يبدو أن مزاج رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال مش عال، ولذلك هدد وتوعد كل من يعبر عن رأيه من النواب منتقدًا سياسة الحكومة النقدية أو الحكومة عمومًا، وكذلك أداء البرلمان نفسه بالإحالة إلى لجنة القيم. فسيادته، كما رئيس الجمهورية، يرى أن مصر في حالة حرب الآن، وبالتالي"عندما تتعرض مصالح الوطن لخطر فلا توجد حرية للرأي". ووفقًا لسيادة رئيس مجلس النواب "من يجرح في السياسة النقدية للدولة في وقت حرج فذلك ليس من حرية الرأي، وكذلك من يعرض بحديثه الأمن القومي للخطر ويجرح في البرلمان، فليس من حرية الرأي." بمعنى آخر، الآن ليس وقت الرأي، وما معنى كلمة رأي أساسًا بينما نخوض حربًا ضد الإرهاب، والطائرات تسقط والهجمات الإرهابية تتوالى والدولار بلغ ثمنه في السوق السوداء 11 جنيهًا مصريًّا؟ المطلوب الآن أن نسمع جميعًا الكلام وننفذ، حتى من دون أن نتظلم بعد ذلك. الدكتور عبد العال لم يردد المقولة المزيفة التي لم ينطق بها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ولكنها منتشرة للغاية في إعلامنا المحلي رغم النفي المتكرر لمكتبه وللسفارة البريطانية في القاهرة، ومضمونها "عندما يتعرض أمن الوطن للخطر، فلا يحدثني أحد عن حقوق الإنسان (أو حرية الرأي طبعًا)،" ولكن أستاذ القانون في جامعة عين شمس وصاحب الخدمات الجليلة للنظام منذ تعيينه في لجنة العشرة صياغة دستور 2014 ، ولاحقًا لصياغة كل قوانين الانتخابات، خرج علينا بزعم أن "القانون الأمريكي في غاية الصرامة أمام من يعرض الوطن للخطر". عملت مراسلاً صحفيًّا ل"الأهرام" في الولاياتالمتحدة تسع سنوات كاملة تقريبًا، ورغم كل إرهاب هجمات 11 سبتمبر 2001 وحروب العراق وأفغانستان وجرائم التعذيب في جوانتانامو وأبو غريب، لم أكتب يومًا خبرًا مفاده أن رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الشيوخ هدد زملاءه المفترضين بالإحالة للتحقيق، لأنهم عبروا عن آرائهم في ما يتعلق بأية قضية، أو لأنهم طلبوا معلومات تفصيلية بشأن خطط الحرب وميزانية الدفاع، أو السياسات النقدية والمالية بالطبع. بل إنني كنت أغطي بانتظام خبر إغلاق الحكومة الفيدرالية الأمريكية لفترات قد تصل لأسابيع، نظرًا لأن النواب يتصارعون معًا حول إقرار الميزانية وبنودها، ومنقسمون بين من يطالبون بالزيادة في الإنفاق من الديمقراطيين، ومن يتمسكون بضرورة خفض الإنفاق في صفوف الجمهوريين. وفي ذروة الأزمة والصراع بين الإدارة ومجلس النواب، لم يرد ولو تلميحًا أن من يعارضون خطط الحكومة هم مخربون منعدمو الوطنية. السيد رئيس مجلس النواب لم يكتف بتجريد النواب المنتخبين من أحد أهم حقوقهم التي يعتزون بها تحت قبة البرلمان، والمتعلقة بالحصانة وحريتهم في أن يقولوا ما يشاؤون دون خوف من الملاحقة القانونية أو الإحالة للجنة القيم، ولكن عاملهم أيضًا معاملة الأطفال الذين من الممكن الضحك على عقولهم واستغفالهم من قبل بعض مراكز الأبحاث الشريرة التي تزودهم ب"معلومات مغلوطة عن السياسة النقدية للدولة" من شأنها "هدم المؤسسات الدستورية في الدولة في حملة ممنهجة في الخارج يدعمها البعض في الداخل". وأضاف سيادته أن "البعض يذهب إلى هذه المراكز دون أن يعرف أهدافها أو السموم التي تسدها لهم من خلال برامجها". إنها قوى الشر إذن في ثوب جديد متمثلة في مراكز أبحاث بعضها، وللعجب الشديد، مرتبط بمؤسسات قومية انضمت إلى المؤامرة العالمية اللولبية ضد مصر، هذه المرة عن طريق ترويج معلومات مغلوطة بشأن اقتصادنا القومي المنهار، الذي يطفو بالكاد بفضل الديون والمعونات والتنازل عن أراضٍ اكتشفنا فجأة أننا كنا قوة احتلال لها. الدكتور عبد العال بدأ مهام منصبه في 10 يناير بخطاب عاطفي شكر فيه الرئيس في كل سطر تقريبًا وتعهد أمام "الله والشعب والقائد على مواصلة العمل الدؤوب لمواجهة القضايا الملحة"، وسبق له تهديد عدة نواب "المتآمرين" من أعضاء التنظيمات السرية التي لم يسمها، كما تبنى سريعًا موقف وزارة الداخلية في نزاعها الجاري مع نقابة الصحفيين، ونفى بشكل قاطع، كما المتحدث باسم الوزارة، حدوث واقعة اقتحام لمقرها من الأساس. سيادته لديه فهم خاطئ تمامًا لمهام منصبه، فهو نائب للشعب ورقيب على السلطة التنفيذية، وليس العكس. كما أنه ليس ناظر المدرسة، والأعضاء ليسوا أطفالًا صغارًا يوبخهم ويهددهم بالويل والثبور، أو الإحالة للجنة القيم إذا تساءلوا عن السياسة النقدية للدولة، خصوصًا أننا جميعًا نعرف كيف تم انتقاء غالبية النواب بعد مراجعة أمنية مستفيضة لسيرهم الذاتية، واختيار دقيق في الغرف المغلقة لجهاز المخابرات العامة، وفقًا لشهادة الدكتور حازم عبد العظيم، العضو السابق في حملة الرئيس السيسي. أولى مهام البرلمان سيادة الدكتور أستاذ القانون المحترم هي مراقبة أعمال السلطة التنفيذية التي تضم الرئيس والحكومة. وإذا لم يتمكن النواب من طرح تساؤلات بشأن السياسة النقدية للدولة، فكيف لنا أن نثق في قدرتهم على مناقشة قضايا أكثر خطورة، مثل القرض الأضخم على الإطلاق في تاريخ مصر بقيمة 25 مليار دولار لبناء محطات نووية روسية في الضبعة، أو بشأن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. المناسب للدكتور عبد العال هو إلغاء الجلسات العامة، والمخصصة للمناقشات، لأن ذلك من شأنه تهديد صورة الوطن وزعزعة الثقة في مؤسساته إذا تبين أن الجميع ليس على قلب رجل واحد، وبينهم خونة عملاء لعب بعض مراكز البحوث في عقولهم وشربهم حاجة صفرا وهو ما دفعهم، والعياذ بالله، إلى انتقاد السياسة المالية للدولة. أغلقوا البرلمان يرحمكم الله وكفانا فضائح، أو دعونا ننتظر حتى يروق مزاج الدكتور عبد العال ويصبح عال العال.