الآن يدور الحديث عن المصالحة الوطنية، التى كنا نصرخ مطالبين بها، فى فترة حكم تتار الإخوان، دون أن يبالى بنا أحد.. الآن صار العالم كله يطالب بها، لأنها تأتى على مزاجه هذه المرة.. فى الخامس والعشرين من يناير 2011م، وعندما خرج الملايين، يطالبون برحيل النظام السابق، واستجاب لهم الجيش، وتبنى مطالبهم، وانضم إليهم، صرّح الرئيس الأمريكى بأنه على النظام السابق أن يستمع للشارع، وينزل على إرادته، ويترك الحكم، ولم ينطق بحرف واحد عن انضمام الجيش للشعب، ولم ير فيه أى عيب! لأن أمريكا لم تعد تريد النظام السابق، ولم تعد ترغب فى التعمل معه.. ولأن الإخوان كانوا قد أجروا مباحثاتهم معهم قبلها، وأخبروهم بأنهم سيصبحون نعل حذاء فى أقدامهم، وخدما مطيعين لهم، يقبّلون القدم ويبدون الندم، على غلطتهم فى حق الغرب الكافر، كما ظلوا يصفونه لسنوات وعقود.. وفى الثلاثين من يونيو 2013م، خرج أضعاف هذا العدد، فى كل محافظات مصر، وحتى فى قراها، يطالبون برحيل حكم المرشد، الذى أذاقهم فى عام واحد، أضعاف ما أذاقهم النظام السابق، فى ثلاثين عاما.. ملايين لم يشهد التاريخ كله مقدارها، كما وكيفا.. عددا وحماسة.. رفضا وغضبا.. وكان من الطبيعى أن يستجيب الشعب لهم، خاصوصا وقد انضمت إليهم الشرطة، لأول مرة فى ثورات مصر والعالم.. صورة مماثلة، مع فارق العدد والحماس، لما أيدته أمريكا نفسها، فى يناير 2011م، مع فارق جوهرى.. أنه ليس على المذاق.. ولأن من يتخذ قرارا بهذه الجرأة، لن ينحنى أبدا، لا للولايات المتحدة ولا لغيرها.. وشعرت أمريكا أنها قد فقدت نعل الحذاء، الذى كانت ستدوس به على العالم الإسلامى كله.. ولهذا اتخذت موقفا عنيفا، مخالفا تماما لموقفها من نظام الحزب الوطنى.. فبالنسبة للأمريكيين، ف(طظ) لمصر، وألف ألف (طظ).. المهم أمريكا ومصالح أمريكا.. حتى ولو عاونت الإخوان على احتلال مصر، وسط شعب وشرطة وجيش يرفضونهم، ويرفضون الخضوع للولايات المتحدةالأمريكية، ولأية قوة أخرى فى العالم، لو أنها تسعى لقهر إرادة الشعب المصرى.. وعندما كان الإخوان يستولون على كل السلطات، وكل المؤسسات، ويقصون من سواهم، من غير أهلهم وعشيرتهم عن الحكم، لم تبال أمريكا بالمصالحة، ولم تجد لها ضرورة.. أما الآن، فهى تسعى بكل جهدها للمصالحة! والواقع أننى وكثيرين لا نرفض مبدأ المصالحة فى حد ذاته، فكل منا له معارف أو أصدقاء أو جيران من الإخوان، ويرى فيهم أناسا مهذبين محترمين.. أنا شخصيا أعرف عددا من شباب الإخوان، أرى فيهم خير مثال للشباب.. ولكن المصالحة مع الإخوان كفصيل شىء، والتغاضى عن جرائم، ارتكبتها بعض قياداتهم، فى حق مصر وشعبها شىء آخر.. المصالحة تكون مع من يمد يده بالمصالحة، من مبدأ أنهم إن جنحوا للسلم فسنجنح له.. أما مع من خرّب وعذّب وقتل وحرّض على حرق مصر، وقتل شعبها، وإسقاط رايتها، فلا وجود إلا لكلمة القصاص، لأن الحل فى القصاص يا أولى الألباب.. الذين قالوا بألسنتهم، إنهم يحرّكون إرهاب سيناء، لا يمكن التصالح معهم.. على الورق يمكن أن تقول الدولة نعم.. ولكن ماذا عن الشعب؟! هل يمكن لأية قوة فى الوجود، مهما بلغت، أن تجبر شعبا من تسعين مليون مواطن، على أن يتصالح مع من قتلوا أبناءه، وخرّبوا وطنه، واستعدوا عليه العالم؟! هل؟! ولو تصوّر الإخوان أنهم، لو دفعوا العالم للعداء مع مصر فسيعودون للحكم، ولو بقوة السلاح فهم مخطئون، لأنه لو رأى الشعب أنهم قد جلبوا عليه هذا، فلن توجد قوة قادرة على منع هذا الشعب من الفتك بهم، وبكل من يؤيدهم.. ساعتها كلمنى عن المصالحة.. لو كنت تستطيع الكلام.