كيرى حلّ ضيفًا على خمس برامج يتابعها ملايين الأمريكيين لتبرير الضربة فجأة توقف دق طبول الحرب.. وبالتالى توقف العد العكسى لتوجيه الضربة العسكرية الأمريكية إلى سوريا. وأعلن الرئيس أوباما أن القرار فى حاجة إلى موافقة أو تفويض من الكونجرس. واختلف المراقبون فى تفسير وتبرير إرجاء القرار مثلما اختلفوا فى تفسير وتبرير توجيه الضربة. وتساءل الأمريكيون عن جدوى الضربة فى إيقاف الحرب الأهلية القائمة فى سوريا وإنهاء المآسى الإنسانية المستمرة بها، وتساءلوا أيضا عن مصلحة أمريكا فى التورط فى هذا الملف الشائك. وبالطبع بقى السؤال الأكثر إلحاحا وتكرارا فى مثل هذه المواقف وهو عن جدية أوباما وقدرته فى حسم الأمور قبل فوات الأوان أم أن أوباما كعادته هو «القائد الأعلى لتفادى المواجهات والتحديات» كما يوصف أحيانا، وأن موقفه الأخير ما هو إلا تأكيد لهذا التوصيف وهذا الانتقاد المتكرر. والكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ يعود للانعقاد الأسبوع القادم يوم 9 سبتمبر تحديدا. وكبار مسؤولى الأمن القومى بالإدارة فى حالة اتصال دائم وتشاور متواصل مع قيادات الكونجرس وأعضائه من أجل شرح موقف الإدارة وضمان تأييدهم للقرار الخاص بتوجيه الضربة العسكرية إلى سوريا. مسودة هذا القرار من جانب الإدارة تم إرسالها إلى الكونجرس. والتشاورات المكثفة ستستمر خلال الأيام المقبلة. ولا شك أن استطلاعات الرأى العام وانتقادات أعضاء الكونجرس التى شككت فى ضرورة تورط عسكرى أمريكى جديد وبيَّنت مخاطره كانت وراء قرار التراجع أو قرار الإرجاء لحين موافقة الكونجرس. أشباح حربَى العراق وأفغانستان كانت تظلل الأجواء فى واشنطن وبالتالى لا أحد كان يريد حربا أخرى.. والأخطر أنه لا أحد يعرف ما هو آت إذا انهارت سوريا أكثر.. «هل ستكون أفغانستان أخرى على ضفاف المتوسط؟!» كما تساءل أحد المراقبين. ولمخاطبة الرأى العام المشكك فى الضربة العسكرية والرافض لها كان جون كيرى وزير الخارجية ضيفا أمس (الأحد) على خمس برامج حوارية تليفزيونية شهيرة فى الشبكات الكبرى التى يتابعها الملايين من الأمريكيين. كيرى كان ممثل الإدارة والمتحدث باسمها والمدافع عن موقفها والمبرر لاختيارها والمفسر لقرارها الخاص بإرجاء قرار قصف سوريا أو القيام بعمل عسكرى ضدها. وكيرى فى موقف لا يحسد عليه. خصوصا أن كيرى لعب فى الأيام القليلة الماضية دورا مهما وأساسيا فى تقديم الادعاء وتبريرات الرد وعدم السكوت عما حدث من جرائم وانتهاكات إنسانية. ولذلك لم يتردد بعض المراقبين فى أن يصفوا حالة واشنطن وزمنها فى الأيام القليلة الماضية بأنه «زمن كيرى». وقد كان وزير الخارجية على اتصال متواصل ومكثف بنظرائه فى كل دول المنطقة، عشرات الاتصالات لشرح وجهة النظر الأمريكية فى هذا الأمر وتبرير موقفها واستعدادها للقصف الصاروخى. وبعد إرجاء القصف اتصل كيرى بقائد المعارضة السورية وأيضا بنظرائه من وزراء الخارجية فى السعودية واليابان ودول أخرى. وبالطبع قيادات البنتاجون (وزارة الدفاع) لهم دور أساسى ومهم فى شرح الموقف الأمريكى خصوصا أنه تكرر القول والحديث غير المعلن عن تردد القيادات بها فى اتخاذ أى قرار عسكرى تجاه سوريا. وذلك على أساس أن القيادات العسكرية ليس لديها تصور واضح أو خطة محددة للتعامل مع تبعات قصف صاروخى مكثف يؤدى إلى حالة فوضى أمنية وعسكرية فى سوريا وجوارها. وذاكرة أهل واشنطن تتذكر أن هيجل وزير الدفاع الحالى بينما كان سيناتور فى مجلس الشيوخ اعترض على حرب العراق. كما أن الجنرال مارتن ديمبسى رئيس الأركان فى رسالة أخيرة له (كشف النقاب عنها إعلاميا) شكك فى قدرة المعارضة السورية على تولى زمام الأمور إذا تمت إزاحة الأسد. وقد حرص مسؤولو الإدارة فى الأيام الماضية على تأكيد أن الهدف هو عملية ضربة عسكرية محددة ومحدودة فى استهداف القصف ومدى استمرارها. وأن العملية لن تطول ولن تشمل «بيادات على الأرض» (إنزال الجنود وتدخل القوات) فى سوريا. وعلى الجانب العسكرى فإن الأمر الذى سيتم متابعته هو ما ستقوم به «البنتاجون» من تحركات واستعدادات فى الأيام المقبلة لحين موافقة الكونجرس. وترى ما سيكون مصير المدمرات الأمريكية الخمس الموجودة فى شرق المتوسط فى وضع تأهب واستعداد لإطلاق صواريخ توماهوك على أهداف سورية. وحول ما قرره أوباما من إرجاء للقصف العسكرى تبارت وسائل الإعلام فى وصف ساعات الحسم أو ساعات اللا حسم. ومن ضمن ما ذُكر أن أوباما بعد ظهر يوم الجمعة الماضى (30 أغسطس) وبعد أسبوع مكثف من المناقشات والتشاورات والاجتماعات كان فى جولة للمشى وتبادل الآراء مع دينيس ماكدونا كبير فريق العمل بالبيت الأبيض، وذلك حول المساحة الخضراء المحيطة بالبيت الأبيض من جهة الجنوب. وبما أن ماكدونا مقرَّب جدا للرئيس وأيضا له تاريخ داخل أروقة الكونجرس. فمن ثم جاء الاستنتاج من خلال التحاور بإرجاء القرار والتريث فى توجيه الضربة من جانب الرئيس. وذلك بعد أن يتم ضمان اشتراك أعضاء الكونجرس فى اتخاذ القرار وتحملهم مسؤولية «المحاسبة السياسية» وأن يقوم الأعضاء من كلا الحزبين بتحديد موقفهم علنًا وتصويتًا إما مع وإما ضد الحرب أو الضربة العسكرية. وحسب ما نُقل عن مسؤولين بالإدارة فإن هذا كان السبب الأول. أما السبب الثانى لإصرار الرئيس على الأخذ بموافقة أو تفويض الكونجرس كان أن هذا الخيار الأمريكى بتوجيه ضربة عسكرية خلافا لما حدث فى حالة ليبيا عام 2011 لم يحظَ بدعم ومساندة سواء من جانب الأممالمتحدة أو من جانب الجامعة العربية. وذكر أيضا أن الرئيس مساء اليوم نفسه (الساعة السابعة مساءً) دعا بعضًا من مستشاريه المقربين ومنهم سوزان رايس مستشار الرئيس للأمن القومى، وتشاك هيجل وزير الدفاع، إلى الاجتماع معه. ودار النقاش واحتدم الجدل من جديد وامتد لأكثر من ساعتين. وكما أشارت «واشنطن بوست» فى تقرير لها عن ساعات القرار بأن مستشاريه استمعوا إلى ما لم يكونوا يتوقعون أن يستمعوا إليه، وأن أوباما ظل مصرًّا على أن الكونجرس يجب أن يناقش القرار. هكذا جاء القرار واللا قرار من أوباما وبالطبع ظهرت «الدهشة والاستغراب» ونشأت «خيبة الأمل» أيضا. ثم ماذا؟ إذ نجد اليوم البيت الأبيض فى انتظار «الضوء الأخضر» من الكونجرس للقيام بالرد على قام به النظام السورى من تعدٍّ وتخطٍّ ل«الخط الأحمر» باستعماله للسلاح الكيماوى. والشعب الأمريكى ومعه شعوب العالم فى حالة ترقب وانتظار وقلق.. يقفون أمام «الضوء الأصفر» انتظارا لما قد يأتى أو قد لا يأتى!! وهم يودون استمرار العبور وسير الحياة.