لغة هو الإمساك، فقد قال القرآن الكريم عن مريم «إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا» أو الإمساك عن الطعام أو الإمساك عن ممارسة الجنس. ظهر الصوم قديما قبل ظهور الديانات السماوية، فقد عرفه المجتمع الإنسانى ونصح به الحكماء على مر العصور، الاندفاع وراء النزوات الفطرية التى فطر الله الناس عليها، يحرك الحروب ويشعلها، وفى أقل تقدير يحرك المشاعر السلبية من الكراهية والبغضاء والحسد، وهى مشاعر تعكر صفو تلك الحياة، فقد وصل الحكماء إلى ضرورة السيطرة على تلك المشاعر السلبية وأن هناك متعا روحية، بخلاف تلك المتع الحسية، ولكى يستشعر المرء تلك المتع، من الضرورى أن يمسك عن المتع الحسية ولو بعضا من الوقت، وعندما حاول بعض الصحابة فى عهد الرسول الكريم الامتناع كل الوقت، رفض الرسول وغضب، عندما خرجوا إلى الجبال، وقال أحدهم: أما أنا فأصوم طول الدهر، وقال الآخر أما أنا فأقوم ولا أنام، وقال الثالث أما أنا فلن أعاشر النساء، قال الرسول أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأعاشر النساء. أما الرهبنة فى المسيحية، فارتأت أن تمتنع عن الزواج أبد الدهر، وأن تكرس حياتها للصلاة والقيام. الهندوسية يملك أتباع الديانة الهندوسية طقوسًا عديدة فى الصوم، والتى تختلف باختلاف الإله المتبع أو طبقًا لطبيعة المناطق الموجودون بها. فى جنوبالهند يصومون من شروق الشمس حتى مغربها، حيث يمتنعون عن الطعام ويسمح لهم بشرب السوائل، ودائمًا ما يصومون يوم الثلاثاء. فى المناطق الشمالية يسمح بتناول الفواكه والحليب فقط. فى هذه المناطق يوجد ما يسمى صيام الفصول وهو الامتناع عن تناول الطعام من غروب الشمس لشروقها لمدة تسعة أيام مع بداية كل فصل. من ناحية أخرى فإن أتباع الإله شيفا يصومون يوم الإثنين، وأتباع الإله فيشنو يصومون يوم الخميس. الذين يصومون يوم الخميس فى المناطق الشمالية لهم طقوس خاصة، حيث يستمعون لقصة قبل تناول الإفطار ويلبسون ثيابًا صفراء ويحضرون المائدة من أطعمة ذات لون أصفر. كما أن النساء تقدس شجرة الموز فى هذا اليوم وتقوم بريها. بشكل عام فإن صوم الهندوس يمتنعون فيه عن تناول أى لحوم مهما اختلف المذهب المتبع. يوجد نوع من الصيام الشائع فى بعض مناطق الهند وهو الخاص بصيام المرأة المتزوجة من أجل سلامة وصحة زوجها وأملًا فى إطالة عمره وتقوم بتناول الإفطار عندما ترى القمر من خلال غربال. البوذية يعتمد صيام البوذيين على الشهر القمري. يقوم البوذيون بصيام أربعة أيام من بداية الشهر القمري. يشمل الصوم الامتناع عن الطعام وعن العمل أيضًا، بالتالى فيجب أن يكون الطعام معدا مسبقًا قبل شروق الشمس ليتناولوه بعد غروب الشمس. رهبان البوذية يقومون بهذا الصيام بهدف خلق نوع من الانضباط للمساعدة على التأمل والصحة الجيدة. السيخية لا تشجع هذه الديانة أتباعها على الصوم إلا فى حالات طبية معينة. يأتى هذا الأمر من اعتقاد رجال الدين أن هذه العبادة لا تضيف أى فائدة على روحانية الصائم. اليانية هى إحدى الديانات المنبثقة عن الهندوسية وتنتشر فى بعض مناطق الهند. أتباع الديانة اليانية يصومون عن تناول الطعام والشراب وموعد إفطارهم هو غروب الشمس. هناك بعض أنواع الصيام الغريبة عندهم مثل الامتناع عن تناول الأطعمة المتعددة باستثناء العدس. من الضرورى أثناء الصوم الإحساس بمشاعر الآخرين، بما يولد حالة أعلى من حالات التكافل، وعندما تتنامى تلك الروح، تسيطر على المجتمع الإنسانى درجة من درجات التناغم والتلاحم والتراحم، يكون المجتمع فى أمس الحاجة إليها، فى ظل صراع دائم على البقاء، وعلى الفوز بالرغبات الحسية. لم يستطع حتى الآن علماء النفس، الوصول إلى ملامح واضحة للسعادة، ربما استطاعوا الوصول، إلى مبطلات السعادة وموانعها، منها على سبيل المثال الفقر المدقع، وهو العجز عن تلبية الحاجات الأساسية، هناك فرق طبعا بين الامتناع طواعية لجزء من الوقت عن تلبية حاجات الإنسان الفطرية، والامتناع كرها، لعدم القدرة. الفقر فى المشاعر الإيجابية، فعندما يفقد الشخص المشاعر الإيجابية من الأطراف المحيطة به وبدلًا منها مشاعر سلبية حتى من أقرب المقربين إليه، فإن هذا يتحول إلى ضيق فى صدره، وربما يتحول إلى حالات اكتئاب سواء وقتية أو مزمنة. فى بعض المجتمعات المادية، بدأ يظهر نوع من المشاعر المحايدة، فعلاقة العمل هى علاقة جافة يغلب عليها التبادلية بشكل حاد، وبدأ يظهر الوحدانية، وبدأ البعض يمارس العلاقة الجنسية كعلاقة ميكانيكية بحتة أو فلتقل كعلاقة حيوانية لإفراز الهرمونات المهدئة والإحساس بالنشوة اللحظية، وبموافقة الطرفين، لا يجانبها أى أحاسيس إنسانية مرافقة، مما ألجأهم إلى التعويض عن ذلك باقتناء الحيوانات، لتعوضهم عن الاحتياج للإحاطة بالمشاعر الإيجابية. والشركات بدأت فى إنتاج البدائل الكثيرة لتلبية الرغبة الجنسية بشكل فردى، لتوابع سلبية عن تلك العلاقة الميكانكية، بين روحين إنسانيتين، تخلف مشاعر سلبية من الشخص لذاته، وهى أقوى المشاعر السلبية المحطمة، فمن الممكن أن يتحمل الشخص مشاعر سلبية من الآخرين، ولكن عندما يستشعر مشاعر سلبية تجاه ذاته، سواء بالاحتقار، أو تأنيب الضمير الحاد، فإنها تؤدى إلى الانتحار فى بعض الحالات. الصيام فرصة هامة لتجديد العلاقات الإنسانية الجيدة. شيء جميل أن تجتمع العائلات والأسر على مائدة الإفطار، ليتجاذبوا أطراف الحديث، ولتوطيد العلاقات الإنسانية التى كادت تتلاشى مع طول الزمن. حاول أن تعيد التواصل مع صديق فرقتكم الخلافات السياسية. تخلص من المشاعر السلبية تجاه الآخرين وهو نوع من الصوم ويحتاج إلى مجاهدة أكبر بكثير من الإمساك عن الطعام والشراب. تلمس لهم الأعذار، تفهم لظروفهم المعيشية والبيئية التى نشأوا فيها، تفهم للمشاعر المكتسبة أو نسبة التسيير الكبيرة التى تحرك مشاعر الآخرين وتشكل وعيهم وميولهم، وأن هناك احتمالا ليس قليلا، أنكم لو تبادلتم النشأة، لتبادلتم الوعى والمشاعر والأفكار. قبول الآخر يحتاج إلى التدريب، والتفرقة بين تباين الرؤى والمشاعر الإنسانية مهم للغاية. نحن فى حاجة إلى الاسترخاء والتفكر والتركيز للتخلص من كل المشاعر السلبية، وكلما نجحنا فى ذلك، كلما اقتربنا من معرفة أكثر بالله، والتى تحيطك بسلام نفسى كبير، نحن فى أمس الحاجة إليه لتجديد الروح. كل عام أنتم بخير.