لا أحد ينكر أن عددًا كبيرًا منا أصبح يتوجه إلى شراء ألبوم عمرو دياب بشكل سنوى من باب الحنين لا أكثر لفترة ما من العمر. حتى وإن كنا نعلم أن عمرو دياب يعيد تدوير أغنياته، فالرجل الهضبة ما زال يغنى عن الذكريات وعن الحب «اللى مالى عينين حبيبته»، بنفس المفردات، لكنها لعنة النجاح الهائل التى تجعل صاحبها أسير نمط معين. وجمهوره لا يخذله أبدًا، يقبل بنهم على شراء النسخة الأصلية، والنتيجة ملايين النسخ فى عدد ساعات قياسى، ولا أحد ينكر أن هذا إنجاز يحسب للرجل الخمسينى «يحتفل فى الحادى عشر من أكتوبر المقبل بعيد ميلاده الثانى والخمسين» فى وسط كل هذه الخسائر التى تحققها ألبومات زملائه، لكن المشكلة أن دياب بشكل ما، ودون أن يدرك قطاع كبير من محبيه، يخذل هذا الجمهور، ويعبئ له نفس الأسطوانة بنفس نكهة الأغنيات كل عام إلا قليلًا، فهل يخاف المغامرة بأغنية جديدة على عالمه، ويختار أن يلعب على المضمون؟ هل لا يعلم أن هناك دنيا أخرى فى الغناء المصرى تجاوزت لغتها كل تلك المعانى.. تقدمها فرق ما زالت عفية، وتعشق الجديد؟ أم أن جمهور دياب لا يريد سوى إعادة إنتاج ما هو معتاد؟ حتى إنه لم يكلف نفسه عناء اختيار عنوان موحى وطازج للألبوم، واكتفى بحذف كلمة «دى» من ألبومه الذى صدر قبل ستة أعوام واحتفظ فقط منه بكلمة «الليلة»، ربما يتماشى هذا الفكر مع أسلوب عمرو دياب فى تسويق نفسه. إنه شاب إلى الأبد، ويتفنن كل عام فى رسم حواديت التاتو على جسده، وفى استعراض عضلاته على البحر، كذلك ما زال مضمون أغنياته يتحدث عن عثرات الحب الأول والانبهار الدائم بالمعشوق دون أن تتعدى حياته تلك النقطة، وهو ليس عيبًا أبدًا أن يتميز فى تقديم شكل غنائى ما، ويشكل حالة وجدانية لكل منها معها قصة، لكن على دياب أن يعلم أن هذا الجمهور الحاشد الذى يحبه سوف يكون سعيدًا أيضا حينما يجد مطربه وقد فاجأه بفكرة جديدة يطرحها، أو حتى بلون غنائى جديد تمامًا عليه، أو حتى يفكر فى أن يستيعن بكورال مختلف، بدلا من أن يكون هو كورال كل أغنياته.. فهولاء الملايين يستحقون حتى ما هو أكثر. يسبح دياب فى أغنية «جراللى إيه» فى بحر من الكلمات من نوعية «أنا جراللى إيه.. الدنيا مالها احلوت ليه، شايف الحياة أجمل فى عينيه»، يبدو أن عمرو دياب وضع اللحن الفرح تمامًا، الذى يليق بانطلاق حفل زفاف ثم طلب من تامر حسين أن يفصل مجموعة من الكلمات المتراصة، الموزع عادل حقى ما زال هو النجم هنا، مع صوت عمرو دياب، وهو كالعادة قوى ومنطلق وعذب. يستوحى الملحن عمرو طنطاوى والموزع أسامة الهندى أجواء «حبيبى يا نور العين» فى «الليلة» حيث احتفاء غير عادى بأكورديون فاروق محمد مع جيتار مصطفى أصلان، يكرر فيها دياب نفس المعلومة التى يرددها فى كل ألبوم «الليلة يا حبيبى ليلة عمرنا الليلة دى أجمل ليلة فى حياتى أنا»، إنها أغنية الجملة الواحدة. واحدة من أبرز الألوان الغنائية التى يتمز بها دياب. الحقيقة أن الأغنية تنهى دون أن نصل إلى أى جديد فى تلك العلاقة بين دياب وحبيبته، التى بدأت قبل أكثر من ثلاثين عامًا هى عمر دياب الاحترافى. تامر حسين هنا أجمل بكثير. «عندى سؤال» لحن عمرو دياب وتوزيع حقى يليقان بأغنية رقيقة ومتفائلة، كما أنك لا تمل أبدا من صوت مطربها عندما يغنى من تلك الطبقة الحالمة. التى يواصل احتفاءه بها فى أغنية «واهى ذكريات» التى وزعها أسامة الهندى، يصحبك جيتار مصطفى أصلان، مع أجواء يطغى عليها الحنين والحزن على انتهاء علاقة سابقة، رغم أنه لا جديد فى معانى الأغنية، لكنها من أكثر أغنيات الألبوم تكاملًا. دعوة للرقص على أنغام «خلينا لوحدنا»، إنها دعوة للرقص فقط، فالأغنية لن تثير لديك أى معانٍ أخرى، بعكس «مفيش منك» التى غناها دياب فى حفلاته السابقة على أنها تحمل عنوان «تخيل»، الأغنية تحمل خفة دم، ومحبة وتلقائية فى كلمات تليق بمؤلفها بهاء الدين محمد. مشوار الحنين يتواصل مع «سبت فراغ كبير»، لكن لا شىء أجمل من صوت عمرو دياب هنا، مع بعض الجمل الشجية لمجدى النجار. «يا قلبها» أغنية يتعذب فيها دياب من «الشوق والغرام والهوى اللى فى عينيها»... وفقط. التناغم من جديد بين كلمات تامر حسين وأداء دياب وتوزيع عادل حقى فى أغنية متماسكة اسمها «حبيت يا قلبى» لحنها أحمد حسين، فى «لفيتها بلاد» يعيد دياب معانى كثيرة سبق ورردها عشرات غيره عن جمال البنت العربية، يطلب عمرو دياب من حبيبه أن يعيد حساباته فى «فوق م اللى انت فيه»، ويمهد له طريق العودة»، أخيرًا فكرة مختلفة قليلا، تحمل عتبًا رقيقًا، وحنونًا، كانت تليق بأن تكون ختام الرحلة بدلا من «عد الأيام عليا عدت صعبة بجد عليا ما أنا ماقدرتش أعيش يا حبيبى وانت غايب عن عنيا». الجيش الديابى الإلكترونى الجرار بالطبع يستميت فى الدفاع عن الهضبة مهما فعل، حتى لو وجده يستسهل فى صناعة أغنيات كان قد قدم ما هو أفضل منها عشرات المرات فى بداية مشواره، وحتى لو وجده، يضرب بكل الأوضاع السياسية فى مصر أضخم حائط ويختار موعدًا عجيبًا لطرح ألبومه يتزامن مع حالة استياء مصرى عام من المفاجآت السياسية غير السارة. لكن المهم هو أن يفكر دياب فى مفاجأة غنائية تليق بهذا الجمهور.. فهل يفعل؟