهد كثيرا خلال الأيام الأخيرة فى الكونجرس. وقد كان جالسا خلف جون كيرى وزير الخارجية فى جلسة الاستماع بمجلس النواب. كما أن البيت الأبيض فى جهوده المكثفة من أجل الإقناع بفكرة الحرب تواصلت وتتواصل مع أعضاء الكونجرس وجماعات يهودية وشخصيات عربية أمريكية ومراكز للفكر تميل إلى اليسار وتعارض الحرب وأيضا مسؤولون سابقون من إدارة بوش (التى خاضت حربى العراق وأفغانستان). إنها حملة مكثفة وشرسة تخوضها الإدارة فى واشنطن مثلما تتحرك فى عواصم العالم خصوصا مع الأصدقاء والحلفاء «المترددين» فى المنطقة وغيرها. كما أن «إيباك» أقوى لوبى موال لإسرائيل وكما أشرنا من قبل فى رسالة سابقة انطلقت فى حملة يشارك فيها نحو 250 من النشطاء والعاملين معها من أجل إقناع أعضاء الكونجرس بأن الضربة العسكرية لها أهمية وضرورة ويجب عدم التراجع عنها والوقوف مع الرئيس فى اتخاذ القرار بشأنها. وقد ذكرت «نيويورك تايمز» أن الرسالة التى يحملها نشطاء وأنصار وأعضاء «إيباك» بسيطة مفادها أن الفشل فى تنفيذ أو تطبيق مفهوم «الخط الأحمر» ضد استعمال السلاح الكيماوى من جانب الأسد فى سوريا سيتم ترجمته فى طهران بأن أوباما لن يقوم بفرض خط أحمر ضد إنتاج الأسلحة النووية من جانب الحكومة الإيرانية. كما ذكرت الصحيفة أن مايكل أورين السفير الإسرائيلى لدى واشنطن عندما يبدى أى نائب فى الكونجرس تخوفه من أن سوريا قد تضرب إسرائيل انتقاما من قصف صاروخى أمريكى يقول أورين له «لا تخف علينا نحن نستطيع الدفاع عن أنفسنا». ما قاله ويكرره أغلب مستشارى ومعاونى الرئيس فى أحاديثهم وتصريحاتهم ينصب على تكرار مفهوم: فلنضع الحقائق واضحة أمام الرأى العام ولنوضح مخاطر وعواقب عدم التحرك الأمريكى، وكيف أن نظرة الأعداء قبل الأصدقاء ستختلف إذا قالت واشنطن شيئا ولم تتحرك.. وإذا حذرت ولوّحت ولم تتخذ القرار وتوجه الضربة. إدارة أوباما بكامل فريقها ومعهم أوباما شخصيا دخلوا وبكل إصرار وعزيمة معترك «ترويج الحرب» والإقناع بأهميتها وتهيئة الجو العام لتوجيه الضربة. وحسب تعبير أحد المراقبين وما يمكن وصفه باللغة الدارجة «نزلوا الملعب ولا ينوون تركه إلا ومعهم النصر..». لذلك نجد الكاتب المعروف توماس فريدمان يبدى اندهاشه واستعجابه واستهجانه من هذا التقرب من الحرب وربما مدحها. وقد كتب: «أقرأ كيف أن العراق كانت حربا سيئة وليبيا كانت حربا جيدة وأفغانستان كانت حربا ضرورية والبوسنة كانت حربا أخلاقية وسوريا الآن حرب أخرى ضرورية. إنها كلها نفس الحرب». وكان فريدمان قد عارض من قبل فكرة توجيه الضربة وحبذ أكثر فكرة دعم المعارضة. وهو يقول فى مقاله الجديد المنشور أمس فى «نيويورك تايمز»: «إن المشكلة الآن على امتداد الشرق العربى ليس فقط الغازات السامة، بل القلوب المسمومة. فكل قبيلة أو طائفة تعتقد بأنها فى معركة «كن فى الحكم أو كن ميتا» ضد الآخر. وإذا اعتقد كل شخص بهذا.. فإن الأمر ليس فى حاجة إلى الآخرين وفيه ما يكفيه من الاكتفاء الذاتى». ويذكر أيضا: «لقد تصارعنا لوقت طويل وما زلنا نتصارع لنتعلم كيف نقبل الآخر. هذا الصراع يجب أن يحدث فى العالم العربى/ الإسلامى وإلا لا شىء له جدوى. ما الفارق بين الصحوة العربية فى عام 2011 والانتقال نحو الديمقراطية بجنوب إفريقيا فى التسعينيات من القرن الماضى؟ هل هو أمريكا؟ لا. وإنما المستوى أو الكيف لدى القيادة المحلية ودرجة التسامح وقبول الآخر». ونعم حرب الكلمات ووجهات النظر والمواقف مستمرة ويبدو أنها ستستمر إلى أمد بعيد. ولا شك أن الاستعانة بالتاريخ وما جرى فيه تخدم كل الأطراف، خصوصا أن صاحب كل موقف ينتقى من التاريخ القريب أو البعيد ما يخدمه وما يبرر ويفسر موقفه. هناك طرف لا يبالى ولا يهتم، فليذهب الآخرون إلى الجحيم أو جهنم وهناك طرف آخر يريد أن يتدخل ويقصف ويؤدب ويعاقب ليذهب بالآخرين ويلقى بهم فى جهنم.. فهل من أطراف أخرى لها حلول أقل جهنمية مما سبق؟!