كان طبيعيا أن يكون دستور 2012 الإخوانى معاديا للحريات. فهو من صنع جماعة تؤسس للحكم الفاشى، وتسعى للهيمنة على مؤسسات الدولة، وتعيش على السمع والطاعة، وترى أن الحديث عن الحرية رجس من عمل الشيطان!! وكان طبيعيا أن تكون حرية الصحافة هى الضحية الأولى فى هذا الدستور. فالحرب كانت معلنة من جانب قيادات الإخوان على الصحافة والإعلام. والصحفيون كانوا قد تحولوا إلى «شياطين الإنس» كما وصفهم مرشد الجماعة، ومقاومة الصحافة لاستبداد مرسى وجرائم الجماعة كانت تثير جنون قياداتها، ومحاولة «أخونة» المؤسسات القومية واجهتها مقاومة الصحفيين الشجاعة، والتهديد بالسجن والقتل لم يمنع الكلمة الحرة من أن تنطلق فى وجه الحكم الفاشى. من منطلق العداء للحريات والانتقام من الصحافة والإعلام، جاء دستور 2012 ليكون خطوة إلى الوراء فى ما يتعلق بحرية التعبير والصحافة. رفضت لجنة الدستور كل المقترحات الجادة فى هذا السبيل التى قدمتها نقابة الصحفيين، وقدمها أيضا المجلس الأعلى للصحافة الذى لم يكن يومها قد وقع تحت السيطرة المهنية من جانب الإخوان وأزلامهم!! هكذا جاء الدستور الإخوانى ليلغى النص الدستورى السابق على أن الصحافة سلطة رابعة، وتم رفض النص على عدم جواز الحبس فى قضايا النشر، وفتح الباب من جديد لتعطيل الصحف «إذا تم ذلك بحكم قضائى» بعد أن كنا قد انتهينا فى التعديلات التشريعية التى صدرت عام 2006 إلى عدم جواز ذلك، وبالتالى تم حذف كل المواد الواردة فى قانون العقوبات والتى كانت تسمح بتعطيل الصحف أو مصادرتها من القضاء أو من النيابة العامة!! أن يحدث ذلك فى دستور تعده جماعة فاشية تكره الحريات وتعتبر الصحفيين شياطين الإنس.. أمر يمكن فهمه، ولكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه فى اقتراحات لجنة الخبراء العشرة للتعديلات الدستورية فهو الأمر الذى يثير كل علامات الاستفهام والتعجب!! أمر غير مفهوم بالفعل أن تبقى المواد الخاصة بالصحافة فى دستور الإخوان كما هى تقريبا فى المشروع المقدم من الخبراء العشرة، كأننا لم نشهد 30 يونيو، وكأن تجربة العام المرير من الحكم الفاشى لم تكشف الحاجة إلى تحصين كل الحريات وفى مقدمتها حرية الصحافة التى تحملت بشجاعة عبء فضح فاشية الإخوان وقاومت حكمهم المستبد حتى أسقطه الشعب بثورته الكاسحة فى 30 يونيو. مقترحات لجنة العشرة تجاهلت النص على إلغاء الحبس فى قضايا النشر، وتركت الباب مفتوحا لتعطيل الصحف، ووضعت حرية الصحافة رهينة عبارات غير قانونية مثل المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه وتقاليده!! ثم وضعت الصحافة القومية مع الإذاعة والتليفزيون الحكوميين تحت إدارة هيئة واحدة ليختلط الحابل بالنابل، وليصبح الإصلاح المنشود أكثر صعوبة وأشد تعقيدا!! أعرف أننا أمام مسودة أولية للدستور المقترح، وأن لجنة الخمسين سوف تتولى الأمر وتدير النقاش وتضع التصور النهائى. لكننى كنت أرجو أن تكون مقترحات لجنة العشرة فى ما يتعلق بالصحافة انعكاسا لروح جديدة تنحاز للحريات، وتفتح كل أبواب الفكر والإبداع، وتدرك أنه لا يمكن أن نبنى ديمقراطية حقيقية إلا مع صحافة حرة هى حق للمصريين جميعا وهى أيضا سلاحهم فى الحرب على الفساد والإرهاب، والانتصار للعدل والحرية. أثق بأن الأمر سيتم تصحيحه فى لجنة الخمسين، وأن كل القوى الوطنية لن تقبل أن تظل الصحافة محكومة بنظرية «شياطين الإنس» كما كان الوضع فى ظل فاشية الإخوان. حرية الصحافة واستقلالها هى ضمانة الديمقراطية وهى سلاحنا الأساسى ونحن نطارد خفافيش الظلام.