طريق أوباما نحو التدخل العسكرى فى سوريا بالتأكيد ليس مفروشا ب«نعم» إلا أن كثرة اللاءات تزيد من صعوبة القرار وعواقب اتخاذه. الرئيس الأمريكى فى تصريحاته فى قمة سان بطرسبورج حاول تفسير وتبرير و«تجميل» الضربة المتوقَّعة إلا أن حديث الحرب، أىَّ حرب، ليس هو الحديث المفضل لدى الشعب الأمريكى، خصوصا بعد العراق.
ولا شك أن أوباما أمامه مهمة صعبة وربما مستحيلة فى إقناع الشعب الأمريكى بأهمية وضرورة هذه «الضربة العسكرية». وهذا هو ما سيحاول القيام به فى حديثه الموجَّه إلى الشعب مساء الثلاثاء القادم. ولعل ما قاله ديفيد جيرجن الذى عمل مستشارا لأربع رؤساء أمريكيين يلخص الموقف ويشخص الحالة «إن التحدى الذى يواجهه أوباما هو أن الشعب لم يعد يستمع إليه مثلما كان الأمر من قبل».
ويعود الكونجرس للانعقاد غدا (الإثنين) ويعود معه أعضاء مجلسَى النواب والشيوخ بتساؤلاتهم وانتقاداتهم واعتراضاتهم للدخول فى «مغامرة عسكرية» جديدة! ولم يغير غالبية أعضاء مجلس النواب موقفهم المعارض للضربة العسكرية. مع نهاية الأسبوع تبين أن عدد الذين يقولون لا للضربة العسكرية أو يميلون لقول «لا» يصل إلى 223 عضوا فى مجلس النواب (مجموعهم الكلى 435 عضوا). وبالتالى أمام الرئيس وفريق إدارته مسؤولية التشاور والإقناع بخصوصية الضربة المخطط لها وبيان مدى اختلافها عما تم من قبل سواء فى العراق أو أفغانستان.. أو ليبيا.
أما دينيس ماكدانا كبير فريق العمل بالبيت الأبيض، فسيحلّ اليوم (الأحد) ضيفا على البرامج الحوارية التليفزيونية الشهيرة. وهذه البرامج الأسبوعية الخمسة على شبكات مختلفة تخاطب الملايين من المشاهدين. ماكدانا بالمناسبة يعد من أقرب المعاونين المقربين للرئيس وهو الذى كان مع أوباما فى جولة المشى و«الدردشة» فى حديقة البيت الأبيض والتى استغرقت 45 دقيقة جاء بعدها أوباما ليجتمع من جديد مع فريق الأمن القومى ويعلن بضرورة عرض أمر الضربة على الكونجرس. ماكدانا مثلما كان كيرى يوم الأحد الماضى سيقدم مما يعد تبريرا وتفسيرا لأهمية التدخل العسكرى وتأديبا للأسد ونظامه. وربما يجيب عن السؤال الأهم: ماذا سيفعل الرئيس إذا قال الكونجرس لا؟
والإدارة ما زالت تشير إلى سعيها من أجل الحصول على دعم دولى لخطوتها العسكرية. تونى بلينكن نائب مستشار الأمن القومى، قال فى حديث إذاعى إن الرئيس أوباما «ليس لديه رغبة أو نية أن يستخدم صلاحياته للتحرك العسكرى دون مساندة الكونجرس له»، وأن الرئيس فى قمة العشرين الكبرى سعى للحصول الدعم الدولى. كما أن كيرى ذهب إلى أوروبا لمقابلة الأوروبيين والعرب من أجل الهدف نفسه. وبالطبع ما يصدر من عواصم العالم وليس فقط ما يُقال من روسيا أو الصين أصبح يسبب قلقا وإزعاجا لدى المسؤولين الأمريكيين. وإن كان هناك إصرار على ذكر من حين لآخر بقائمة الدول التى تدعم الموقف الأمريكى والضربة العسكرية المتوقعة.. وعددها لا يزيد على عشرة.
وما أشار إليه أغلب المراقبين فى الجدل الدائر حول هذا الأمر: هو كيف سيخرج أوباما من هذا المأزق الذى وضع فيه نفسه ليس فقط بلجوئه إلى التدخل العسكرى بل أيضا لذهابه إلى الكونجرس ومن ثم طرح الأمر للمناقشة والجدل والتشكيك فى النيات والأهداف والوسائل.. وتكرار الحديث عن مصداقية الرئيس ومصداقية أمريكا. وبالطبع يتساءل الكثيرون: هل ما تسلكه الإدارة حاليا هو طريق اللا عودة عن خوض الحرب مهما كان الثمن ومهما كانت الاعتراضات. السياسى اليمينى الشهير بات بيوكانن أعرب عن معارضته للتدخل العسكرى فى سوريا وتساءل: لمصلحة مَن يتم خوض هذه الحرب وهل هى بروفة أخيرة لحرب مع إيران؟ وبما أن الرئيس الأمريكى سيخاطب الشعب الأمريكى يوم الثلاثاء فقد اجتهد البعض من المحللين السياسيين فى طرح الأسئلة التى يجب أوباما أن يجيبها ليخاطب عقل وقلب المواطن الأمريكى. من ضمن هذه الأسئلة أو الأمور المطروحة بشدة فى الأيام الأخيرة: لماذا التدخل العسكرى فى سوريا ولماذا الآن؟ خصوصا أن طرح التدخل كان مرفوضا من قبل على الرغم من أن عشرات الآلاف (100 ألف حتى الآن) أصبحوا ضحايا هذه الأزمة؟ ثم إذا كان الأسد سيِّئا لهذه الدرجة لماذا الإصرار على بقائه فى الحكم؟
والسؤال التالى: ما الحل أو المَخرج إذا قال الكونجرس «لا» للرئيس؟ ثم ماذا سيفعل الرئيس الأمريكى الذى يقول ويعيد القول بأن الضربة محددة الأهداف ومحدودة المدى إذا قرر الأسد بعد توجيه الضربة الأمريكية أن يستخدم السلاح الكيماوى من جديد أو أن يوسّع من دائرة الانتقام؟ وبما أن الحديث عن سوريا فى إطار الأمن القومى الأمريكى لم يتوقف فما الخطر أو التهديد الذى تواجهه أمريكا وبالتالى يتم اللجوء إلى الضربة؟ ثم السؤال إياه الذى نسمعه فى أغلب اللقاءات الصحفية والمناقشات الدائرة حول الأزمة الأخيرة أين ذهب الحلفاء والأصدقاء والمجتمع الدولى من هذه المواجهة؟ وكما يقول أغلب الأمريكيين: «لماذا يجب أن نذهب وحدنا؟ أو نقرر أن نذهب وحدنا؟ ونتحمل تبعات هذا القرار وهذا الانفراد بالضربات العسكرية؟ وفى هذا الأمر تحديدا غالبا ما يتم التذكير بالتحالف الذى حدث قبل حرب العراق فى عهد الرئيس بوش الابن وضمت قائمته 40 دولة. لا شك أن حرب العراق بأكاذيبها ووحشيتها وتكاليفها الباهظة ستظل تهيمن على مخاوف وأفكار وشكوك الأمريكيين وغيرهم من شعوب العالم والمنطقة. وحسب قول أحد المعلقين «بالتأكيد شىء حَسن أن يظل هاجس (أو كابوس) حرب العراق موجودا وحيًّا فى وجدان الناس حتى لا نكرر الأخطاء والجرائم نفسها فى أماكن أخرى».
ويذكر فى هذا الصدد أن معارضة النواب فى الكونجرس ليست مرتبطة فقط بالتركيبة السياسية (جمهورى وديمقراطى) بل بعوامل أخرى واختيارات تعتمد على رفض الحرب كمبدأ أو رفضها باعتبار الحرب استنزاف للموارد الاقتصادية ومن ثم الدخول فى دوامة تخصيص مليارات من الدولارت للتعامل مع متطلبات الحرب وما بعد الحرب. وفى أثناء الجدل المحتدم أُشير إلى أن أغلبية مجموعة الأعضاء السود فى مجلس النواب يرفضون أو يميلون إلى الرفض خصوصا أن الذهاب للحرب والتضحية بالأرواح تعنى الكثير بالنسبة إليهم ولأولادهم. وقيل وتردد أن هناك ضغوطا تمارَس من جانب الإدارة على هذه المجموعة لكى تغير موقفها الرافض!
إن «إنسانية» تبرير الضربة العسكرية الموجهة إلى سوريا (إذا جاز هذا التوصيف) لا تقلل فى أى حال من الأحوال من وحشية الحرب وأيضا قسوة القصف الصاروخى فى قتل الأبرياء وتدمير الحياة بكل تفاصيلها. التدخل العسكرى الأمريكى المرتقَب والمتوقَّع فى الأزمة السورية مهما قيل عن محدودية الأهداف فيه لا شك أنه سوف تكون له تبعات وعواقب فى المنطقة وأمريكا والمجتمع الدولى.. والمشكلة أو فلنقل المصيبة أن الاهتمام منصبٌّ على الضربة وتبريرها وتمريرها دون الالتفات إلى ما بعد الضربة أو ما يليها من ضربات أخرى.