على الرغم من الضجيج الذي صاحب العفو الرئاسي الروسي عن الطيارة الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو، إلا أن التشاؤم يحيط بعملية تسوية الأزمة الأوكرانية. في هذا الصدد أعرب الباحث السياسي الأوكراني ميخائيل بافليف، عن قناعته بأن الإفراج عن المجندة الأوكرانية سافتشينكو لن ينعكس على المفاوضات حول التسوية في دونباس، لأنهما عمليتان مختلفتان، معلقًا "إن ذلك "لن ينعكس بأي شكل من الأشكال على تنفيذ اتفاقات مينسك، لأنهما عمليتان غير مترابطتين، وإنما خطوة متعلقة بصورة الرئيس الأوكراني، بنتيجة اتفاقات غير معلن عنها، وهي إحدى النقاط التي كان بيترو بوروشينكو بحاجة إليها، إذ أعاد سافتشينكو في الذكرى الثانية لانتخابه رئيسًا لأوكرانيا، وهو كان بأمس الحاجة إلى ذلك من ناحية الصورة، وهم روجوا هذه المسألة للمجتمع خلال فترة طويلة. وتمت الاستجابة لطلب خاص من الرئيس بوروشينكو". ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما بالعفو عن العسكرية الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو، التي حكم عليها بالسجن ٢٢ عاما في قضية قتل اثنين من الصحفيين الروس أثناء النزاع المسلح بشرق أوكرانيا في يوليو عام ٢٠١٤. في سياق متصل أثار العفو الذي أصدره بوتين عن المواطنة الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو موجة من المتاجرة السياسية والإعلامية التي تعكس إما تواطأ أو جهلا بالمواثيق الأوروبية. فقد أجمعت تصريحات القادة الأوروبيين، وقادة حلف الناتو والولاياتالمتحدة، على مصطلح "المبادلة" بين روسياوأوكرانيا لمواطنين محكومين من الجانبين، وهو ما يعكس ليس فقط جهلا بالمواثيق والتشريعات الأوروبية الموقعة من جانب روسياوأوكرانيا، بل وأيضا تواطأ لا يراعي الأخلاقيات والأعراف الإنسانية، ولا النوايا الحسنة من أجل دعم الأطراف المتنازعة في أوكرانيا لخوض مباحثات مباشرة من أجل حقن الدماء في الداخل الأوكراني، وبين أبناء الشعب الواحد. ومن الطبيعي أن تصور سلطات كييف هذا الحدث على أنه انتصار "عسكري" جبار لها على "روسيا التي تسعى لاحتلال أراضيها والعدوان على حريتها واستقلالها". هذا الخطاب طبيعي جدا من جانب كييف التي تواصل استفزازها لا لمواطنيها في شرق البلاد فقط وتنتقص من حقوقهم في المواطنة وفي الحياة، بل واستفزاز لروسيا أيضا واستعداء الأوروبيين والأمريكيين ضدها، ولكن المثير للدهشة والتساؤلات أن القادة الأوروبيين والأطلسيين ومسؤولي الولاياتالمتحدة، والعديد من المؤسسات الدولية التي تحظى بالاحترام. يحاولون تصوير الإفراج عن المحكومين من جانب كل من روسياوأوكرانيا على أنه عملية "مبادلة"، أو كما ورد في بعض تصريحات الساسة الغربيين ووسائل إعلامهم "تبادل أسرى". ما يعني أن هناك حربا بين موسكو وكييف. وبالتالي، هناك أسرى أو متهمين عسكريين يجب مبادلتهم. ويعني أيضا أن الصراع يدور بين روسياوأوكرانيا، وليس بين كييف وبين الأقاليم الشرقية في البلاد التي تعيش حربا أهلية بامتياز تغذيها الأحلام والطموحات المحلية والغربية لتيارات وقوى متطرفة عقائديا وقوميا. في الحقيقة، ولكي نضع النقاط على الحروف في إجراء تشريعي برجماتي، ووفقا لرئيسة المجلس الفيدرالي الروسي فالنتينا ماتفيينكو، فقد تم تسليم المجندة الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو لأوكرانيا، والتي كانت محكومة بالسجن في روسيا لتورطها في مقتل صحفيين روس في دونباس، كما تم تسليم المواطنين الروسيين، ألكسندروف ويروفييف، لروسيا، واللذين كانا محكومين بالسجن في أوكرانيا بتهمة التجسس، وأن هذا لم يكن تبادلا للأسرى. وهذا يعني وفق القانون والتشريعات، أن "تسليم ناديجدا سافتشينكو لأوكرانيا، والروسيان ألكسندروف ويروفييف لروسيا قد تم، وحدث على أساس الميثاق الأوروبي بشأن تسليم الأشخاص المحكوم عليهم، والذي صادقت عليه روسياوأوكرانيا". وأن هذه العملية ليست "تبادلا" كما تحاول التصريحات السياسية الغربية، ووسائل الإعلام تصويرها، لكي ترسخ في الوعي العام أن الحرب تدور بين روسياوأوكرانيا، وليس في الداخل الأوكراني. لقد اتخذت موسكو هذه الخطوة توافقا مع المواثيق الأوروبية لمساعدة أطراف النزاع في أوكرانيا. وهي أيضا خطوة برجماتية تماما تتوافق مع القانون لاستعادة مواطنيها المحكومين في دول أخرى بعيدا عن الأوهام والعواطف والتصريحات النارية والتسخين السياسي. إن موسكو عندما تتخذ مثل هذه الخطوة، إنما تنطلق من كونها إحدى الدول الأعضاء في رباعية "نورماندي" التي ترعى عملية التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية الداخلية من جهة، ومن أجل تشجيع طرفي النزاع الأوكراني من جهة أخرى على خوض حوار حقيقي ومباشر بينهما في إطار اتفاقيات مينسك التي ترعاها روسيا ضمن رباعية "نورماندي". وبالتالي، فخلط الأوراق ومحاولة الزج بروسيا في أي صراع داخلي أو نزاعات داخلية في أوكرانيا، هو شكل من أشكال التواطؤ وعدم الشفافية لتصفية حسابات لا علاقة لها بالملف الأوكراني. فروسيا في نهايسة المطاف ترعى اتفاقيات مينسك، لكي يقوم بتفيذها الطرفان المتنازعان، وليس كما تحاول التصريحات ووسائل الإعلام الغربية تصوير الأمر على أن روسيا تقوم بتنفيذ اتفاقات مينسك، كطرف في الأزمة.