برلماني يُعلن موعد عرض التعديل الوزاري الجديد على مجلس النواب    رئيس جامعة المنوفية يفتتح عددا من المنشآت بكلية التربية النوعية    «7 من معهد واحد».. أسماء ال10 الأوائل في الشهادة الإعدادية بمنطقة أسيوط الأزهرية    «المالية» تعلن تبكير مواعيد صرف مرتبات شهر يوليو    مصر تستضيف اجتماع لجنة التدقيق الداخلي للاتحاد العربي للتأمين    7 يوليو.. القاهرة تستضيف الملتقى الدولي لرواد صناعة الدواجن والثروة الحيوانية    بعد مجزرة النصيرات.. «الصحفيين» تطالب بوقف العدوان ومحاكمة «قادة الكيان» وأمريكا    الجيش الأمريكي: إسرائيل لم تستخدم الرصيف البحري الأمريكي في عملية تحرير الأسرى    الزمالك يستأنف استعداداته لمواجهة سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    ميتروفيتش.. الهداف التاريخي يحمل طموحات صربيا في اليورو    شريف إكرامى يرافق رمضان صبحى بمقر وكالة المنشطات للخضوع لجلسة الاستماع    منتخب مصر لسلاح الشيش يتوج بذهبية أفريقيا «سيدات»    وكيل «رياضة القليوبية» ورئيس شركة المياه يبحثان سبل التعاون المشترك    خوفًا من الزمالك.. تحرك عاجل من الأهلي بشأن محمد شريف (خاص)    تشكيل السنغال لمواجهة موريتانيا في تصفيات كأس العالم 2026    الأرصاد تكشف مفاجأة صادمة بشأن حالة طقس عيد الأضحى 2024    تأجيل محاكمة 3 متهمين ب«خلية الشروق الثانية» لجلسة 14 يوليو    عزيز الشافعي عن واقعة صفع عمرو دياب لأحد معجبيه: «اللي بيستغلوا الموقف مثيرين للشفقة»    لمواليد برج العقرب.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (التفاصيل)    منها تسريح الشعر.. مفتي الجمهورية السابق يوضح محظورات الحج    كيف تغتنم فضل يوم عرفة 2024؟.. الأعمال المستحبة وشروط الدعاء المستجاب    «الصحة»: رفع درجة الاستعداد بالمستشفيات استعداداً لعيد الأضحى    هل تزيد أسعار الأدوية في مصر؟.. إسلام عنان يوضح آلية التسعير    «الصناعات الكيمياوية»: إنتاج مصانع الأسمدة في مصر لم يصل مستويات ما قبل قطع الغاز    تبكير موعد صرف رواتب شهر يونيو 2024 بالزيادة الجديدة    البابا تواضروس الثاني يزور دير "الأنبا أور"    أحمد العوضي يهنئ ياسمين عبد العزيز بمسلسلها الجديد: "هتغدغي الدنيا يا وحش الكون"    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    ذا صن: مانشستر سيتي سيزيد راتب فودين عقب اليورو    «سياحة الشيوخ» توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي «العمرة بلس»    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية حلوة بمركز مطاي    جامعة سوهاج: 1000 طالب وطالبة يؤدون امتحانات نهاية العام بالجامعة الأهلية للتعلم الإلكتروني    حجازي: جار تأليف مناهج المرحلة الإعدادية الجديدة.. وتطوير الثانوية العامة    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    المدارس العسكرية الرياضية.. الأوراق المطلوبة وشروط الالتحاق    اجتماع بالجامعة العربية لتقييم منتديات التعاون مع الدول والتجمعات الإقليمية    قصف أمريكي بريطاني يستهدف منطقة الجبانة في الحديدة غرب اليمن    ما حكم الأضحية عن الميت؟    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    وزيرة الثقافة: كثير من المبدعين والمصممين يشتكون تعرض إبداعاتهم للسطو    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    منورة يا حكومة    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    البابا فرنسيس يحث حماس وإسرائيل على استئناف المفاوضات ويدعو لإنقاذ شعب غزة المنهك    موعد يوم التروية 1445.. «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة للحاج في هذا التوقيت    ريان عربي جديد.. إنقاذ طفل سوري وقع داخل بئر بإدلب    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    سر تصدر شيرين رضا للتريند.. تفاصيل    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصوم‏..‏ تاريخ واعتقاد

يمثل الإمتناع عن الطعام أحد مظاهر السلوك الإنساني الذي عرفته الشعوب عبر العصور مع إختلاف المشارب والتوجيهات‏.‏ وعلي الرغم من أن الصوم يمثل في الوجدان الإنساني لدي الكافة. مرادفا لواحد من أهم الإلتزامات التعبدية‏,‏ إلا أنه علي إطلاق يسترعي فيه الإنتباه عددا من مظاهر التباين النوعي التي تمايز بين أشكاله علي الصعيدين السلوكي والطقسي‏.‏ إذ لا يختلف إثنان علي أن الصوم من حيث كونه مدرسة سلوكية يهدف إلي الإستعلاء علي رذيلة الأنانية والإعلاء من قيمة الإرادة الذاتية إلي جانب البعد الزوحي ممثلا في الإنصياع للأمر التعبدي سماويا كان أو وضعيا‏.‏ كما أن نتائج الأبحاث الخاصة بالصيام التي خلصت إليها المراكز العلمية المتخصصة لاسيما في طب المسنين تكفينا مؤونة الحديث عن العائد الصحي ومزاياه‏.‏
ولقد فطنت الحضارات لهذه القيم والفوائد وتنوعت في تفعيلها بالإمتناع عن الطعام كليا أو جزئيا فضلا عن التحديد الكمي أو النوعي للوجبات وكذا التعيين السني والجنسي والزمني للإلتزام‏,‏ ومن ثم لم يكن مستغربا مثالا لا حضرا أن يحرم علي كهنة المعبد في مصر القديمة تناول بعض الأطعمة كالثوم والملح والسمك وجميع أنواع اللحوم عدا الأوز سواء أثناء تأدية الطقوس أو بالتحريم التام مع الإمعان في التطهر بعدم الإقتراب من الزوجات‏.‏ في حين إكتفت البوذية بحظر الطعام علي كهانها ذكرانا وإناثا بعد وجبة الظهيرة وحتي صبيحة اليوم التالي‏,‏ وإن خضع البعض لما ذهبت إليه إحدي قديسات الطائفة الهنديات لتفعيل مبدأ‏(‏ الكارما‏)‏ الذي يعلي من الإرادة الحياتية ضمن أطوار الوجود وبما يمكن إعتباره جمعا بين الفرض والتطوع‏(‏ أو الطريق الوسط وفقا لإعتقادهم‏)‏ في آن واحد وذلك بإقرار الصوم التقليدي يوما والحرمان الكلي في اليوم التالي‏.‏ أما الزرادشية فقد وظفت الصوم عن الطعام والكلام في توصيفها للمخلوق النوراني الأزلي‏.‏
وقد فرضت البهائية علي أتباعها صياما عدته تتفق والرقم المقدس لديهم وهو تسعة عشر يوما بدءا من مطلع شهر مارس‏,‏ يحظر فيها الطعام والشراب والتدخين عدا تناول الدواء ويفرض علي الفئة العمرية ما بين الخامسة عشرة والسبعين‏,‏ كما أجازت للمسموح لهم بعدم الصوم لعلة كمشقة العمل مثلا تناول الطعام في الخفاء وبكميات أقل من المعتاد‏!!!‏
ومن المستغرب في هذا الصدد أنه في الوقت الذي لا يشجع السيخ أتباعهم علي الإلتزام بطقس الصوم أو غيره‏,‏ فإن عقيدة اليانية الهندية الأقل شهرة والتي شهرت في القرن السادس قبل الميلاد تقدم لأتباعها أنماطا عدة مثل الإمتناع عن الطعام والشراب لإشراقة اليوم التالي أو الإكتفاء بشرب الماء المغلي فقط‏,‏ عن الصيام لثمانية ايام قد تمتد في نوع آخر لشهر كامل مع ضرورة الإلتزام بالتقشف‏.‏
أما الهندوس فتتفاوت أيام الصيام وفقا لمسمي المعبود وطبيعة المعتقدات المحلية وإن ظل يوم الخميس هو الأكثر شهرة وتفضيلا لاسيما في المناطق الشمالية حيث يصاحب الصوم تلاوة لبعض قصص الوغظ ويسود اللون الأصفر في الملابس والاطعمة حتي أن أشجار الموز تعد من المقدسات‏.‏ ويتم الألتزام في الصيام بعامة من غروب الشمس حتي ما بعد شروق اليوم التالي بما يربو عن ثلاثة أرباع الساعة بقليل‏,‏ ويكون الإمتناع عن تناول الطعام كلية أو الإكتفاء بوجبة واحدة مع البعد عن كافة المنتجات الحيوانية ومشتقاتها وإن أستثني اللبن في بعض الأحايين‏.‏
ومما لاشك فيه أن الديانات السماوية قد تمايزت بشكل جلي في الصيام المفروض علي معتنقيها‏,‏ بيد أن ما يستوقفني هنا هو ذلك التباين في صيام التطوع بين الطوائف والمذاهب المختلفة من جانب‏,‏ فضلا عن تقديس أحداث بعض الأيام لتصبح ضمن ايام الصوم تقديرا وتقديسا بدورها‏.‏ مثل صيام النصف من شعبان أو عاشوراء وموقف السنة والشيعة منه‏,‏ وعند اليهود يوم النصر علي المؤابيين والمكابيين الذي جعله الملك العبراني يهوه شافاط يوما مقدسا يفرض فيه الصوم قربي لله‏,‏ وكذا أيام الصوم التي فرضت علي اليهود قبل مواجهة أستير لملك الفرس من أجل بني إسرائيل‏..‏ وغيرها كثير مما يحفل به العهد القديم‏.‏ كما لا يخفي علي أي باحث مدي تأثر عقيدة الصوم ونوافلها بالفصل التاريخي بين الكنيستين الغربية والشرقية وكذا إنفصال الكنيسة الانجليزية عن الكنيسة الرومانية الغربية وما حدث من تحلل من العديد من الإلتزامات لم يكبح جماحها سوي حركة أكسفورد المضادة‏,‏ ليستقر الأمر علي ما يربو عن خمسة عشر مناسبة للصيام إرتبطت في معظمها بصيام القديسين‏.‏ ومن ذلك أيضا ما استتبع حركة الإصلاح الديني الأوروبي من تعديلات وإضافات تشهد عليها تعاليم زفنجلي ومارتن لوثر كنج وغيرها من الكنائس الأوروبية علي تنوعها‏,‏ فضلا عن التعاليم البابوية المستحدثة في المقابل التي لم تتترك الملعب لحركات‏(‏ التجديد‏).‏
والواقع أن الصوم بمفهومه الحسي قد تم تجاوزه لما هو أبعد مثل صيام السيدة العذراء عن الكلام إمتثالا للأمر الإلهي بتفعيل معجزة تحدث المسيح عليه السلام وهو في المهد صبيا‏,‏ وكذا ما يعرف عند المتصوفة بصيام خواص الخواص‏.‏ وإن كان ماقام به المهاتما غاندي من صيام يرتقي لذات المستوي الصوفي‏.‏ وإن خلص فيه بين السياسة والرقي الروحي في رسالة بالغة البيان للطوائف الهندية المتناحرة والموقف الرافض للإحتلال البريطاني‏.‏ في حين مثل الصوم بمفهومه السياسي البحت ظاهرة الإضراب عن الطعام حتي الموت كإحدي مفردات ثقافة التعبئة لتحقيق أهداف بعينها‏.‏
ولعل من نافلة القول الإشارة إلي‏(‏ الصوم الإجباري‏)‏ أو تحديدا المجاعات حيث اشار تقرير منظمة الفاو إلي أن قرابة‏15%‏ من سكان العالم يعانون الجوع‏.‏ وإن يستوقفنا أمران غاية في الدلالة أولهما أن معدل الفقر بسبيله للتقلص في آسيا وللزيادة في إفريقيا‏,‏ والثاني أن إنتاج العالم من الطعام يكفي كل سكان الأرض‏..!!‏ فهل في ذلك المزيد من التوكيد علي ظلم الإنسان وجهالته في حمل الأمانة‏..‏ آمل ألا يكون في ذلك كذلك‏..‏

المزيد من مقالات د‏.‏ حسن السعدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.