جدل كبير أثارته تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير حول سد النهضة بين الخبراء في الشأن الإفريقي، بعد أن قال البشير إنَّ مصر عليها أن تعرف أنَّ سد النهضة الإثيوبي سيتم إكماله وإنَّ سد النهضة أصبح واقعًا. تصريحات البشير فرضت رؤية جديدة للتعامل مع أزمة سد النهضة من باب تغيير الآلية التي يتبعها المفاوض المصري في هذه القضية، لا سيَّما في ظل المماطلة الإثيوبية في عقد اجتماعات مناقشة الملف. الدكتور هاني رسلان مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الخبير في الشأن السوداني والإفريقي قال ل"التحرير": "النظام السوداني يعتبر مصر عدوًّا له وهذه مشاعر عبَّر عنها لفترات طويلة والآن يعود إليها مرة أخرى عبر تصريحات تؤيد سد النهضة على اعتبار أنَّه أصبح أمرًا واقعًا". وأضاف: "النظام الحاكم في السودان لديه رغبة في إنشاء سد النهضة بمواصفاته الحالية بداعي أنَّ ذلك سيحقِّق مصالحه، كما يتصور أنَّ السد سيضعف من قوة مصر دون أن يتكلف هو أي شيء"، لافتًا إلى أنَّ مصر لا تعترض على سد النهضة من ناحية المبدأ لأنَّها تعترف بحق إثيوبيا في التنمية وتوليد الطاقة لكنَّ الخلاف معها على السعة التخزينية للسد الذي تمَّت مضاعفته بقدر خمسة أضعاف، إذ كان تصميمه الأصلي طبقًا للدراسات الأصلية الأمريكية والبريطانية 14 مليار متر مكعب وارتفاعه 90 مترًا لكنَّ إثيوبيا رفعت السعة التخزينية دون أي مبرر إلى 74 مليار متر مكعب وارتفاعه إلى 145 مترًا". وأوضح أنَّه لتخفيض الضرر على مصر يستلزم ذلك تخفيض هذه السعة ويمكن التفاوض معها على ذلك، مشيرًا إلى أنَّ أديس أبابا تماطل في إجراء الدراسات المائية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية التي تقيس تأثير السد على مصر من تلك النواحي لفرض السد كأمر واقع. وذكر رسلان: "سد النهضة ارتفع 50 مترًا عن سطح الأرض، وبالتالي ما زالت هناك فرصة للوصول إلى توافقات مع إثيوبيا بحيث تحقق مصالحها في توليد الكهرباء ببناء سد يكون مقبولا لدى مصر".
الدكتورة نانيس فهمي الباحثة فى الشؤون الإفريقية قالت ل"التحرير": إنَّ تصريحات البشير تمثل صدمةً، لكنها كشفت الموقف المتواطئ للسودان مع إثيوبيا خلال مفاوضات سد النهضة، لأنَّها كانت تلعب طوال الوقت دورًا مراوغًا اتضح الآن بعد تصريحات البشير، مطالبةً بضرورة رد الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوة على تلك التصريحات وليس وزارة الخارجية. وأضاف: "للأسف نحصد نتاج إهمالنا للقارة الإفريقية طوال السنوات الماضية، وتأجيل الاجتماع السداسي لوزراء الرى والخارجية بشأن سد النهضة الذي كان من المقرر له يوم الأحد الماضي بالعاصمة السودانية الخرطوم وتمَّ تأجيله بناءً على طلب إثيوبي، هو استمرار للتعنت والمماطلة الإثيوبية في مفاوضات سد النهضة لكسب مزيد من الوقت للإسراع في بناء السد وفرضه كأمر واقع على القاهرة". وأشارت إلى أنَّ هذا الاجتماع كانت له أهمية خاصة نتيجة وجود وزراء الخارجية، حيث إنَّ الاجتماع كان سيصبح أكثر حسمًا من الاجتماعات السابقة، متابعةً: "هناك عداء إثيوبي تجاه مصر، واتضح ذلك من خلال منح إثيوبيا شركة إسرائيلية حق تسويق سد النهضة وهو ما يؤكِّد وجود أصابع خارجية تعبث بالمصالح المصرية، وهناك دعم أمريكي إسرائيلي لأديس أبابا لتحريضها ضد مصر وخنقها مائيًّا". ورأت: "لا بد أن يكون لمصر موقف حاسم خلال الأيام المقبلة مثل مطالبة مصر بالتحكيم الدولي، فضلًا عن الدعوة إلى اجتماع رئاسي بين مصر وإثيوبيا لحل الأزمة، وبخاصة أنَّ أديس أبابا ماضية في خطتها في بناء وتشغيل السد دون أي نظر للمطالب المصرية التي تطالب بإبطاء العمل في السد بما يتناسب مع سير المفاوضات التي تسير ببطء شديد". وأوضحت أنَّ الدراسات التي تطالب مصر بإجرائها لقياس تأثير سد النهضة على مصر من الناحية البيئية والاجتماعية والمائية والاقتصادية لن تنتهي خلال فترة قصيرة، وتستغرق عملية إجرائها أكثر من عام، لافتةً إلى أنَّ تلك الفترة كفيلة بالانتهاء من السد وبدء تشغيله، لذلك فلا مفر من إيقاف أعمال بناء السد فورًا.