"انتظروا قرارات مؤلمة"، هكذا تحدث رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، خلال لقاء مع كتاب ورؤساء تحرير بعض الصحف، وهو الأمر الذي قوبل باستهجان من قبل عدد من السياسيين والخبراء الاقتصاديين الذين أرجعوا تصريحات رئيس الحكومة إلى "رضوخه" أمام شروط البنك الدولي لمنح مصر قرض المليارات الثلاثة.. الخبير الاقتصادي الدكتور، شريف الدمرداش، قال إن تصريحات إسماعيل تشير إلى لجوء الحكومة إلى تزويد حصيلة الجباية من الضرائب ورفع الأسعار والجمارك والرسوم على حساب المواطن البسيط، وأن هذه القرارات التي سيتم اتخاذها لتوفير الموارد سوف تؤثر على ملايين المصريين الفقراء. وقبل أيام قليلة أوقف البنك الدولي صرف مليار دولار، قيمة الدفعة الأولى من قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري، وجاء قرار البنك الدولي بعد تخلف الحكومة عن إصلاحات اقتصادية متفق عليها، وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء للتلويح ب"الإجراءات المؤلمة".. بداية القصة وقعت الحكومة المصرية نهاية العام الماضي اتفاقا مع البنك الدولي بموجبه يمنح مصر 3 مليارات دولار لدعم موازنة الدولة، وكان مفترضاً حصول القاهرة على مليار دولار، كجزء أول من القرض، نهاية شهر يناير الماضي، لكن تأجيل الحكومة التصديق على القرض، واتخاذها جزء من الإجراءات الاقتصادية لتصحيح مسار الموازنة، دفعا البنك الدولي إلى تأجيل الصرف. القرض فيه تهديد للسيادة الديمقراطية للشعب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بدورها أصدرت، تقريراً طالبت فيه البرلمان برفض القرض، باعتبار أنه يحتوي على شروط تهدد السيادة الديمقراطية للشعب، كما ربط صرف الدفعات الثلاث بتنفيذ المراحل التي جرى الاتفاق عليها قبل توقيع القرض. وتتمثل تلك المراحل في التزام الحكومة بعمل إصلاحات في 3 مجالات هي: تعزيز انضباط المالية العامة، والتحقق من استدامة عرض الطاقة، وتحسين مناخ الأعمال. وانتقدت المبادرة المصرية تلك الالتزامات لأنها تأتي في وقت تعجز فيه الحكومة عن تلبية المطلب الشعبي برفع جودة وإتاحة التعليم والصحة، بجانب عجزها عن زيادة الإنفاق العام على هذين القطاعين، وعلى البحث العلمي وفقاً لمقتضيات الدستور. سرية الاتفاق تثير الشكوك تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية انتقد سرية المفاوضات، وغياب الإجراءات الدستورية في إبرام القروض الدولية، ما حرم الوثيقة فرصة النقاش أمام الرأي العام، وخاصة أن الحكومة بدأت المفاوضات قبل أكثر من عام على الإعلان الرسمي، ووقعته قبل أيام من انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان؛ وذلك تفادياً لأي نقاش حوله، فيما يخالف المادة 127 من الدستور، التي تنص على رفض الاقتراض أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة. من جانبه، الدكتور محمد النجار، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها، قال إن كل ما يهم الحكومة هو ما يتصل بالإنفاق من خلال خفض الدعم وإقلال مخصصات الأجور الحكومية من خلال تقليص عدد العاملين وليس تخفيض الأجور للموظف، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى قلاقل سياسية واجتماعية، واصفاً تحريك الأسعار نحو الانخفاض بأنه "مصيبة" تضر أكثر محدودي الدخل ومتوسطية. وأشار النجار إلى أن الحكومة انتظرت أن تفعل ذلك بعد تشكيل مجلس النواب لتمرير هذه القرارات، لأنه لن يتم الا من خلال المجلس، حتى يتحمل المجلس أمام الشعب نتائج هذ الأمر. أما الدكتور يوسف إبراهيم، الخبير الاقتصادي، فأوضح في تعليقه على شروط البنك الدولي لإقراض مصر مليار دولار، إن قروض البنك الدولي تنقسم لنوعين، النوع الأول لتمويل مشروعات ذات جدوى اقتصادية وهي لا تتطلب أي شروط سياسية أو اقتصادية، والنوع الثاني قروض لتمويل عجز الموازنة وهي ما يطلق عليها إصلاحات اقتصادية، وهي قروض تكون مشروطة بإصلاحات في أوجه الإنفاق للدولة، لأن قيمة القرض تكون موجهة لسد احتياجات الدولة المالية دون أي عائد، وبالتالي تلجا مؤسسات التمويل مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى وضع شروط تضمن من خلالها التزام الدولة بالسداد، مشيرا إلى أنه عندما طلبت مصر قرض 4.8 مليار دولار من البنك الدولي بعد ثورة يناير، قام البنك بوضع شروط مجحفة تتعلق بتحرير سعر الجنيه أمام الدولار ليصل إلى 9 جنيهات، وهو ما رفضته الحكومة في ذلك الوقت لما له من آثار كبيرة في رفع الأسعار، لكن ومع تضخم عجز الموازنة مؤخرا ليتعدى 11%، لجأت الحكومة للبنك الدولي مرة أخرى لسد العجز، وهو اللجوء الذي ستكون آثاره السلبية أكبر على المواطنين البسطاء. موجة غضب تنتظر الحكومة اعتبر ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطى، أن المهندس شريف اسماعيل يكتب نهاية حكومته بيده، من خلال هذه التصريحات وفي حال اتخاذه قرارات مؤلمة يتحملها الفقراء ومحدودى الدخل.
وأوضح الشهابي، أنه إذا كان ولابد من اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة من أجل الإصلاح، فعلى شريف إسماعيل أن يغير من سياسات حكومته الاقتصادية ويحمل تلك القرارات على الاغنياء. وفي الوقت ذاته، أكد أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي، أن هذا الكلام ليس جديد وانما هو تكرار واستنساخ لكل المبررات التى قدمتها الحكومات السابقة من أجل تخفيض نصيب الملايين من فقراء مصر من حقهم في الدخل القومى، ورفع الدعم، والتنصل من دور الدولة الاجتماعى. وحذر شعبان من موجة الغضب التى يمكن أن تترتب على مثل هذه القرارات، مشيرًا إلى أنها كانت سبب لاحتقانات وانفجارات شعبية كثيرة، مثلما حدث في 25 يناير، معربًا عن تخوفه من أن يفتح هذا الأمر الباب أمام الجماعات الإرهابية للقيام بدور الدولة، من خلال تقديم خدمات رخيصة للمواطن. شروط البنك الدولي لإقراض مصر حدد البنك الدولى الشروط التى قطعها على مصر لمنحها القرض الأخير بقيمة 3 مليارات دولار، وتركزت فى حزمة اشتراطات يتعلق أبرزها بالحد من تضخم الأجور وترشيد الدعم وضبط أوضاع المالية العامة من خلال ترشيد الأنظمة الضريبية، والحد وتقوية إدارة الدين، وتحرير سوق الطاقة، لتيسير زيادة مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز بيئة أنشطة الأعمال من خلال حزمة من الإصلاحات تستهدف تقليص الإجراءات الروتينية، وتقليل الحواجز أمام دخول السوق، والتشجيع على المنافسة. شروط البنك الدولي عبء على الشعوب النامية إن شروط الإقراض المفصلة تجعل القروض عبء على الدول النامية لأنها فى أغلب الأحيان "تقيد دور المؤسسات السياسية الوطنية وتحد من تطوير المؤسسات الديموقراطية المسئولة". والواقع أن محاولة الوفاء بعشرات الشروط قد تصبح عائقا صعبا أمام صنع القرار فى عملية الإصلاح، وليس من الممكن فرض الإصلاحات المؤسسية على الدول بواسطة شروط تأتى من الخارج، بل ينبغى تصميم هذه الإصلاحات وتطويرها من الداخل. ومع مرور السنين، اتسع مجال شروط الاقراض بعد أن كان فى الأصل مقتصرا على متغيرات الاقتصاد العام، فالدول النامية التى كانت تواجه عددا قليلا من الشروط الهيكلية لكل برنامج طوال عقد الثمانينات أصبحت فى أواخر التسعينات تواجه أكثر من اثنى عشر شرطا مختلفا لكل برنامج فى المتوسط. وبالتالي أدت زيادة عدد الشروط إلى زيادة مخاطرة الدول التى تعجز عن الوفاء بتلك الشروط مما أدى إلى عزوف حكومات عن التفاوض بشأن القروض، حيث أن الاشتراطات المفصلة لا تقدم للحكومات كثيرا من الخيارات عند تصميم سياسات الإصلاح حتى أنها تعتبر فى الغالب بمثابة هجوم على السيادة الوطنية. نيجيريا نموذجًا لم تتمكن نيجيريا، رغم العناية المتزايدة من البنك الدولى، من إدخال تحسين ملحوظ على أدائها الاقتصادي، بل ظلت أكثر اعتمادا على قروض البنك الدولى بينما أخذت المنح المقدمة من المانحين الدوليين تتضاءل مع مرور السنين، وظلت نيجيريا مرارا وتكرارا تطلب المساعدة من صندوق النقد الدولى ومن البنك الدولى، ولكنها فى الغالب كانت تعلق المفاوضات على القرض بسبب كثرة الشروط المفروضة عليه. وقد بلغ متوسط الشروط التى فرضها البنك الدولى وصندوق النقد الدولى سنة 1999 على 13 دولة أفريقية جنوب الصحراء 114 شرطا لكل دولة، وكان لتنزانيا النصيب الأكبر من هذه الشروط حيث بلغ عددها 150 شرطا، وثبت أنه من المستحيل أن تتمكن هذه الدول الأفريقية من تلبية هذا العدد من الشروط وأن تنجح فى نفس الوقت فى تحسين مستوى معيشة شعوبها بكفاءة.